موجات حرارة الصيف لم تنته بعد في البحر الأبيض المتوسط

مسار يؤدي إلى "بورتو روتوندو"، أثناء موجة الحر القاتلة "شارون"، بالقرب من أولبيا، سردينيا
مسار يؤدي إلى "بورتو روتوندو"، أثناء موجة الحر القاتلة "شارون"، بالقرب من أولبيا، سردينيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أضف درجات حرارة البحر غير المسبوقة في البحر الأبيض المتوسط إلى القائمة القاتمة للأرقام القياسية المرتبطة بالحرارة التي تم تحطيمها هذا الصيف.

بلغت درجة حرارة سطح البحر الأبيض المتوسط 28.7 درجة مئوية (83.7 فهرنهايت) الأسبوع الماضي، وهو أعلى متوسط يُسجل منذ 1982 على الأقل، وفقاً للمعهد الإسباني للعلوم البحرية. وهو رقم قياسي قد يتم تجاوزه قريباً، حيث قد تسجل درجة حرارة البحر أعلى مستوياتها في أواخر أغسطس.

"هذا الوضع يشبه الجنون"، هكذا وصفت ميلاني جوزا، الباحثة في نظام المراقبة الساحلية لجزر البليار، أو ما يُعرف اختصاراً بـ( SOCIB)، وهو اتحاد عام تدعمه الحكومة الإسبانية. وأضافت: "يستجيب البحر الأبيض المتوسط بسرعة كبيرة لتغيرات المناخ".

ما السر وراء موجات الحر الشديد في يوليو؟

قد يبدو الارتفاع في درجات حرارة سطح البحر الأبيض المتوسط أقل دراماتيكية مما يحدث على الأراضي المجاورة- تم الإبلاغ مؤخراً عن تسجيل 48 درجة مئوية في سردينيا، كما تم تحطيم الأرقام القياسية المحلية هذا الصيف في روما وكاتالونيا. لكن بالنسبة للحياة البحرية، فإن تسجيل هذه الدرجات تُعتبر متطرفة -ويمكن أن تكون مميتة.

أضرار ناجمة عن موجة الحر

خذ عشبة "بوسيدون المحيطية"، وهي نوع من الأعشاب البحرية التي تنمو في المروج الشاسعة تحت الماء. تعتبر هذه العشبة المستوطنة في البحر الأبيض المتوسط، بمثابة بالوعة كربون هائلة وحضانة حيوية للأسماك. لكن إذا أصبحت المياه دافئة جداً، فقد يتوقف نموها أو الأسوأ من ذلك، قد تموت. سجلت درجات حرارة البحر الأبيض المتوسط خلال الأيام الأخيرة ارتفاعاً كبيراً بما يكفي لإحداث أضرار محتملة، وفقاً لماورو راندون، وهو عالم يركز على العلوم البحرية ويعمل في برنامج البحر المتوسط في الصندوق العالمي للطبيعة.

موجة حر تجتاح أوروبا.. والحرائق تنذر اليونان بالصيف "الأسخن" على الإطلاق

يعتبر الأمر مماثلاً بالنسبة إلى المرجان الأحمر الذي عادةً ما يوجد على أعماق تقل عن 25 متراً (82 قدماً)، وغالباً ما يكون بيئة آمنة من التقلبات في درجة حرارة سطح البحر. لكن موجات الحر البحرية قضت عليها في الماضي، وربما كان لموجة الحر الشديدة التي شوهدت خلال الأسابيع الأخيرة تأثير أيضاً، وفقاً لراندون.

قلق عارم

أشار سيمون فان جينيب، عالم الأبحاث في منظمة "ميركاتور أوشن إنترناشونال" (Mercator Ocean International) غير الربحية، إلى أن درجات حرارة سطح البحر الأخيرة "مخيفة"، ووصف البحر الأبيض المتوسط بأنه "نوع من المختبر لتغيرات المناخ- إنه أحد أسرع أجزاء المحيط احتراراً في العالم".

نهر الراين يبدأ الجفاف مبكراً مع دخول فصل الصيف

أدت طاقة شمس الصيف، إلى جانب التيارات النفاثة، إلى ارتفاع درجات الحرارة التي شهدها البحر الأبيض المتوسط، وفقاً لجويل هيرشي، الرئيس المساعد لنمذجة الأنظمة البحرية في المركز الوطني لعلوم المحيطات الذي يقع مقره في المملكة المتحدة.

أشار إلى أن التيارات النفاثة تشبه "نهراً من الهواء يتدفق حول الكوكب، من الغرب إلى الشرق". مُضيفاً: "يقع البحر الأبيض المتوسط إلى الجنوب من التيارات النفاثة، ما يفتح الطريق لهواء دافئ للغاية يندفع شمالاً نحو البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا من شمال أفريقيا".

تطرف الطقس يعذب أوروبا مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة

قد يثير ما يحدث اليوم في البحر الأبيض المتوسط قلق العلماء، لكنه ليس البيئة البحرية الوحيدة التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة. حيث شهد ما يقرب من 44% من المحيطات العالمية مؤخراً موجات الحرارة البحرية، وفقاً للإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.

نقطة ساخنة لتغير المناخ

تعتبر درجات حرارة المياه القصوى هي المسؤولة عن تحول المرجان إلى اللون الأبيض وتكاثر الطحالب الضارة، من بين تأثيرات أخرى. ضربت واحدة من موجات الحر البحرية الأكثر شهرةً، والمعروفة باسم "ذا بلوب" (the blob)، المياه قبالة الساحل الغربي لأميركا الشمالية في منتصف عام 2010، ما أدى إلى هلاك مجموعات سمك القد في المحيط الهادئ والطيور البحرية وسمك السلمون.

يقول يواكيم غارابو، وهو عالم بارز في المعهد الإسباني للعلوم البحرية: "الصورة الأكثر دقة للحرارة البحرية هي تخيل حريق غابة". مُضيفاً: "لا تستطيع الأشجار والنباتات التحرك. لذلك تبقى هناك وتعاني".

يعتبر البحر الأبيض المتوسط "نقطة ساخنة لتغير المناخ"، حيث ارتفعت درجات الحرارة بنحو درجة مئوية بين عامي 1993 و2021، وفقاً لميركاتور. كما أنه مركز للتنوع البيولوجي، حيث يستضيف ما يصل إلى 18% من أنواع الكائنات البحرية المعروفة -لا يمكن العثور على الكثير منها إلا فيه- على الرغم من أنه يمثل 0.3% فقط من المحيط العالمي من حيث الحجم.

تساعد المياه الأكثر دفئاً أيضاً على فتح الباب أمام الحياة البحرية الغازية. حيث يمكن العثور الآن على أنواع من الكائنات التي كانت تجد مياه البحر الأبيض المتوسط شديدة البرودة، مثل أسماك الأرانب، بأعداد وفيرة، وفقاً لما قاله راندون.