المستشفيات المكتظة بالمرضى تكشف عمق أزمة "كورونا" في بريطانيا

عابر سبيل في شارع ريجينت في لندن في 5 يناير 2021.
عابر سبيل في شارع ريجينت في لندن في 5 يناير 2021. تصوير: هولي آدمزر- بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في حين سعت الحكومة البريطانية بشكلٍ متكررٍ في خضم جائحة كورونا إلى حماية قطاعها الصحي، إلا أنَّ الأسابيع المقبلة قد تجعلها تواجه التحدِّي الأكبر على الإطلاق.

فبعد أن تجاوزت البلاد مجدداً جارتها الأوربية إيطاليا، مسجلة أكبر عدد من الوفيات في أوروبا. ها هي تعود حالياً لتصبح الساحة الرئيسية لجهود احتواء الجائحة في القارة.

فقد سجَّلت معدلات الإصابات اليومية أرقاماً قياسية، إذ يعاني واحد من أصل كلِّ 50 شخصاً في إنكلترا من الفيروس، فيما طالب رئيس الحكومة بوريس جونسون، بإغلاق المدارس وملازمة المنزل، في بداية يناير الجاري.

وفي غضون ذلك، حذَّر المسؤولون الصحِّيون من أنَّهم قد يضطرون لرفض استقبال المزيد من المرضى في حال فشل الإغلاق في الحدِّ من تفشي السلسلة الجديدة من الفيروس التي ظهرت في جنوب شرق إنكلترا في ديسمبر من العام الماضي.

وعادة، يرتفع الضغط على أنظمة الرعاية الصحية في فصل الشتاء. وحالياً، في ظلِّ تفشي الفيروس، فإنَّ أعداداً متزايدة من المرضى باتوا في أروقة المستشفيات. في حين اضطرت الأطقم الطبية إلى معالجة بعض المرضى، وهم على متن سيارات الإسعاف.

زيادة حالات الإصابة تهدد المنظومة الصحية

وحذَّرت الرابطة الطبية البريطانية التي تمثِّل الأطباء هناك، من أنَّ هيئة الخدمات الصحية الوطنية تواجه أزمة نتيجة ازدياد الحالات في ظلِّ انتشار العدوى بين الطاقم الطبي المنهك.

ويقول طبيب التخدير توم دولفين (42 عاماً) العامل في مستشفى "لندن إن": "آلاف المرضى يصلون إلى المستشفيات"، مشيراً إلى أنَّ "الأمر المقلق هو أنَّنا لم نصل بعد إلى الذروة مع توالي وصول الأشخاص الذي أصيبوا في فترة عيد الميلاد ورأس السنة".

وعلى الرغم من تخبط الحكومة البريطانية خلال الأشهر العشرة الماضية في طريقة إدارتها للوباء، إلا أنَّها تمكَّنت من الحفاظ على هيئة الخدمات الطبية الوطنية. وأصبحت لاحقاً أوَّل دولة غربية تُطلق حملة تلقيح للمواطنين. ومع ذلك، فإنَّ هذا الانتصار قد يفرغ من معناه في ظلِّ السباق بين برنامج التلقيح وخروج الفيروس عن السيطرة.

الضغوط على المستشفيات البريطانية تتزايد

المسؤولون الطبيون كانوا قد طالبوا جونسون باتخاذ إجراءات على الصعيد الوطني في ظلِّ الازدياد الكبير في عدد الإصابات خلال الأسابيع الماضية. وعلى الرغم من ذلك، بقيت الحكومة تدرس إمكانية فتح المدارس.

وعلى الرغم من أنَّ العلاجات الجديدة تساعد في إنقاذ عدد أكبر من المصابين بفيروس (كوفيد- 19)، إلا أنَّ الكثيرين منهم يحتاجون للبقاء في المستشفى بسبب صعوبات في التنفس، مما يزيد من الضغط على القدرة الاستيعابية للمستشفيات. مع العلم أنَّ النظام الصحي كان يفتقر أصلاً إلى نحو 40 ألف ممرض وممرضة عند بداية الوباء.

ومن جهته، يأمل الممرض ستيوارت تاكوود أن يساعد تشديد إجراءات الإغلاق في التخفيف من الضغوط على المستشفيات، وذلك إلى أن تبدأ حملة التلقيح في إعطاء مفعولها.

ويقول تاكوود الذي يعمل في مستشفى جنوب إنكلترا، وهو العضو الممثل عن قطاع التمريض في الاتحاد النقابي : "النَّاس مدركون لخطورة الوضع، وإمكانية أن يزداد خطورة في حال استمرت الحالات في الارتفاع بهذه الطريقة".

وأضاف: "لا يمكننا أن نعتمد على اللقاح، ونعدّه حلاً سحرياً، يجب مراجعة تقييم قدرة الخدمات الطبية والأطقم الطبية على الاستمرار".وبلغت حصيلة الوفيات في بريطانيا أكثر من 100 ألف شخص، وفقاً لمؤشر تعقب فيروس كورونا الخاص ببلومبرغ، لتتجاوز بريطانيا بذلك عدد الوفيات في إيطاليا.

