كيف يبدو عالم العمل من منظور المتدربين؟

يشكل التدرب الوظيفي تجربة لا تُنسى تسهم في تكوين الشخصية المهنية على الرغم من التحديات

صورة تعبيرية عن برامج المتدربين
صورة تعبيرية عن برامج المتدربين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وجد المتدرب الشاب، الذي سنسميه كالفين، فرصته ليخلق انطباعاً جيداً عن نفسه بعد بضعة أسابيع على بدء فترة تدريبه لدى شركة استشارات خلال عطلة جامعته الصيفية في 2015، فقد وكلت إليه مهمة مساعدة شركة ملكية خاصة على تقييم جدوى استحواذها على شركة تنتج البيبيروني.

قال كالفين، الذي طلب عدم كشف اسمه الحقيقي حفاظاً على سمعته المهنية التي اكتسبها منذئذ: "كنت في الحادية والعشرين من العمر وأبحث عن أجوية لأسئلة لا أعرف ما إذا كان أحد يعرف إجاباتها، مثل حجم سوق البيبيروني في الولايات المتحدة".

أصبح زملاء كالفين، المُقحَمين في حُجَيرة حارّة للمتدربين داخل مكتب قرب ساحة تايمز سكوير في نيويورك، جاهزين لعرض الخلاصات التي توصّلوا إليها بعدما عملوا نحو 16 ساعة يومياً على مدى أسبوعين. لكنه لم يكن تَوصَّل بعد إلى الرقم الحاسم، وقال: "لقد كنت أنا سبب البطء، ولم أكن أبلي جيداً في التواصل مع مديري".

في ما يخصّ الحلّ الذي توصّل إليه، قال: "وجدت أن مسؤولاً تنفيذياً زعم عبر الإنترنت أن حجم سوق البيبيروني في الولايات المتحدة كبير بما يكفي لتغطية كامل الولايات المتحدة بطبقة رقيقة من شرائحها"، وأمضى بضع ساعات في إعداد وتنفيذ ما توصل إليه.

أتى بمساحة الولايات المتحدة القارية، ثمّ قدّر مساحة شريحة واحدة من البيبيروني واستنتج خطأً أن ناتج قسمة مساحة الولايات المتحدة القارية على مساحة شريحة بيبيروني واحدة هو 15.9 مليون شريحة، واعتبر هذا الرقم حجم إنتاج الببروني الوطني، ثم ضرب هذا الرقم بعدها في السعر (10 سنتات للشريحة الواحدة استناداً إلى بحوث السوق التي أجراها بنفسه)، وخلص إلى أن حجم سوق البيبيروني في البلاد يبلغ 1.59 مليون دولار سنوياً. وحين حاول كالفين التواصل مع مديريه ليبلغهم الرقم الذي توصّل إليه، لم يكونوا مهتمين بالاستماع إليه، فقد اعتبروا أن مقاربته خرقاء.

صحيح أن البحث عن حجم سوق البيبروني مهمّة غير اعتيادية، إلا أن تجربة كالفين لم تكن فريدة من نوعها. ففي معظم الأحوال، يُترك المتدربون الصيفيون ليستكشفوا عالم العمل بأنفسهم.

مكتب "غوغل" في كينغز كروس سنترال في لندن
مكتب "غوغل" في كينغز كروس سنترال في لندن المصدر: بلومبرغ

تدريب بلا أجر

يعود مفهوم التدرب المهني إلى العصور الوسطى، ولكن أوائل المتدربين المعاصرين كانوا طلاب الطبّ في القرن التاسع عشر. ترسّخ الحق بعدم دفع أي بدل مالي للمتدربين في عام 1947 عبر دعوى تقدّم بها عامل مكابح في إحدى سكك القطار كان خضع لتدريب امتدّ لنحو أسبوع. وقد حدّدت الدعوى في حينها ستّة شروط لاعتبار التدريب غير المدفوع قانونياً، أحدها أن يكون المتدرب مدركاً أنه لا يحقّ له تقاضي أجر.

