المستأجرون يفقدون مدخراتهم بسبب نظام عتيق في كوريا الجنوبية

أكثر من 50% من المستأجرين بنظام "تشونسه" هم عرضة لخسارة جزء من أموالهم

لافتات احتجاج على واجهة مبنى سكني حيث قيل إن الاحتيال بنظام "تشونسه" تسبب في حالات انتحار عدد من المستأجرين
لافتات احتجاج على واجهة مبنى سكني حيث قيل إن الاحتيال بنظام "تشونسه" تسبب في حالات انتحار عدد من المستأجرين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تملك القلق لي تشول بين لدرجة أنه بات يتحاشى التواجد بين أفراد أسرته وأصدقائه حين أدرك أنه غالباً لن يستعيد وديعة تبلغ 210 ملايين وون كوري جنوبي (163 ألف دولار) عن شقته المستأجرة في سيؤول، عند انتهاء فترة الإيجار في نوفمبر. قال لي، الذي اقترض 120 مليون وون لتغطية جزء من الوديعة: "لم أستطع النوم ليلاً أو التركيز في وظيفتي لأشهر".

عثرت السلطات على جثة المالك الذي استأجر لي منه الشقة في غرفة فندق في أكتوبر. استبعدت تحقيقات الشرطة أي شبهة جنائية أو أن يكون سبب الوفاة هو الانتحار، لكن وسائل الإعلام المحلية قالت إنَّ الرجل، الذي أطلقوا عليه لقب "ملك الفيلات" (Villa King) لامتلاكه أكثر من 1100 وحدة للإيجار في أنحاء سيؤول، كان متأخراً في دفع الضرائب وكانت السلطات تحقق معه بتهمة الاحتيال.

يسمي الكوريون تندراً الشقق الصغيرة الكائنة في مبانٍ كئيبة من خمسة أو ستة طوابق "فيلا" وهي عادة ما تفتقر إلى المرافق الموجودة في الأبراج السكنية الأنيقة والأفضل تجهيزاً. قال "لي"، الذي بلغ 29 عاماً من عمره ويعمل في شركة ناشئة في مجال العقارات: "سمعت الكثير من الأمور مثل (كان عليك أن تتحرى الأمر بدقة). واقعياً، لا أعتقد أنني سأحل كل المشاكل بحلول نوفمبر، حين ينتهي أجل الوديعة".

لي تشول بين
لي تشول بين المصدر: بلومبرغ

وديعة "تشونسه"

بموجب نظام فريد من نوعه في كوريا الجنوبية، يحصل أصحاب العقارات على وديعة من المستأجرين اسمها "تشونسه" (jeonse) تعادل بين 50% و90% من قيمة العقار في بداية فترة التأجير، الذي تبلغ فترته عادةً عامين. لا يدفع المستأجرون في العادة أي إيجار طوال الفترة، فيما يحقق مالك العقار أرباحاً باستثمار الأموال، وذلك عادةً من خلال شراء أو بناء مزيد من الشقق. يلزم العقد أصحاب العقارات برد الوديعة في نهاية فترة التأجير.

تتبع المؤرخون جذور مبدأ "تشونسه" إلى القرن التاسع عشر، لكنه لم ينتشر فعلياً حتى سبعينيات القرن الماضي حين اتجه الكوريون الجنوبيون إلى المدن فيما كانت البلاد تتحول إلى النشاط التصنيعي. يستمر العمل بنظام "تشونسه" حتى اليوم نظراً لأن الرهون العقارية ليست في متناول يد الكثيرين.

أسواق الإسكان الأكثر سخونة في العالم تواجه إعادة تقييم مؤلمة

وصف ناثان بارك، المحامي في "كيبلر فاولر آند كايف" (Kibler Fowler & Cave) في واشنطن، الأمر بـ"النظام المالي غير المحكم" الذي يستمر العمل به من حقبة سابقة. يجيب بارك، وهو خبير في سياسة واقتصاد شرق آسيا، على استفسارات المستأجرين الذين يطلبون مساعدته في تتبع مصير ودائعهم منذ أن نشر مقالاً عن سوق الإسكان في كوريا الجنوبية في مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) في 2020.

كان النظام الذي يعد بالأساس مخططاً هرمياً حاصلاً على موافقة الحكومة – وفيه يدفع أصحاب العقارات ودائع المستأجرين الذين تنتهي عقود إيجارهم باستخدام أموال حصلوا عليها من مستأجرين جدد– يعمل بسلاسة نسبية حين ارتفعت أسعار العقارات في المدن الرئيسية بالبلاد. لكن هذا الاتجاه الذي استمر لعقود تغير تماماً حين بدأ بنك كوريا يرفع أسعار الفائدة بشكل كبير في 2021 لكبح التضخم.

صعوبات الاسترداد

منذ بلغت ذروتها العام الماضي، تراجعت الأسعار في سيؤول، التي يعيش فيها نحو 20% من سكان البلاد، 9% في العام المالي الذي انتهى في مارس، وهو أكبر تراجع بين المدن الآسيوية خلال تلك الفترة، وفقاً لتقرير نشرته "نايت فرانك" (Knight Frank).

شهدت بعض الأحياء تراجعاً بلغ 30%، ،وكانت النتيجة أنَّ أصحاب العقارات أصبحوا يحصلون على ودائع أصغر من المستأجرين الجدد، ما يزيد من الصعوبة التي يواجهها بعضهم في رد المال للمستأجرين الذين أوشكت عقود إيجارهم على الانتهاء.

