"يلين" أول وزيرة للخزانة الأمريكية على موعد مع معركة المناخ

جانيت يلين
جانيت يلين المصور: Alex Wong/Getty Images
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعهَّدت "جانيت يلين" أن تضع قضية مكافحة تغيُّر المناخ من بين أولوياتها كوزيرة للخزانة الأمريكية، مما جعل النشطاء يتطلَّعون إلى وضع هذه القضية في مركز السياسة الاقتصادية الأمريكية للمرة الأولى.

وتعدُّ يلين التي تقود وزارة الخزانة، ممن تحدثوا عن مكافحة المناخ سابقاً، وقد أيدت بالفعل فرض ضريبة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحثَّت الدول على إنشاء مجالس مستقلة قادرة على اتباع سياسات مناخية قوية دون تدخل سياسي.

تمويل شركات النفط والغاز

ويطالب نشطاء قضايا المناخ يلين أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأن تستغل دورها كواحدة من أقوى الشخصيات في مجال التمويل لإدارة السياسة المالية، في قيادة حملات مواجهة الاحتباس الحراري العالمي.

وحدد بعض منهم خططاً تمكِّن يلين من إحداث تنظيم أكثر إحكاماً على تمويل شركات النفط والغاز بموجب قانون "دود-فرانك"؛ لدرجة أنَّ بعض المطالبات وصلت إلى حدِّ بيع أصول الوقود الأحفوري.

ويقول جيمي هينن، مدير مجموعة "Fossil Free Media" غير الربحية: "سيكون لدى يلين القدرة على المساعدة في تحويل تريليونات الدولارات من الوقود الأحفوري وتريليونات أخرى إلى مصادر الطاقة المتجددة. فهي قادرة على تقديم الكثير لصالح الأعمال الخضراء أكثر من أيِّ منصب وزاري آخر".

رغبات اشتراكية

ورفضت يلين إجراء لقاء صحفي بشأن هذا التقرير. وتعهدت حملة الرئيس بايدن خلال الانتخابات بتحويل تهديد تغيُّر المناخ إلى وسيلة لتعزيز الاقتصاد، وخلق فرص العمل.

ومن المتوقَّع أن تلعب وزارة خزانة يلين دوراً مركزياً في هذا الجهد من خلال المساعدة في صياغة الإنفاق التحفيزي من أجل انتشال الولايات المتحدة من الركود والوفاء بتعهد بايدن بالاستثمار بما قد يصل إلى 2 تريليون دولار في الطاقة النظيفة.

وقد يحدُّ الكونغرس من طموحات بايدن ويلين فيما يتصل بالإنفاق الكبير على الطاقة النظيفة، إذ سيشغل الجمهوريون 50 مقعداً على الأقل في مجلس الشيوخ، في حين هاجم المحافظون طموحات الديمقراطيين في الكونغرس بما يتصل بموجة من الإنفاق لدفع الطاقة النظيفة، وكفاءة استهلاك الطاقة، وذلك من خلال عدَّة وسائل من بينها التخفيضات الضريبية، والاستثمارات الموسَّعة، ووصفوها بالرغبات الاشتراكية.

إدارة كلينتون

ويعود اهتمام يلين بالتصدي إلى تغيُّر المناخ إلى الفترة التي أمضتها في إدارة كلينتون، عندما كانت رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين. وهي لم تتحدث بشكل واضح عن هذا التهديد.

وقالت في مقابلة مع "بلومبرغ" خلال شهر أكتوبر: "إنَّ الأمر سوف يخلِّف عواقب مدمِّرة تماماً على الإنسانية إذا لم نتصدَّ له، إنَّ الوقت يداهمنا لاتخاذ الخطوات الضرورية".

ولقد بدأ تغيُّر المناخ يؤثر بالفعل على استثمارات الطاقة، الأمر الذي يزيد من خطر خسارة احتياطيات النفط، والغاز، والفحم لقيمتها أو تقويض قدرتها على النمو مع تشديد خناق الحكومات على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، وقد يؤثِّر هذا التوجُّه على الاستثمارات غير المرتبطة بالطاقة في المباني التجارية والعقارات التي تواجه خطراً بسبب تجاوز ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الأكثر شدَّة التي تؤججها التغيُّرات المناخية.

الروابط الحاسمة

ويقول أندرو ستير، رئيس معهد الموارد العالمية، إنَّ يلين تدرك الروابط الحاسمة بين الصحة الاقتصادية للبلاد، وتغيُّر المناخ، وبصفتها رئيسة للخزانة: "سيكون لدى يلين سلطة قوية لعرض المخاطر، والفرص المناخية بشكل أكثر مركزية في الأنظمة الاقتصادية والمالية الأمريكية."