بحلول سبعينيات القرن الماضي بدأ العاملون في قطاعات الأعمال والهندسة ينظرون إلى التدريب على أنه وسيلة لسدّ الفجوة بين النظرية الأكاديمية والممارسة الفعلية. ثمّ في التسعينيات، مع تصاعد الانتقادات للدراسات الأكاديمية التي تفتقر إلى التطبيق العملي المباشر، اضطُرّت التخصصات الأدبية إلى إثبات انخراطها، وبدأ مزيد من المجالات المهنية توفير برامج تدريب. واكتسبت هذه الممارسة رواجاً كطريقة لتوفير خبرة عملية للملتحقين الجدد بسوق العمل دون تقاضي أي أجر أو الحصول على أي منافع أو استقرار وظيفي.

التوظيف بالشركات الأميركية يفوق التوقعات في يوليو

بعد مرور عقد دفعت تداعيات أزمة 2008 المالية العالمية وحركة "احتلال وول ستريت" أبناء جيل الألفية الذين يشعرون بأنهم خُذلوا للتصدّي للواقع القائم. وخلال السنوات التالية، أسهمت سلسلة دعاوى قضائية في ضمان إلزامية أن تكون فترة التدريب مدفوعة للموظفين ما داموا يؤدّون دور موظفين، بالأخصّ في الشركات الناشطة في القطاعات الإبداعية مثل "فوكس سيرتشلايت بيكتشرز" (Fox Searchlight Pictures) و"كوندي ناست" (Condé Nast) و"إن بي سي" و"هيرست" (Hearst).

في غضون ذلك بدأت شركات التقنية التي تشهد ازدهاراً تنافس الشركات المالية والاستشارية في استقطاب المتدربين الصيفيين. بحلول 2010 أصبحت كلّ من "ماكنزي" و"غوغل" تستقطب متدربين من اختصاصات العلوم الإنسانية في الجامعات العريقة.

الآن بات بإمكان المتدربين في قطاع التقنية أن يتلقّوا دخلاً خلال فترة التدرب الصيفية، بواقع أنهم لو عملوا عاماً كاملاً لبلغت رواتبهم السنوية أرقاماً من ست خانات. يبين الموقع المتخصص بالمهن المالية "وول ستريت أويسيس" (Wall Street Oasis)، أن شركات الملكية الخاصة تدفع وسطيّاً 60 دولاراً بالساعة للمتدربين، ولكن في بعض السيناريوهات الكابوسية قد يُضطرّون إلى أن يروا نتائج عملهم تُعرَض يوميّاً عبر لوحة تصنيف علنية.

مع ذلك، في العام الماضي تقاضى 54% فقط من الطلاب في السنة الجامعية الأخيرة الذي خضعوا للتدريب بدلات مالية، حسب الرابطة الوطنية للجامعات وأصحاب العمل. قال ماثيو هورا، المؤسس والمدير الشريك الحالي لمركز البحوث حول الانتقال من الجامعة إلى القوى العاملة في جامعة ويسكونسون في ماديسون، أن "التدريب أحد الجوانب الفضفاضة الغامضة في مجال التعليم العالي... الأمر قد يشبه جموح الغرب الأميركي في سابق الأزمان".

سلوكيات مكان العمل

لا يُلزِم القانون الاتحادي بدفع أجور للمتدربين ما داموا "المستفيدين الرئيسيين" من التدريب، حسب سوابق أحكام المحاكم، فيما تتبع قوانين الولايات المبدأ نفسه (في القضايا التي فاز فيها المتدربون بالحق بتقاضي أجور، كان المتدربون السابقون أثبتوا أنهم يؤدّون عمل موظفين، بالتالي لم يكونوا المستفيدين الأساسيين من التدريب، بل استفادت الشركات من عملهم أكثر من استفادة المتدربين أنفسهم من التجربة التعليمية).

يشمل مصطلح "متدرب" أي طريقة يُمضي فيها شخص يطمح إلى بدء مسيرته المهنية وقته في مكان العمل، سواء ساعات المعاينة في عيادات تحت الإشراف، وجلب القهوة للمديرين، أو لعب كرة قدم الطاولة في غرفة الاستراحة.

يُعَدّ التدريب الوظيفي خطوة مهمة في اتجاه الدخول إلى سوق العمل، ولكن ليس للأسباب التي يتوقعها كثيرون. فعلى الرغم من تصوير التدريب على أنه يهدف إلى تعليم الشباب المهارات التي سيحتاجون إليها في مجالات محدّدة، فإن المتدربين السابقين طالما قالوا إن الدروس الحقيقية التي اكتسبوها أبسط، وتقتصر على طريقة التصرف المقبولة وغير المقبولة في مكان العمل.

