شركة أحذية فرنسية بدأت خضراء بمعايير عالية ولاتزال

سيباستيان كوب يتحدث عن كيفية دفع "فيجا" لتكون عملياتها صديقة للبيئة وتركز على توفير أجور عادلة

مشترٍ يجرب حذاء "فيجا واتا"
مشترٍ يجرب حذاء "فيجا واتا" المصدر: فيجا
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل أن تصبح كلمة "مستدام" شعاراً تستخدمه الشركات لتحقيق مبيعات بفترة طويلة، كانت قوة دافعة لعلامة "فيجا" (Veja) التجارية للأحذية في باريس، التي أسسها في 2004 فرانسوا-غيسلان موريليون وسباستيان كوب، وهما مصرفيان سابقان تعود صداقتهما إلى أيام المدرسة الثانوية.

تنفيذاً لعزمهما على توفير أجور عادلة وسلسلة إمداد صديقة للبيئة، سلك الاثنان درباً مختلفاً عن أي علامة أحذية تجارية أخرى. يتجنب موريليون وكوب صفقات الدعاية والرعاية، إذ أسّس الاثنان نشاط الشركة التصنيعي في البرازيل، اعتماداً على القطن العضوي المتجدّد من البرازيل وبيرو والمطاط البري من غابات الأمازون الذي يشترونه من تعاونيات صغيرة بسعر يزيد على سعر السوق بضعفين إلى خمسة أضعاف.

يشحنان الأحذية بعد تصنيعها من البرازيل بحراً فقط، وهو خيار ذو انبعاثات كربونية أقلّ من الشحن الجوي. عهدت الشركة بالخطوات اللوجستية إلى "أتيلييه سان فرونتير" (Atelier Sans Frontières)، وهي منظمة غير هادفة للربح توظف موظفين ذوي إعاقات وممن يواجهون مشكلات في الاندماج الاجتماعي.

بعد قرابة 20 عاماً من تأسيسها، تضمّ الشركة 500 موظف، وباعت 12 مليون زوج من الأحذية العام الماضي، محققة إيرادات بلغت 260 مليون يورو (283 مليون دولار)، وهي زيادة قدرها 44% مقارنة مع 2021. كل هذا بلا اعتماد على أي مستثمرين.

في هذه المقابلة يشرح كوب كيف تستمر هذه الشركة، الحاصلة على تصنيف "بي كورب" (B Corp) (المتعلق بالتزام المعايير البيئية والاجتماعية)، وتواصل العمل على تحسين استدامة نشاطها دون الوقوع في فخّ الغسل الأخضر، في ضوء تركيزها على الشفافية وإمكانية تَتبُّع المصادر والعدالة الاجتماعية. المقابلة صيغت بتصرُّف للتوضيح والاختصار.

سباستيان كوب، المؤسس المشارك في شركة "فيجا"
سباستيان كوب، المؤسس المشارك في شركة "فيجا" المصدر: بلومبرغ

كيف طوّرتم طرق العمل في الشركة منذ تأسيسها؟

الأمر لا ينتهي. بدأنا بأن سألنا أنفسنا عن المكان الذي تأتي منه المواد الخام لصناعة الأحذية، وكيف يمكننا أن نفعل ذلك بشكل أكثر حفاظاً على البيئة وبتركيز أكبر على الأشخاص، مثل المزارعين الذين يزرعون القطن العضوي، وجامعي المطاط في غابات الأمازون، وعمال المصانع، والقائمين على تغليف الأحذية في المخازن. كان الأمر يتعلق بدراسة سلسلة الإمداد بأكملها وتغيير مكامن ضعفها قدر الإمكان.

درسنا لاحقاً دباغة الجلود. هل هي صديقة للبيئة؟ الإجابة لا، فقد كانت الجلود المدبوغة تحتوي على الكروم. لذا غيّرنا الجلود. ثم بحثنا عن بدائل للجلود. نحن لسنا متزمتين، إذ نحاول تحسين كل المسارات التي نسلكها. لا يوجد ما هو جيد وما هو سيئ لنا. هناك ببساطة أمور ينبغي العمل على تحسينها.

لإصلاح الكوكب.. علينا العودة إلى ثقافة إصلاح المنتجات

على سبيل المثال، حين بدأنا برنامج إعادة تدوير الأحذية، احتجنا في البداية إلى جمع 10 أطنان من الأحذية التي استغنى عنها مستخدموها. حين أخذنا تلك الخطوة، لاحظنا أن الناس يتخلصون من أحذية متسخة أو بها عيب يمكن إصلاحه. أدركنا من خلال هذا البرنامج أننا بحاجة إلى خطوة تسبق إعادة التدوير، هي الإصلاح. بعد أن أطلقنا برنامجاً لإصلاح الأحذية قبل ست سنوات، لدينا الآن في الشركة 20 عاملاً لإصلاح الأحذية.

