عمالقة الاستحواذ يلجأون إلى الصناديق السيادية لإنجاز صفقاتهم

"كيه كيه آر آند كو" و"إي كيو تي" و"بروكفيلد" تبحث عن مصادر تمويل في الشرق الأوسط

صورة جوية تظهر ناطحات السحاب في حي مانهاتن بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة
صورة جوية تظهر ناطحات السحاب في حي مانهاتن بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مليارات الدولارات تنفقها الصناديق السيادية التي تمتلك أموالاً طائلة لإتمام صفقات الاستحواذ الخاصة، من شأنها أن تساعد على تسريع عجلة عقد الصفقات خلال عام تجفّ فيه مصادر التمويل الأخرى.

شركات عالمية للاستثمار في الأسهم الخاصة، من أمثال "كيه كيه آر آند كو" (KKR & Co) و"إي كيو تي" (EQT) و"بروكفيلد" (Brookfield)، لجأت كلها خلال الأسابيع الأخيرة إلى دول الخليج العربي الغنية، لجمع الأموال لصفقات كبيرة. يأتي ذلك في وقت ضخّت فيه صناديق الثروة السيادية مبالغ قياسية وصلت إلى 17.2 مليار دولار على مثل هذه الاستثمارات المشتركة في النصف الأول من العام الجاري، بزيادة نسبتها 24% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفقاً لمزود البيانات "غلوبال إس دبليو إف" (Global SWF).

رغم أن التعاون في إنجاز الصفقات ليس أمراً مستغرباً، فإن المساهمات التي يقدمها هؤلاء المستثمرون المدعومون من دولهم زادت من حيث الحجم، لأن الشركات التي تنفّذ عمليات الاستحواذ الخاص تجد أن الديون أكثر تكلفة بالنسبة إليها. سيساهم "جهاز أبوظبي للاستثمار" بمبلغ لا يقل عن مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار) في صفقة استحواذ "إي كيو تي" على شركة "ديكرا فارماسيوتيكالز " (Dechra Pharmaceuticals Plc) المصنعة للأدوية البيطرية التي أُعلنَ عنها في يونيو، والبالغة قيمتها 4.5 مليار جنيه إسترليني.

"مبادلة" تتحالف مع "G42" للاستحواذ على "ديافيريوم" السويدية بتقييم 2.5 مليار دولار

يقدّم مستثمرو الشرق الأوسط، بما في ذلك شركة "مبادلة للاستثمار" وشركة القابضة "ADQ" -الصندوقان السياديان التابعان لإمارة أبوظبي، نحو 1.2 مليار جنيه إسترليني من أجل استحواذ "بروكفيلد" على شركة أنظمة المدفوعات "نتورك إنترناشيونال هولدينغز" (Network International Holdings Plc) في صفقة قيمتها 2.2 مليار جنيه إسترليني، وفقاً لتحليل إيداعات الإفصاح لدى الجهات التنظيمية الشهر الماضي. وذكرت وكالة "بلومبرغ نيوز" الأسبوع الماضي، أن شركة "كيه كيه آر" تحاول أيضاً جذب "جهاز أبوظبي للاستثمار" إلى عرضها المقدّم لشراء شبكة الخطوط الأرضية التابعة لشركة "تيليكوم إيطاليا" (Telecom Italia)، البالغ 25 مليار دولار.

جهاز أبوظبي للاستثمار يدرس دعم الاستحواذ على الشبكة الأرضية لـ"تيليكوم إيطاليا"

قالت إليزابيث تود، الشريكة في شركة "روبس آند غراي" (Ropes & Gray) للمحاماة: "يمكن لصناديق الثروة السيادية أن تتحرك بسرعة كبيرة في كثير من الأحيان، وأن تكون مرنة، كما أن لديها رؤوس أموال ضخمة، وهي بالتالي يمكن أن تكون مصدراً مفيداً للغاية للحصول على رأس المال". وأضافت: "عندما تجد هذه الصناديق أصولاً جذابة، فإنها لا تكون مقيّدة بحصر استثماراتها بجزء صغير أو بحصة أقلية لا تسمح لها بممارسة الحوكمة بشكل فعّال".

استعداد للدخول في مزيد من الصفقات

قال مسؤول تنفيذي كبير في أحد أكبر الصناديق السيادية العالمية، إنهم يشجعون شركات الأسهم الخاصة على مواصلة تنفيذ عمليات استحواذ أكبر، حتى في ظل حالة الشح الراهنة التي تشهدها أسواق التمويل. وأضاف أنهم أبدوا استعدادهم لدعم الصفقات بمبالغ أكبر لتقليل العبء عن الشركة التي تنفذ عملية الاستحواذ، مشيراً إلى أن صندوقهم يتطلع إلى المشاركة في مزيد من هذه الصفقات لتحقيق هدفه بتخصيص جزء أكبر من محفظته لشركات الأسهم الخاصة.