قالت إيزابيل، وهي طالبة في جامعة برينستون التحقت بتدريب في منظمة قانونية غير ربحية هذا الصيف، وطلبت عدم كشف اسمها الكامل خشية إقصاء أصحاب العمل المستقبليين، إن "ما تتعلمه خلال فترة التدريب هو أنك لست جاهزاً للحديث مع مَن هم أكبر سنّاً إن لم يكونوا أساتذتك أو أفراداً من عائلتك".

كما أحدث العمل من بُعد وتغيير الدارج الاجتماعي بعد انطلاق حركة "أنا أيضاً" (#MeToo) تحوُّلاً في تجربة التدريب المعاصرة، فكثير من المتدربين ما عاد يقبلون بمعاملة كانت تُعتبر دارجة، رغم أنها مؤسفة.

مع ذلك، سواء كانت فترة التدريب إيجابية أو سلبية، فهي تبقى تجربة لا تُنسى، وتسهم في تكوين الشخصية المهنية للمرء. قال بين كولمان الذي حالفه الحظّ وتَمكَّن من انتهاز فرصة مهمة خلال فترة تدريبه الصيفي في "غوغل" عام 2012: "يمكن أن تلتقي صدفة شخصاً لا تعرفه، ويشكّل ذلك فرصة تغيّر مسار حياتك".

المبادرة المستمرة في العمل قد لا تعجب مديرك لهذه الأسباب

انتهاز الفرص

في أسبوعه الأول، حضر كولمان اجتماعاً شاملاً على مستوى الشركة، تَعرَّف خلاله إلى أحد كبار الموظفين. قال: "أنا أحب تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين"، مشيراً إلى أنه راح يخبر ذاك الزميل عن بعض أفكاره لتحسين العمل في "غوغل".

بعد دقائق جلس كولمان ليحضر الجلسة الرئيسية، فشاهد صديقه الجديد على المسرح، واكتشف أنه كان نيكيش أرورا، كبير مسؤولي الأعمال في "غوغل". نادى أروروا متجهاً إلى الحضور: "أنت، يا من ترتدي قميصاً برتقالياً". نظر كولمان إلى نفسه حين انتبه أنه يرتدي قميص بولو قديماً يخصّ والده من "لا كوست" ولونه برتقالي زاهٍ.

همس له مديره قائلاً: "لا تفسد الأمر"... حين صعد إلى المسرح أخذه أورورا، الذي يحتل المرتبة الرابعة في هرم إدارة الشركة، جانباً وقال: "لقد نسيت نظاراتي في الطائرة، أريدك أن تلقي الخطاب نيابةً عنّي".

وهكذا، ألقى كولمان خطاب أروروا السنوي في الاجتماع العام للشركة أمام آلاف الموظفين في أسبوعه الأول في العمل. قال كولمان: "لو كان ذلك في أسبوعي الثامن، لكنت شعرت على الأرجح بتوتر أكثر وعن حق... لكن كنت بعدُ أتمتع بالطاقة التي يتمتع بها الطلاب في أول أيام الدراسة". لقد تمكّن من إلقاء خطاب أورورا بنجاح وكسبه بذلك مرشداً مدى الحياة. فهو لا يزال يلجأ إلى أورورا لطلب النصائح المهنية بعد مضي 13 سنة على ذلك.

قالت جاكلين سيو، وهي مؤسسة ومستثمرة في إحدى شركات التقنية، إن "فترات التدريب الغريبة هي أشبه بطقس عبور". لقد التحقت بشركة علاقات عامة في مجال الموضة كمتدربة خلال سنتها الأولى في جامعة نيويورك. قضت وقتها هناك برفقة طالبات أخريات، وكنّ يشحنّ عينات أثواب إلى جلسات التصوير والاستوديوهات. وقالت: "كان الطلاب يأتون ويذهبون، ولم يكن المسؤول يبالي بما يكفي ليعرف أسماءنا".

في بعض الأحيان، لم يقتصر الأمر على التعامل معها كأنها غير مرئية، بل وقع بعض التصرفات العنصرية، حتى إن بعض المديرين كان يشير إليها باسم "الآسيوية رقم 2". في أحد الأيام رآها أحد المديرين تكتب بيانات على ملصقات "فيد إكس"، فأُعجبَ بخطّ يدها وطلب إليها أن تكتب بخطّ اليد 600 دعوة لأسبوع الموضة بحلول مساء ذاك اليوم.

