سريلانكا بحاجة إلى بنك يشتري ديونها السيئة لحل أزمتها المالية

الأولوية القصوى هي جذب الصين إلى مائدة المفاوضات وسط خطة لتخفيض ديونها 30%

عاملة تعمل على ماكينة خياطة بأحد مصانع الملابس في سريلانكا
عاملة تعمل على ماكينة خياطة بأحد مصانع الملابس في سريلانكا المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ستتحرر سريلانكا من قيود الديون قريباً، أو هذا ما تظنه بسبب الحالة المتفائلة في سوق سنداتها. كما أن هناك أملاً في أن تتمكن الجزيرة المفلسة في المحيط الهندي من عقد صفقة مع الصين، أكبر دائن ثنائي، بعدما تمكنت زامبيا مؤخراً من كسب دعم بكين لإعادة جدولة ديونها.

مع ذلك، فالقلق حيال الوظائف والدخل يهيمن على العاملين. فشبح خسارة القدرة على الوصول إلى الأسواق الأوروبية الجوهرية مع إعفاء جمركي يلوح في قطاع الملابس الجاهزة، أكبر وأهم صادرات الاقتصاد. كما تلقت مدخرات التقاعد العائلية ضربة من إعادة هيكلة الحكومة لديونها، وأثار الحديث عن تطبيق قواعد توظيف جديدة انزعاج نقابات العمال.

لكن تحميل أي من الأطراف المعنية منفرداً عبء تسوية الديون بشكل أكبر من اللازم قد يأتي بنتائج عكسية، فالتوصل إلى التوازن المناسب بين مصالح القوى العاملة ورأس المال سيكون مهماً إذا أراد الاقتصاد التخلص من مشكلاته.

عبء الديون السيئة

هناك مجموعة واحدة من الأطراف المعنية تشعر بأمان نسبي. فمن منظور أسواق رأس المال، تمت إعادة الهيكلة الأخيرة للالتزامات المالية السيادية المحلية بنجاح. واطمأنت البنوك إلى نجاتها من تخفيضات قاسية في قيمة القروض. تخفّض السلطة النقدية أسعار الفائدة بشكل كبير للاستفادة من تراجع التضخم.

خفضت أسعار الفائدة يوم الخميس بمقدار 200 نقطة أساس، وهو ثاني تخفيض يحدث في شهرين، يجب أن يخفف من الضغط على الإدارة السريلانكية، والتي تمول عجزها عبر سندات خزانة قصيرة الأجل. تراجعت تكاليف الإقراض لمدة عام بمقدار 1,300 نقطة أساس منذ مايو.

مع ذلك، لم يحن بعد وقت الاحتفال بمجرد بداية لإعادة هيكلة أشد عمقاً وأكثر إثارة للجدل، بدونها قد لا يتمكن اقتصاد الدولة الجنوب آسيوية من تحقيق قوة الميزانية أو الدخل الدولاري لتجنب التحول إلى دولة تتخلف عن سداد ديونها بشكل متكرر.

كيف دفعت عائلة باقتصاد سريلانكا للانهيار

يعد النظام المالي المرشح الأبرز للإصلاح الشامل. فتحتاج سريلانكا إلى بنك يشتري الديون السيئة. صحيح أن البنوك تفادت تكبد خسائر على سندات الخزانة الصادرة بالعملة المحلية، لكن تراجع إنتاج الدولة بنحو 8% في العام الماضي، ترك البنوك مع كومة من الديون السيئة. ففي الآونة الأخيرة، ابتلعت مخصصات الديون السيئة بشركة "كوميرشال بنك أوف سيلون" (Commercial Bank of Ceylon Plc) %85 من صافي إيراد الفوائد بأكبر بنك في القطاع الخاص بالبلاد.

يقدم اتفاق الإنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي فرصة لإعادة رسملة البنوك. مع ذلك، وقبل ضخ أموال جديدة، يجب على الحكومة حذف الديون السيئة المرتبطة بالسياحة، والعقارات، والمجالات المتعثرة الأخرى، من سجلات البنوك عبر ابتكار نسختها الخاصة من "داناهارتا" (Danaharta)، الوكالة التي أسستها ماليزيا في أثناء الأزمة المالية الآسيوية في 1997 و1998 (لشراء الديون السيئة من المؤسسات المالية).

صادرات الملابس تحقق رقماً قياسياً

إذا فعلت سريلانكا ذلك، وحمت البنك الذي يشتري الديون السيئة من الدعاوى القضائية الصغيرة، سيصبح النظام المالي قوياً بما يكفي لبدء تقديم قروض جديدة. كما سيتجنب الاقتصاد الركود الممتد في الميزانية، والتي يضغط فيها الالتزام بسداد الديون على الاستهلاك والاستثمار.

مع ذلك، فهذا سيترك سريلانكا في مواجهة مشكلات إنعاش النمو، وهنا قد تتعقد الأمور.