"جهاز أبوظبي للاستثمار" يقتنص حصة بوحدة "سي آي فاينانشال" لإدارة الثروات في أميركا

في شهر مارس وحده، ساهمت صناديق الثروة السيادية بأكثر من 25 مليار دولار في عمليات الاستحواذ الكبرى. ساهمت شركة "جي آي سي" (GIC) وصندوق الاستثمار "تيماسيك هولدنغز" (Temasek Holdings) المملوكان لدولة سنغافورة، بمبلغ 1.8 مليار دولار في صفقة استحواذ "بروكفيلد" على شركة "أوريجين إينرجي" (Origin Energy Ltd) الأسترالية البالغة 18.7 مليار دولار أسترالي (12.7 مليار دولار)، وفقاً لرسالة موجّهة إلى أحد المستثمرين.

في الشهر ذاته، انضم "جهاز أبوظبي للاستثمار" إلى صفقة استحواذ شركة "بلاكستون" (Blackstone Inc) على شركة البرمجيات "سيفنت هولدينغ" (Cvent Holding Corp) بقيمة 4.6 مليار دولار، كما تعاون مع شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management Inc) في صفقة شرائها موزّع المواد الكيميائية "يونيفار سولوشنز" (Univar Solutions Inc) بقيمة 8.1 مليار دولار.

تأتي هذه التحركات في الوقت الذي تُجبِر فيه أسعار الفائدة المرتفعة شركات الأسهم الخاصة على تقليص اللجوء إلى القروض لسداد ثمن صفقاتها، إذ تقلّل العائدات التي تحصل عليها من تلك الصفقات. وفي كثير من الحالات تحاول هذه الشركات الحصول على سيولة نقدية أكبر مقدَّماً، على أمل أن تتمكن من زيادتها عبر الاقتراض في مرحلة لاحقة.

قالت تود التي تعمل في شركة "روبس آند غراي" في لندن: "التمويل المصرفي غير متاح بسهولة. يمكن أن يساعد الاستثمار المشترك على سد الفجوة".

بيئة تخارج صعبة

وفقاً لبعض المشاركين في القطاع، تتطلع الصناديق السيادية بحماسة إلى اقتناص مزيد من الصفقات. ومع نضوب مصادر التمويل الأخرى أمام شركات الأسهم الخاصة، تطلب هذه الصناديق ميزة الوصول المضمون إلى تدفق الصفقات مقابل توفير رأسمال إضافي لصناديق جديدة. وعادة ما تتمتع هذه التمويلات الإضافية -التي تقدّمها الصناديق من خلال نافذة الاستثمارات المشتركة- بميزة أخرى، وهي عدم الاضطرار إلى دفع رسوم إدارية.

كما تحاول بعض الصناديق اتخاذ خطوات إضافية لدعم هذا الاتجاه، بما في ذلك تعزيز شركة "مبادلة للاستثمار" -ثاني أكبر صندوق سيادي في أبوظبي- لذراع إدارة الأصول "مبادلة كابيتال"، التي تجمع التمويلات من أطراف خارجية، وتدير تحت مظلتها حالياً نحو 20 مليار دولار. وخلال مايو الماضي وافقت "مبادلة كابيتال" على توسيع عملياتها عبر شراء حصة أغلبية في مجموعة "فورترس إنفستمنت" (Fortress Investment) ومقرها الولايات المتحدة.

ليس هذا وحسب، فتمويلات المستثمرين المدعومين حكومياً تساعد شركات الأسهم الخاصة التي يستثمرون فيها أيضاً على الاحتفاظ بأصولها لفترة أطول وسط بيئة تخارج صعبة.

على سبيل المثال، بعدما درست شركة "باين كابيتال" (Bain Capital) إمكانية التخارج من شركة برامج الموارد البشرية اليابانية "ووركس هيومان إنتليجنس" (Works Human Intelligence)، انتهى بها المطاف إلى بيع جزء من حصتها لشركة "جي آي سي" (GIC) السنغافورية في مارس الماضي. وقال أشخاص مطّلعون، إن الصفقة تضمنت أيضاً بيع "باين كابيتال" بعضاً من أسهمها لصندوق جديد، وقُيّمَت الشركة بنحو 350 مليار ين (2.5 مليار دولار) بما في ذلك الديون.

قال جيمس بورديت، الشريك في شركة المحاماة "بيكر آند ماكنزي" (Baker & McKenzie)، إن جزءاً كبيراً من أموال صناديق الثروة السيادية يذهب أيضاً لعمليات الاستحواذ على الأسهم الخاصة في شركات غير مُدرَجة بالبورصة.

وأضاف: "شهدنا بعض الصفقات الكبيرة في شراء الأسهم الخاصة التي استحوذت عليها صناديق سيادية من الشرق الأوسط ومستثمرون مؤسَّسيون آخرون، كما لجأ المستثمرون السياديون في بعض الحالات إلى استراتيجيات استثمار أكثر نشاطاً، كتلك التي نجحت في تنفيذها مجموعة من صناديق التقاعد في أميركا الشمالية خلال السنوات الأخيرة".