ويزعم الديمقراطيون التقدميون أنَّ الاستعانة بوزارة الخزانة في المعركة ضد تغيُّر المناخ يتفق مع خطة بايدن الرامية إلى تبني نهج كامل من جانب الإدارة الأمريكية في التعامل مع هذه القضية.

وتقول ريانا رايت، وهي مديرة سياسة المناخ في معهد روزفلت: "القطاع الخاص لن يأخذ هذا الأمر على محمل الجدِّ ما لم تتخذ الإدارة الأمريكية موقفاً".

في حين يقول منتقدو هذا النهج، إنَّ الكونغرس - وليس وزارة الخزانة- لابد أن يأخذ زمام المبادرة في التصدي إلى تغيُّر المناخ والمخاطر المالية التي يفرضها.

صراعات الصناعة

ومن جانب آخر، يقول كايل إيساكوير، وهو نائب رئيس المجلس الأمريكي لتشكيل رأس المال، وهي مؤسسة فكرية لدعم السوق الحر: "إنَّ السياسات الجديدة المهمة، مثل التصدي للمناخ، لا ينبغي أن تحدَّد من خلال السياسة المالية أو أي سياسات أخرى، لم يكن هدفها التصدي لمثل هذه القضية الكبرى. ولكن في ظلِّ التشريعات المصممة خصيصاً للتصدي لمخاطر تغيُّر المناخ، فإنَّ السياسة المالية من الممكن أن تلعب دوراً بذلك".

ولا يوجد شك بأنَّ أيَّ تحركات عدائية ستدعو إلى صراع مع صناعة النفط والغاز الأمريكيّة التي تستعد بالفعل لإدارة بايدن، ومواجهة إحكام الولايات للسياسية البيئية الخاصة بالتنقيب، ومنع الإنشاءات المتعلِّقة بالصناعة على الأراضي الفدرالية.

وفي الواقع، فإنَّ بعض الخيارات المطروحة لمواجهة التغير المناخي، مثل زيادة المتطلبات المترتبة على الاحتفاظ برأس المال للبنوك التي لديها استثمارات في الوقود الأحفوري، هي "فكرة مروعة"، على حدِّ وصف نوربرت ميشيل، وهو مدير مركز تحليل البيانات التابع لمؤسسة "هيريتيج فاونديشن". ويقول ميشيل": "إذا كنا سنتحدث عن كارثة مناخية، كأن يحترق كوكب الأرض، فإنَّ أيَّ بنك يحتفظ برأس مال إضافي بنسبة 2% أو لا يقوم بإقراض شركات معينة لن يغير هذا الوضع".

وفي وقت سابق، دعت يلين إلى وضع خطة لفرض ضريبة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وخصم العائدات للمستهلكين، واصفة تلك الخطوة بأنَّها "الحل النموذجي لمشكلة تغير المناخ". وبحسب معطيات الواقع، فإنَّ نهج ضريبة الكربون، المدعوم أيضاً من قبل رؤساء البنك الاحتياطي الفيدرالي السابقين، وخبراء الاقتصاد البارزين، يتمُّ طرحه بديلاً للصفقة الخضراء الجديدة، وهي الخطة الشاملة من التقدميين للتعبئة الوطنية العشرية لتحويل الولايات المتحدة إلى موارد الطاقة الخالية من الانبعاثات مع إنفاق التريليونات على البرامج الاجتماعية.

تمكين التغيير

وفي أكتوبر الماضي، انضمَّت يلين إلى محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني في حثِّ الحكومات على إنشاء مجالس لتغيُّر المناخ تتمتَّع بصلاحية مواجهة المشكلة دون تدخل سياسي.

وبوسع وزارة الخزانة الأميركية إحداث تأثير عالمي من خلال رسم استراتيجيات جديدة لتمويل المناخ من خلال مجموعة العشرين، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. ويمكن توجيه التمويل نحو مشاريع خفض الانبعاثات في الخارج، مع عمل وزارة الخزانة على تشجيع التخلُّص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري بالإضافة إلى زيادة التمويل الذي يركِّز على إغلاق محطات الفحم.

كما يمكن أن تبدأ يلين ببساطة بالتصدي لهذه الأزمة في إطار النظر لوضع العمال والشركات الأمريكية، إذ يمكن لسياسات المناخ أن تحفِّز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل قوية وأسواق مالية مرنة، وهو ما جاء في مذكرة مكوَّنة من 24 صفحة عن الفترة الانتقالية بين بايدن وهاريس. كتبها كلٌّ من تيم بروفيتا من جامعة ديوك، بالشراكة مع جوزيف ألدي وهيمامولي داس، وهما من بين المسؤولين السابقين في البيت الأبيض.