تتذكر سيو الرهبة التي اعترتها حين خطّت اسم آنا وينتور على مظروف دعوة، وقالت: "لم أكن أدرك فيمَ أقحمت نفسي"، فقد تشنجت يدها بعد ساعات من العمل، وحين انتهت أخيراً طُلب إليها الذهاب لتسليم الدعوات باليد. قالت: "المحزن أنني لم أتمكن من الذهاب إلى العرض، لا يزال هذا الأمر يزعجني بعض الشيء".

كيف تتأقلم مع وظيفة تتعارض مع قيمك الشخصية؟

تجارب مريبة

حين يشهد المتدرب سلوكيات غير اعتيادية في مكان العمل، تصرفاً غير مقبول من مدير كان ذلك أو طرداً تعسفياً، قد يصعب عليه اعتبار مثل هذه التصرفات استثنائية في المستقبل. قال هورا الذي يُجري بحوثاً حول الانتقال من الدراسة إلى القوة العاملة: "للأسف، قد تشكّل فترات التدريب أرضية للاستغلال أو سوء المعاملة... حين ندفع بالطلاب نحو هذا الميدان غير الخاضع لأي تنظيم، فإلامَ ندفع بهم؟".

حين حصل هوي وونغ على فرصة تدريب في شركة تسويق في فرنسا من خلال موقع متخصص بالوظائف للطلاب في جامعته، اعتقد أنه سينطلق لعيش تجربة صيفية شبيهة بمسلسل "إيميلي في باريس". لكن حين وصل اكتشف أن شركة التسويق المزعومة مقرها في شقة رجل، أمّا وظيفته فتقوم أساساً على إعداد شرائح تروّج كذباً أعمالاً تدّعي الشركة أنها نفّذتها. قال وونغ، وهو طالب ماجستير في إدارة الأعمال في كلية هاس لإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا–بيركلي: "كانت فترة تدريب مريبة، ولكن كان الحال لا بأس به، إلى أن جاء يوم استيقظ فيه ذاك (الرجل) متأخراً وخرج من غرفته لا يرتدي إلا ملابس داخلية... حين أفكّر بذلك الآن أدرك أنه كان عليّ على الأرجح أن أُجريَ مزيداً من البحث عن الرجل والشركة".

هل أنت ممن تنفعهم الاستقالة؟

في يونيو 2017، وصلت شون جيانغ، وكانت بلغت حينها 21 عاماً، إلى شركة "أوبر" في أول يوم تدريب لها. وبعد أن اصطحبها مديرها في جولة حول المبنى، دخلا إلى اجتماع عامّ للشركة، أعلن خلاله أحد أعضاء مجلس الإدارة أن الرئيس التنفيذي ترافيس كالانيك سيتنحى عن منصبه.

قالت جيانغ: "أُصيبَ مديري بالذهول"، وعلى مدى الأسابيع التالية كان موظفو "أوبر" يتخبطون لإعداد خطط للتعامل مع الأمر. قالت جيانغ التي تدير اليوم شركتها "مونتري للذكاء الصناعي" (Monterey AI): "أردت أن أختبر العمل في شركة تقنية تشهد تحولات بالغة السرعة، وأعتقد أن هذا ما حصل... أصبحتُ منيعة في وجه الاضطرابات وإعادة الهيكلة في مكان العمل، إذ استنفدت رصيدي من مشاعر الصدمة خلال تدريبي الصيفي".

محاباة الأقارب

كما يشوب انعدامُ المساواة التدريبَ الصيفي، فكثير من المتدربين أقارب أو أبناء أشخاص متنفذين في القطاع الذي يتلقون التدريب فيه، بالأخصّ في برامج العمل الصيفي البارزة، حتى مع أنها غير مأجورة. أمّا الأشخاص الذين قد يستفيدون أكثر من التعامل مع المحترفين فربما لا يعلمون عن وجود مثل هذه الفرص.

يرى متدربون سابقون أنهم قد يساعدون على تحسين النظام القائم عبر إطلاق برامج تدريب في أعمالهم. إذ قالت روز، التي رفضت الكشف عن اسمها الحقيقي لتحافظ على علاقة جيدة مع صاحب عملها السابق، إنها أمضت صيف 2013 الذي سبق عامها الأخير في جامعة "فاسار" في حاضنة أعمال في قطاع التقنية في نيويورك، حيث كانت تعمل لصالح تطبيق يمكّن المستخدمين من صنع عروض "باور بوينت" بأسلوب مميز.