لماذا لم تبدأ بالحديث بشكل موسع عن بشأن برنامج إصلاح الأحذية إلا بعد أربع سنوات من تأسيسه؟

نعتقد أن من الأفضل الحديث عن الأمر بمجرد أن يكون لديك سجل قوي لمشروعك أو مبادرتك، حين يصبح بإمكانك التعلم من النجاح والفشل. إنها طريقة لتجنب الغسل الأخضر. كثير من الشركات يبدأ بالإعلان عن فكرة لديها قبل تحويلها إلى نتائج فعلية. إذا كنت تتحدث فقط عن المستقبل، فأنت تحلم. نحن لا نحلم، نحن نتخذ خطوات ونرى كيف تتطور الأمور. ثم نأخذ خطوة الإعلان عن الأمر.

"فيجا" تركز على الاستدامة منذ نشأتها، هل تستطيع العلامات التجارية القائمة أن تغيّر مسارها إلى هذا؟

يمكنني أن أتحدث عن شركتنا فقط. ما أعرفه هو أن معرفة التأثير أو تقدير حجمه ليس كافياً، ما يهم هو العمل، والوجود الفعلي. لدينا فريق يضمّ 12 شخصاً يعملون في غابات الأمازون على المطاط البري حصراً. في شمال شرق البرازيل، حيث نشتري القطن العضوي، لدينا فريق من ثمانية أشخاص. نحن نعرف أجور المزارعين ونعرف كيفية الحصول على الموادّ الخام، ونعرف طريقة تصنيع الأحذية لأننا هناك فعلياً. تتيح إمكانية التتبع هذه الإنتاج المستدام والعدالة الاجتماعية. نحن نرى الواقع بأنفسنا، وعندما تعرف الواقع، يصبح بإمكانك تغييره. لكن ليس قبل ذلك وليس من بُعد.

كيف تستطيع التوفيق بين حاجة المجتمع للحد من الاستهلاك ونمو مبيعات "فيجا" على أساس سنوي؟

لا أعتقد أننا بحاجة إلى التوفيق بين أي عناصر. نحن ندير الأمور بطريقتنا، وعدم اللجوء إلى الدعاية هو شكل من أشكال تلافي تشجيع الاستهلاك المفرط. نحن نطلق إصدارين جديدين فقط سنوياً، ونادراً ما تُعرَض الأحذية للبيع بأسعار مخفضة. نحن لا نطرح تخفيضات كبيرة، لأنها تشجع الإفراط في الاستهلاك. تمثّل التخفيضات أكثر من 50% من جملة مبيعات أغلب الماركات، لكنها تمثّل أقلّ من 1% في "فيجا". أهمّ شيء هو كيفية إدارة أي شركة وكيف تقاوم تلك الشركة الإنتاج المفرط.

يساوي المستهلكون عادةً الاستدامة بإنتاج السلع قرب من مقرّ العلامة التجارية. هل فكرت في التصنيع في فرنسا؟

لا أعتقد أننا بحاجة إلى معارضة العولمة، لكن علينا التفكير بطريقة إنجاز الأمر بشكل أفضل وبمزيد من التزام اللوائح التنظيمية. لقد بدأنا الإنتاج في البرازيل، وذلك لأن الإيفاء بمعاييرنا في فرنسا كان مستحيلاً.

لقد زرنا كل مصانع الأحذية في فرنسا وعددها كبير. تحصل هذه المصانع على النعال من آسيا والأجزاء العلوية من دول المغرب العربي، ثم تجمعها في فرنسا، وفجأة أصبحت هذه الأحذية تحمل شعار"صُنع في فرنسا".

سأوجّه سؤالاً إلى المنتقدين: من أين تأتي أحذيتكم؟ ما الموادّ المستخدمة في صناعتها؟ هل جابت العالَم خمس مرات ثم شُحنت جوّاً؟ ليس عليكم مقارنة "فيجا" بنموذج مثالي، بل قارنوها فقط بالواقع.

إلامَ ترجع نجاح "فيجا" المستدام؟

يتحقق ذلك من خلال أننا نعمل من أجل أنفسنا أولاً وقبل كل شيء، لا من أجل المستهلكين. إذا عملت من أجل المستهلكين، ستتخلف عن الركب بعدة سنوات. لقد فكّرنا في 2005 في التجارة العادلة والأحذية الرياضية العضوية ونوع الشركة التي أردنا العمل بها، لكن لم يكُن هناك مَن يفهم ماهيتها.

قال الجميع إن الفكرة لن تنجح، ولا أحد يكترث للأحذية المصنوعة وفق المعايير الأخلاقية، لكننا لم نستمع إليهم، وكان ذلك جيداً. لكننا توقفنا عن محاولة إقناع الناس بأن يهتموا بالإنتاج المستدام. أعتقد أن 95% من الناس الذين ينتعلون أحذيتنا لا يعرفون أو لا يحاولون معرفة التفاصيل، وهذا لا بأس به. لكن إن انتظرت هذه الخطوة منهم، فستنتظر إلى الأبد.