لماذا خفضت "فيتش" تصنيف أميركا الائتماني؟ وما تأثير ذلك على الأسواق؟

هذه هي المرة الثانية التي يُخفَض فيها تصنيف الاقتصاد الأميركي على مر التاريخ.. والتأثير في الأسواق قد يكون محدوداً

مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس الأميركي في العاصمة واشنطن
مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس الأميركي في العاصمة واشنطن المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتوقع الأميركيون عموماً أن يحتلوا دائماً المرتبة الأولى في كل تصنيف، لذا أحدث خفض التصنيف الائتماني للبلاد للمرة الثانية فقط في تاريخها، هزة في البلاد وفي النظام المالي العالمي بأسره. لقد جرّدت مؤسسة "فيتش ريتنغز" للتصنيف الائتماني الولايات المتحدة الأميركية من تصنيفها الائتماني السيادي من الدرجة الأولى يوم أمس، في تكرار لإجراء مشابه اتخذته "ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز" قبل أكثر من عقد. وجاء خفض التصنيف في المرتين، على خلفية المواجهات الحادة بين السياسيين بشأن سقف الدين ومعدلات الاقتراض. إلا أن التاريخ يعلمنا أن تأثير هذه الخطوة في الأسواق المالية، قد يكون مؤقتاً. لكن مع ذلك، قد توفر ذريعة لمزيد من المواجهات السياسية.

1) لماذا خفضت "فيتش" تصنيف الولايات المتحدة؟

أوضحت "فيتش" أن قرار خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة درجة واحدة إلى (+AA)، جاء بسبب "تذبذب منظومة إدارة البلاد"، الذي "تَجلَّى في المواجهات المتكررة حول سقف الديون، وصدور قرارات في اللحظات الأخيرة". يُعزى ذلك إلى أن الولايات المتحدة تتعرض كل بضعة أعوام -نتيجة السياسة التي أقرتها بنفسها- لاحتمال التخلف عن سداد الديون.

المواجهة الحزبية حول سقف الدين الأميركي تنذر بكارثة حقيقية

أقرّ القانون الصادر في عام 1917 حدّاً إجماليّاً ثابتاً بالدولار الأميركي للاقتراض (أو ما يُعرف باسم سقف الدين)، لا يمكن زيادته إلا بموافقة الكونغرس الأميركي ورئيس الولايات المتحدة.

نتيجة لهذا استمر شبح التخلف عن السداد في التخييم على الولايات المتحدة خلال النصف الأول من 2023، بعدما اقتربت البلاد بصورة خطيرة من سقف الديون البالغ 31.4 تريليون دولار تقريباً، وتأخر السياسيون في التوصل إلى قرار حتى اللحظات الأخيرة.

سُوّيَت الخلافات في أواخر مايو الماضي، لكنها فاقمت حالة عدم اليقين حول مدى التزام القادة السياسيين الأميركيين التخلي عن حالة الاستقطاب السياسي الخطيرة، والوفاء بسداد السندات في موعدها، في ظل تزايد أعباء الديون.

2) ماذا يعني تصنيف (AA+)؟

ينخفض تصنيف (+AA) درجة واحدة فقط عن (AAA)، ما يعني أن الولايات المتحدة لم تعد صاحبة ما تعرّفه "فيتش" بأنه "أعلى جودة ائتمانية". فيما تشير "فيتش" إلى أن تصنيف (AA) يدل على أن "توقعات وجود مخاطر تخلف عن السداد محدودة للغاية"، إلا أن هذا يشكل تراجعاً عن "أدنى توقع لمخاطر التخلف عن السداد" لمقترضين مصنفين (AAA).

على نفس المنوال يُحدَّد التصنيف الأعلى فقط مع حالات توافر "القدرة القوية الاستثنائية" للوفاء بالالتزامات المالية، في حين تشير مستويات الائتمان من الفئة (AA) إلى توافر "قدرة قوية للغاية"، حسب وكالة "فيتش".

وعالمياً، تُعَدّ "فيتش" أصغر مؤسسات التصنيف "الثلاث الكبرى" التي تتضمن أيضاً وكالتي "موديز إنفيستورز سيرفيس" و"ستاندرد آند بورز".