فقاعات الأسعار في أسواق الإسكان تهدد بركود الاقتصادات حول العالم

تخطى عدد الدعاوى التي رفعها مستأجرون ضد أصحاب العقارات، بسبب ودائع لم يردوها لأصحابها، 19200 دعوى في النصف الأول من 2023، بزيادة قدرها 60% مقارنةً بعام 2022 بأكمله، وفقاً لبيانات من المحكمة العليا في كوريا الجنوبية.

أشارت تقديرات البنك المركزي في تقرير صدر في مايو إلى أنَّ أكثر من مليون من أصل مليوني مستأجر دفعوا وديعة "تشونسه" معرضين لخسارة جزء من أموالهم.

تشير التوقعات إلى ارتفاع عدد حالات التخلف عن السداد في وقت لاحق هذا العام وفي 2024، وذلك لأنَّ العقود التي تبلغ مدتها عامين ويقترب أجل استحقاق وديعتها كانت قد أُبرِمت حين وصلت الأسعارلمستويات قياسية وهذا ينطبق أيضاً على الودائع. تراجع مؤشر على مستوى البلاد لقيمة ودائع "تشونسه"، يجمع بياناته "كوكمين بنك" (KB Kookmin Bank)، أكثر من 9% خلال الأشهر الـ12 حتى يونيو.

عواقب وخيمة

كانت للأزمة عواقب مأساوية في بلاد يعني فيها ارتفاع تكلفة الإسكان أنَّ معدل الدَّين للأسر من أعلى المعدلات في العالم. انتحر خمسة مستأجرين ممن خسروا أموالهم هذا العام، حسبما أفادت الشرطة.

إقراض الأسر في كوريا الجنوبية يتراجع لأول مرة مع ارتفاع الفائدة

دفعت "كوريا هاوزنغ آند إربان غارانتي" (Korea Housing and Urban Guarantee)، وهي الكيان الحكومي الذي يقدم تأميناً على الودائع، تعويضات قياسية بلغت 1.17 تريليون وون خلال 2022، وقد تحتاج إلى دفع ما يصل إلى 4.7 تريليون وون هذا العام، وفقاً ليونيونغ تشوي، المدير التنفيذي لـ"كوريا سنتر فور سيتي آند إنفايرومنت ريسيرش" (Korea Center for City and Environment Research). لم يؤمِّن سوى نحو 20% من المستأجرين بنظام "تشونسه" على ودائعهم بشكل كامل.

أسست إدارة الرئيس يون سوك يول وحدة مختصة بمكافحة أي مخططات احتيالية باستخدام نظام "تشونسه". قالت السلطات إنها حققت مع 2900 من أصحاب العقارات والوسطاء، وإنها كشفت عن عدة عصابات خلال ذلك. اتخذت الحكومة أيضاً خطوات لتعزيز سبل الحماية للمستأجرين في نظام يشتهر بضبابيته، بما في ذلك إطلاق تطبيق يمكن للمستأجرين المستقبليين استخدامه للتحقق مما إذا كان لأصحاب العقارات أي حجز ضريبي على عقاراتهم.

مقترح جديد

طرحت وزارة الأراضي والبنية التحتية والنقل، التي تشرف على النظام وتقود جهوداً للإصلاح، مقترحاً يعمل بموجبه طرف ثالث، مثل شركة وساطة، كشركة حفظ لودائع "تشونسه"، لكن ليس مفاجئاً أنَّ أصحاب العقارات لا يرحبون بالفكرة. وصف مسؤول في الوزارة، رفض ذكر اسمه لأنه ليس مخولاً ليتحدث رسمياً، الودائع التي لم تُرد لأصحابها بأنها "أثر جانبي" لنظام "تشونسه".

قالت سيم سانغ-تشونغ، وهي مشرعة من حزب العدالة المعارض، إنَّ الحكومة لا بد أن تتحمل قدراً من اللوم، وذلك لأنها لم تتحرك لكبح ارتفاع الاقتراض من جانب المستأجرين بنظام "تشونسه". قالت: "جرى ضخ مبلغ هائل في سوق الإسكان وتحديداً قروض نظام (تشونسه). ستنفجر الفقاعة في مرحلة ما".

بالنسبة للبعض، يبدو الأمر وكأن ذلك قد حدث بالفعل. ادّخرت هونغ سو-مين بعناية جانباً من راتبها من وظيفتها المكتبية لمدة ست سنوات واقترضت 88 مليون وون من أحد البنوك الرئيسية في كوريا الجنوبية لتتمكن من دفع الوديعة البالغة 110 ملايين وون لشقتها الصغيرة على أطراف سيؤول.

يُفترض أن تسترد هونغ أموالها حين ينتهي عقد الإيجار في سبتمبر، لكن صاحب العقار واجه صعوبات في مجاراة مدفوعات الضرائب ولم يحصل على مستأجر آخر.

في عصر أحد أيام مايو عند مكتب مزدحم لخدمات التعامل مع حالات الاحتيال في الإيجارات أسسته الحكومة مؤقتاً قرب سيؤول، قالت هونغ، 29 عاماً: "إذا لم أسترد الوديعة، سيتبخر كل المال الذي ادخرته في العقد الثالث من عمري. لا أريد شيئاً سوى استرداد وديعة (تشونسه) الخاصة بي".