قالت: "مكّنني ذلك من الاطلاع على ظاهرة الخبراء التقنيين الذكور المعتدين بأنفسهم"، وتذكرت كيف سألت في إحدى المرّات شخصاً هناك عن وظيفته ، لتكتشف أنه الرئيس التنفيذي للشركة. اليوم بعد مرور عقد، أصبحت روز تدير برنامج تدريب موجّهاً للطلاب من خلفيات أقلّ تمثيلاً انطلاقاً من منصبها في أحد المختبرات.

تتذكر روز نقاط الضعف التي شابت تجربتها الخاصة، فتحرص على تعليم المتدربين الجدد أسس السلوكيات في مكان العمل، مثل الجهات التي يجب إرسال نسخ عن الرسائل الإلكترونية إليها وكيفية إعداد سيرة ذاتية جيدة وما يتعين تدوينه خلال اجتماعات العمل. قالت: "أتذكر كيف شعرت بالحرج حين كان عليّ تعلُّم كلّ ذلك، ولكن هذه أمور مهنية لا يلقّنها أحد".

حين حصلت ميشال ليانغ على الفرصة للتدرب لدى الحكومة الأميركية خلال سنتها الأخيرة في جامعة ييل، اعتقدت أنها ستستفيد من خبرة قيمة حتى بعد رفض طلبها الحصول على إعانة مالية. حين وصلت إلى واشنطن بعدما دفعت ثمن تذكرة سفرها وطعامها وإقامتها، كانت تسأل تكراراً عمَّا عليها أن تفعله.

قالت ليانغ: "كان يجب أن أتلقّى خبرةً، رغم من أن الخبرة لا تسدد الفواتير، ولكن حين وصلت تبيّن أنه ليس هناك ما يكفي من العمل لأقوم به". وبدأت تُطيل أمد إنجاز بعض المهامّ، فتُمضي أياماً مثلاً في العمل على مهمة "إكسل" صغيرة، ثم راحت تجلب معها كتاباً لتقرأه في المكتب. لكن ما لبثت أن استسلمت واستقالت مبكراً. قالت: "إذا كنت تحاول أن تجمع أسماء مؤسسات لتضعها على سيرتك الذاتية، فإن مثل هذا التدريب لا بأس به، ولكنني كنت هناك لأرى ما إذا كان هذا هو العمل الذي أريد أن أعمله في المستقبل".

70 % من الشركات حول العالم ترغب في التوظيف لكنها لا تجد كوادر

التدرب مِن بُعد

بعد أن تركت ليانغ التدريب، راحت تفكر بمدى الظلم الذي يتعرّض له الطلاب، إذ يُضطرّون إلى أن يدفعوا ليدرجوا اسم مؤسسة مرموقة في سيرتهم الذاتية. وقالت: "إذا كنتُ أنا كطالبة في جامعة (ييل) التي تتمتع بموارد هائلة وأواجه كلّ هذه المعاناة، فهذا يعني أن كثيرين آخرين لا حول لهم ولا قوة". لذا قررت المقاومة. في نهاية المطاف ساعد التدريب غير المدفوع على فتح أبواب مهنية لليانغ، فقادها إلى زمالة مدفوعة لدى منظمة "ادفعوا للمتدربين" التي تطالب بتمويل بملايين الدولارات لدفع رواتب للمتدربين لدى الحكومة الاتحادية.

في حين أنه غالباً ما تُصوَّر برامج الزمالة على أنها أعلى مكانة من برامج التدريب، فبينهما نقاط اختلاف عدّة، فالزمالة قد تعني مزيداً من المسؤولية والحصول على راتب بدل مكافأة أو العمل لفترة أطول. لقد حققت تلك المنظمة بعض التقدم، لكن إنجازاتها لا تزال محدودة. قبل 2017، كان 10% فقط من متدربي الكونغرس يتلقون رواتب، وبحلول 2019، تمكّنَت المنظمة من الضغط بنجاح لتأمين تمويل من الكونغرس للدفع لهم، مع ذلك لا يزال الطلاب البيض من الجامعات الخاصة أكثر استفادة ممن سواهم.