3) كيف تُصنَّف السندات الحكومية؟

تصنّف مؤسسات التصنيف الائتماني حجم القوة المالية للجهات التي تُصدر السندات -بما فيها الحكومات- وتمنحها درجات ائتمانية تحدد مدى قدرتها على الوفاء بمدفوعات الديون.

يعتمد المستثمرون عادة على هذه التصنيفات الائتمانية عند اتخاذ قرار بشراء أي سندات، كما يمكن أن تؤثر هذه التصنيفات بشدة في مقدار العوائد التي تدفعها الجهات المقترضة لجمع الأموال في أسواق رأس المال.

مع ذلك، فإن عوائد السندات الأميركية منخفضة بفضل الطلب على كل من الدولار (العملة الاحتياطية العالمية) وسندات الخزانة الأميركية التي يُنظر إليها باعتبارها معياراً عالمياً للأصول الخالية من المخاطر.

صرّحَت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، في بيان عقب خفض التصنيف، بأن هذه الخطوة كانت "تعسفية وتستند إلى بيانات عفا عليها الزمن"، ولن تغير نظرة المستثمرين تجاه ديون الحكومة الأميركية.

مع ذلك، ارتفعت العوائد على السندات الأميركية لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوياتها في 9 أشهر تقريباً قبل خفض التصنيف، وسط مساعٍ أميركية لزيادة مبيعات السندات حتى تمول عجز الميزانية المتزايد.

4) كيف ستتأثر الأسواق بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة؟

عقب خفض وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني للحكومة الأميركية في 2011، برزت مخاوف حول مدى قوة الاقتصاد الأميركي، في وقت كانت فيه أوروبا تمرّ بأزمة ديون سيادية. مع ذلك كان لهذه الخطوة تأثير محدود على المدى الطويل، إذ أقبل المستثمرون على الأصول الأميركية مجدداً، وتراجعت عوائد الديون الحكومية الأميركية بنهاية 2011.

عجز الميزانية الأميركية يقفز إلى 421 مليار دولار في 3 أشهر

يعود الفضل في ذلك جزئياً إلى أن الاقتصاد الأميركي حافظ على زخمه، فيما كان الاتحاد الأوروبي في الوقت ذاته يعاني من أجل المحافظة على الاتحاد القائم على استخدام العملة الموحدة. والآن يتكرر المشهد مجدداً، إذ تشعر الأسواق المالية بمخاوف إزاء الاقتصاد الأميركي، لكن التركيز ينصبّ هذه المرة على دورة التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي بوتيرة هي الأقوى منذ عقود لكبح التضخم.

نتيجة لذلك، يُرجَّح أن تكون خطوات الفيدرالي وهبوط أسعار الفائدة الأميركية أكثر تأثيراً بكثير من خفض تصنيف وكالة "فيتش". على الجانب الآخر، لا تزال وكالة "موديز" تضع الولايات المتحدة عند أعلى تصنيف لها، وهو أمر بات أكثر أهمية الآن بعد خفض تصنيف "فيتش".

5) ماذا يعني هذا للتصنيفات الأخرى؟

يتضاءل عدد الدول الموجودة في صدارة ترتيب الجدارة الائتمانية، ولا تزال أستراليا وألمانيا وسنغافورة وسويسرا تتمتع بأعلى التصنيفات من كل مؤسسات التصنيف الكبرى الثلاث، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، كما منحت وكالة "فيتش" كندا تصنيف (+AA).

أما الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة- فلديها تصنيف (+A) من "فيتش"، أي أقلّ بثلاث درجات من أميركا. وقد يستند تصنيف دولة ما إلى أعلى معدل تحصل عليه الشركات في هذه الدولة، لا تصنيفها عموماً.

أيضاً تقلصت قائمة الشركات التي حصلت على تصنيفات (AAA) من أي واحدة من مؤسسات التصنيف الكبرى الثلاث، لكن هذه القائمة لا تزال تنطوي على بعض الشركات الأميركية، مثل "مايكروسوفت" و"جونسون آند جونسون".