الآمال معلقة على اللقاح

وقال رئيس الوزراء البريطاني في خطاب تلفزيوني مؤخراً، إنَّ أعداد مرضى (كوفيد-19) في المستشفيات في إنكلترا هو حالياً أعلى بنسبة 40% ممَّا كان عليه حين وصل التفشي أوجَّه في أبريل من العام الماضي.

وكان الضغط على وحدات العناية الفائقة مرتفعاً في فترة الأعياد، فقد أظهرت الأرقام المنشورة في دورية خدمات الصحة أنَّ المستشفيات تعمل بنسبة 110% من قدرتها الاستيعابية في لندن، وجنوب شرق إنكلترا منذ نهاية ديسمبر الماضي. إلى درجة أنَّ ذلك فرض نقل بعض المرضى إلى مستشفيات تقع على بعد ساعات في جنوب غرب وشمال البلاد.

وفي ظلِّ هذا التدهور الدراماتيكي، بدا أنَّ حكومة جونسون تغامر على عدِّة جبهات. فبالإضافة إلى فرض الإغلاق العام مجدداً، فهي تسعى إلى تسريع حملة التلقيح من خلال زيادة عدد الأشخاص الذين يحصلون على الجرعة الأولى، مما يؤدي بالتالي إلى تأجيل الجرعة الثانية.

وهي تأمل بهذه الطريقة أن تحقق الاستفادة القصوى من اللقاحين الذين يتمُّ توزيعهما، أحدهما من شركة "فايزر" بالشراكة مع "بيونتك"، والآخر من "أسترازينيكا" بالتعاون مع جامعة أوكسفورد.

وقد حصلت هذه الخطوة على دعم بعض الخبراء الصحِّيين إلا أنَّها أثارت قلق بعض الجهات الأخرى، ومن بينهم "فايزر".

وتهدف هذه الخطة إلى إعطاء اللقاح إلى المزيد من الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة حتى يحصلوا على الحدِّ الأدنى من الحماية في أقرب وقت ممكن.

واعتمدت السلطات الصحِّية البريطانية في ذلك على بيانات تُظهر أنَّ اللقاح يؤمن مستوى حماية لا بأس به بعد جرعة واحدة فقط، في حين تكمن أهمية الجرعة الثانية في الحماية طويلة المدى.

وقال جونسون في الخامس من يناير، إنَّ 1.3 مليون شخص تمّ تلقيحهم ضد فيروس كورونا، أي ما يوازي 2% من السكان، ووصل هذا العدد إلى أكثر من 7 ملايين شخص حتى 25 يناير الجاري، وهو العدد الأكبر في أوروبا، بحسب متعقب حملة التلقيح التابع لبلومبرغ. وتعتزم الحكومة في لندن تلقيح حوالي 14 مليون شخص بحلول منتصف فبراير.

ضغوط على العاملين في القطاع الصحي

وفي غضون ذلك، تتزايد الضغوط على الأطباء والممرضين، فقد دعا رئيس الجمعية البريطانية لعلم المناعة دوغ براون إلى "اعتماد طريقة تفكير جديدة"، وقال، إنَّه في الأحوال العادية، يتعيَّن الالتزام بالجرع المختبرة في التجارب السريرية، و"لكنَّنا لسنا في ظروف عادية اليوم".

وفي هذه الأثناء، يتردد شعار "حماية هيئة الخدمات الصحية الوطنية" في أرجاء بريطانيا كافةً. ففي خلال الإغلاق العام الأول في الربيع الماضي، وقف المواطنون على عتبات منازلهم للتصفيق للعاملين في قطاع الصحة مساء كلِّ خميس، ورسم الأطفال أقواس قزح لتعليقها على النوافذ.

وتعتمد الحكومة اليوم على المواطنين المنهكين لدعم القطاع الصحي مجدداً، إذ تلعب هيئة الخدمات الصحية الوطنية دوراً أساسياً بتوزيع اللقاح.

وقال ريتشارد سلوغيت، المستشار الخاص السابق لوزير الصحة مات هانكوك، إنَّ إيجاد وتوظيف ما يكفي من الطواقم الطبية من أجل تلقيح حوالي مليونيّ شخص في الأسبوع ليس بالمهمة السهلة، وقد يكون له أثر كبير على قطاع الصحة.

وأضاف سلوغيت، وهو زميل رفيع المستوى في مؤسسة "بوليسي اكسشاينج" البحثية :"يبدو أنَّنا نتجه نحو المراهنة بكلِّ ما نملك على برنامج اللقاحات".

وقال دولفين، وهو طبيب التخدير والعضو في الرابطة الطبية البريطانية، إنَّهم يأملون بأن تظهر نتائج الإغلاق قبل أن تصبح المستشفيات عاجزة عن الاستمرار. وأشار إلى أنَّ قيود الإغلاق الجديدة في بريطانيا ستستمر حتى منتصف فبراير على الأقل، في حين كان جونسون قد أشار إلى احتمال فرض قيودٍ مجدداً في الأشهر المقبلة.

وأضاف دولفين: "وصلنا إلى مرحلة لم تعد فيها هيئة الخدمات الطبية بالمستوى المناسب لبريطانيا، أو لأي بلد آخر".