قرض "صندوق النقد" لسريلانكا يحيي مشاريع يابانية بـ 1.6 مليار دولار

فبعد القفزة في معدل الفقر في العام الماضي في ظل نقص الغذاء والوقود والأدوية، ما يزال متوسط دخل الفرد في الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة أكبر من 3,500 دولار سنوياً، ما يجعلهم أغنى بمتوسط 50% عن سكان دولة الهند المجاورة. مع ذلك، فتوقعات النمو المستقبلي ليست مبشرة.

يعد قطاع تصدير الملابس هو الأكثر جلباً للعملة الصعبة. حتى عندما استنفدت الدولة الدولار المستخدم في استيراد الخامات والوقود في العام الماضي، حاولت حماية الموردين إلى علامات تجارية مثل "نايكي" و"يونيكلو" (Uniqlo). فتمكنت مصانع الملابس من زيادة صادراتها إلى مستوى قياسي عند 6 مليارات دولار لتستفيد من انتعاش ما بعد الجائحة. تلاشى هذا الارتفاع الكبير، وتزحف مخاوف فقدان القدرة التنافسية مع عدم وجود طلبات جديدة.

خطر الحرمان من الوصول إلى السوق الأوروبية

هناك ضجة متزايدة في القطاع تطالب بعقود توظيف أكثر مرونة، بما يشمل العقود التي تسمح بالعمل الموسمي. سيكون هذا توقيتاً سيئاً لوضع عبء التعافي الصناعي على أعتاق العمال، الذين أجبروا على تقبل انخفاض حاد في استحقاقات التقاعد على مدى الخمسة عشر عاماً المقبلة باعتباره جزءاً من خطة الحكومة المؤخرة لإعادة هيكلة الدين المحلي. لم يتعافَ الدخل الحقيقي بعد من أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة في العام الماضي، ويذهب جزء كبير منه إلى وكلاء القوى العاملة الجشعين الذين يوفرون العمالة لفرص العمل المتناقصة.

الصين تنافس "صندوق النقد" وتُقرض باكستان وسريلانكا 26 مليار دولار

لكن ما قد يحدد مصير قطاع الملابس والعاملين فيه، وعددهم 350 ألف عامل، ليست إنتاجية العامل، بل القدرة على الوصول إلى المستهلكين. فالاتحاد الأوروبي يهدد بإلغاء اتفاقية 2017 الخاصة بالواردات السريلانكية المعفاة من الجمارك بسبب سجلها في حقوق الإنسان، لا سيما في إساءة الاستغلال الممنهجة لقانون مكافحة الإرهاب في أثناء وبعد الحرب الأهلية التي امتدت لستة وعشرين عاماً بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية. ستكون خسارة فرصة التجارة التفضيلية في الوصول إلى ثاني أكبر أسواقها بعد الولايات المتحدة بمثابة ضربة قوية لمُصنعي الملابس. فإلغاء قانون مكافحة الإرهاب لعام 1979 بشكل عاجل، يبدو خياراً أكثر منطقية لإدارة الرئيس رانيل ويكرمسينغه من السعي لتقديم العاملين مزيداً من التضحيات الاقتصادية بإجبارهم على مجموعة جديدة من قوانين العمل.

الصين ترفض تخفيض الديون

وسط كل هذا، يجب أن تظل الأولوية القصوى هي جذب الصين إلى مائدة المفاوضات. فبنهاية العام الماضي، كانت الحكومة السريلانكية مدينة بمبلغ 75 مليار دولار إلى الدائنين. من هذا المبلغ، هناك 41 مليار دولار التزامات محلية للبنوك، والبنك المركزي، وصناديق التقاعد، من بين كثيرين، وأُعيدت هيكلة نحو 20 ملياراً منها. أما الأربعة والثلاثون ملياراً المتبقية، فتعود إلى جهات الإقراض الأجنبية الرسمية والتجارية، وإقناعها بالتنازل عن جزء من مطالباتها يستغرق وقتاً طويلاً.

العقبة هنا هي الصين، التي ابتعدت حتى الآن عن المناقشات الجارية حالياً مع نادي باريس للمانحين. أما من وجهة نظر سريلانكا، فوصول زامبيا مؤخراً إلى اتفاق إعادة هيكلة، بعد عامين ونصف من تخلفها عن السداد، أمر مشجع، وشمل القرار جمهورية الصين الشعبية. مع ذلك، لم توافق بكين على أي تخفيضات في قيمة القروض، إذ مدد الدائنون مواعيد استحقاق مطالباتهم. خفّض ذلك أيضاً القيمة الحالية لعبء الديون بما يقارب 40%. إنه نموذج يمكن تكراره، نظراً لأن الدولة الجنوب آسيوية تستهدف تخفيض 30% من ديونها. مع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان دائنو القطاع الخاص سيوافقون على الخطة أو لا.

أما سوق السندات، فقد بدأ الطريق أمامها يبدو كما لو كان قصيراً. لكن دون بنك يشتري الديون السيئة لحل الأزمة المالية، وخطة لخفض الالتزامات تلقى قبولاً لدى أكبر دائنيها الثنائيين، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب الوحشي لاسترضاء المشترين الأجانب، فخروج سريلانكا من مصيدة الديون قد يكون مؤقتاً، وقد لا يرقى إلى حرية دائمة.