أضفى العمل من بُعد عاملاً متغيراً جديداً على تجربة المتدربين، فقد التحق ثلث الطلاب ببرامج تدريب من بُعد أو هجينة في العام الماضي، حسب الرابطة الوطنية للجامعات وأصحاب العمل. تَقدَّم آدم فاليجي، الطالب في السنة الثانية باختصاص الاقتصاد في جامعة "نورثويسترن"، إلى أكثر من 60 برنامج تدريب هذا العام، والتحق بثلاثة منها من بُعد مِن منزله الذي ترعرع فيه ويحاول التنسيق بينها هذا الصيف، وهي برنامج تدريب في شركة "غلوبول" (Globowl) الناشئة المتخصصة بطعام الأطفال، وآخر في شركة "بوليتبيتش" (Bulletpitch) المؤسسة الإعلامية المتخصصة بتغطية أخبار الشركات الناشئة، وتدريب خارجي في شركة رأسمال مغامر.

مهارات التواصل

يتوقع فاليجي أن يصبح بحلول العام المقبل مرشحاً مقنعاً لبرامج التدريب في شركات رأس المال المغامر، إلا أنه يدرك جيداً أن ذلك يعتمد على الجهة التي توصي به. قال: "في سوق العمل الحالية، الطريقة الوحيدة لجعل صاحب العمل ينظر إلى سيرتك الذاتية هي أن تكون لديك شبكة علاقات قوية تدعمك". إلا أن بناء مثل هذه الشبكة قد يكون صعباً على المتدربين من بُعد، لذا يبذل فاليجي جهوداً مضاعفة هذا الصيف لبناء شبكة علاقات واكتشاف طرق للتحدث معهم. قال: "في البداية كان صعباً جدّاً التعرف إلى أشخاص جدد في الشركة"، وكان تبادل أطراف الحديث مع أشخاص ناضجين محترفين عبر اتصال الفيديو أمراً شاقّاً (تحاكي تجربته ما يعايشه كثيرون غيره، فقد أظهر أحد الاستطلاعات أن 55% من المتدربين من الجيل زد تفوتهم خطوة مهمة نحو النضوج لأنه لا يُسمح لهم بالذهاب إلى المكتب).

مع ذلك تَمكَّن عبر عقد اجتماعات عبر تطبيق "زووم" على مدى شهرين من من بناء بعض الاستراتيجيات ليعطي انطباعاً أولياً جيداً عن نفسه ولو عبر الإنترنت، مثل أن يبدأ الاجتماع بطرح سؤال عرَضي أو مشاركة معلومة عن نفسه. قال: "كسر الجليد مهم جدّاً، الآن أفكر بما سأقوله في البداية"، كأن أسأل أحد أطراف الاجتماع كيف قضى عطلة عيد الاستقلال.

كانت إيزابيل متأنقة أكثر من اللازم في اليوم الأول من تدريبها المهني هذا الصيف، فقد ارتدت بنطلوناً وقميصاً رسميَّين في مكتب كان الموظفون فيه ينتعلون أحذية "كروك" المطاطية. وحين حلّ موعد الغداء كانت مرتبكة فأرسلت إلى أمها رسالة قصيرة تسألها: "لا أعرف متى استراحة غدائي، كيف أعرف مدة التغيب لتناول الغداء؟". تعلمت إيزابيل على مدى الشهرين الماضيين مهارات قيّمة عن العمل في المكتب يعتبرها الموظفون المخضرمون من المسلَّمات، من ذلك كيفية تحديد أولويات المهامّ وتذكير المسؤولين بلباقة لإرسال ملفات إليها، وتبادل أطراف الحديث بشكل ملائم قرب آلة صنع القهوة.

تكشف هذه التجارب حجاب الحياة المهنية، لقد أدركت إيزابيل أننا "نُمضي وقتاً طويلاً من حياتنا في العمل"، فدفعها ذلك إلى طرح أسئلة جديدة، مثل: هل العمل المحفز أهم من بيئة العمل الداعمة؟ هل تفضّل أن تكسب مزيداً من المال أم أن تنفّذ مشاريع أكثر إثارة؟ هل يمكن لزملاء العمل الجيدين أن يجعلوا العمل لدى مدير سيئ يستحقّ العناء؟

بالطبع هي لا تعرف الإجابة عن ذلك، فهي لا تزال متدربة.