وجاء في المذكرة أيضاً: "إنَّ وزير الخزانة، ووزارة الخزانة مهمان لنجاح جهود الإدارة لنقل الاقتصاد الأمريكي والعالمي إلى مسار منخفض الكربون، وحماية الاقتصاد من صدمات تغيُّر المناخ".

ويقول النّاشطون، إنَّ أحد البرامج الرئيسية التي ستقدمها يلين، ستكون من خلال رئاستها لمجلس الرقابة على الاستقرار المالي الذي يجمع بين لجنة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والأوراق المالية، والبورصة، ولجنة تداول السلع الآجلة، والوكالات الأخرى. وبوسع اللجنة أن توجه الوكالات والهيئات التنظيمية نحو التصدي لمخاطر محددة بشكل أفضل، ومنها الاحتباس الحراري العالمي.

ويقول جراهام ستيل، وهو مدير مبادرة الشركات والمجتمع في جامعة ستانفورد: "من المفترض أن يعمل مجلس الرقابة على الاستقرار المالي كآلية لإجبار الهيئات التنظيمية المالية على القيام بمهامها، والتصدي لـ"المخاطر الناشئة"، والعمل على زيادة تركيز النظام المالي بالكامل على هذه المخاطر، وتنظيم الهيئات بشكل أفضل".

إجراءات الاحتياطي الفيدرالي

وبصفتها رئيسة للخزانة، فإنَّ يلين كان بوسعها دفع المجلس إلى وضع توصيات للإصلاح التنظيمي المالي الذي يركِّز على المناخ والتنظيمات المالية. كما تستطيع أن تشجع مجلس رقابة الاستقرار المالي على تصنيف شركات النفط والغاز باعتبارها مؤسسات مالية غير مصرفية ذات أهمية تنظيمية، أو ما يسمى اختصاراً بـ"SIFIS"، وهي التسمية التي من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز التنظيمات والإشراف عليها من قِبَل النظام الاحتياطي الفيدرالي.

ويتطلَّب قانون "دود-فرانك" من النظام الاحتياطي الفيدرالي أن يعكف على صياغة "معايير تحوطية معززة" لأيٍّ من المؤسسات المالية ذات الأهمية التنظيمية، كما يتمتَّع المجلس بسلطة التوصية بالمعايير التي ينبغي اتباعها. وتطبيق مثل هذا التصنيف من شأنه أن يسمح للنظام الاحتياطي الفيدرالي بفرض اختبارات الإجهاد على صناعتي النفط والغاز، مع تقييم محافظ الشركات في ظل سيناريوهات تشمل حدوداً صارمة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، أو تغيراً سريعاً في درجات الحرارة العالمية. وبوسع النظام الاحتياطي الفيدرالي أن يستخدم النتائج لتحديد حدود رأس المال، والحد من استثمارات الوقود الأحفوري على أساس المخاطر المحتملة التي تهدد الأمن المالي.

وقد حصلت هذه الفكرة على دفعة قوية من قِبَل الناشطين والمراقبين في مجال البيئة، بما في ذلك حركة "إيفرجرين" التي أسسها مساعدون سابقون لحملة حاكم ولاية واشنطن جاي إنسلي الرئاسية.

وفي مذكرة سياسية قالت حركة "إيفرجرين": "تتمتَّع وزارة الخزانة بالقدرة على فصل نظامنا المالي عن استثمارات الوقود الأحفوري التي تعرِّضنا جميعاً للخطر، وإجراء استثمارات خضراء كبيرة، وتحقيق الاستقرار في نظامنا المالي".

وقد اتخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي خطوات لمواجهة هذه القضية، وتمثَّل ذلك من خلال عقده لمؤتمر سان فرانسيسكو العام الماضي، وأيضاً في إعلانه في شهر نوفمبر، وهو الأوَّل من نوعه، الذي صرَّح فيه البنك الاحتياطي الفيدرالي أنَّ تغيُّر المناخ يشكِّل خطراً على الاستقرار المالي.

وخلال مقابلة مع "بلومبرغ نيوز" قالت يلين، وهي الرئيسة السابقة للمجلس الاحتياطي الفيدرالي، التي تدرك أنَّ الحكومات والشركات تفضِّل حالة اليقين دائماً: "إنَّ المسار المتوقَّع" هو المسار الأفضل.

وأضافت: "لا أقول إنَّنا نحتاج إلى هدم كلِّ محطة لتوليد الطاقة لا تزال تستخدم الفحم". ولكن عندما يتمُّ بناء محطات طاقة جديدة، فإنَّ الحوافز لابد أن تكون موجودة للقيام بشيء يتسبَّب في انبعاث غازات أقل من الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري العالمي".