كيف تعرقل حملة تونس ضد المهاجرين مفاوضاتها مع صندوق النقد؟

112 ألف مهاجر بلغوا الشواطئ الإيطالية بين يناير وأواخر أغسطس.. أكثر من نصفهم انطلقوا من تونس

أحد عناصر حرس الحدود الليبي يقف قرب مهاجرين زعموا أن السلطات التونسية تركتهم في الصحراء، في بلدة العسة في ليبيا، يوم 16 يوليو
أحد عناصر حرس الحدود الليبي يقف قرب مهاجرين زعموا أن السلطات التونسية تركتهم في الصحراء، في بلدة العسة في ليبيا، يوم 16 يوليو المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تفوقت تونس على ليبيا كأكثر طريق مفضل بالنسبة إلى المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. لكن الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، والتي تعاني أزمة مالية، غير مجهزة أو مستعدة للتعامل مع هذه الهجرة، وقد تعرّض العديد من المهاجرين لهجمات عنصرية من قبل السكان المحليين، ولسوء معاملة من قبل الشرطة. أما الرئيس التونسي قيس سعيد، والذي يحاول جاهداً إنعاش اقتصاد بلاده الذي لا يزال يعاني من تداعيات جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، فقد أدان المهاجرين معتبراً أنهم يشكلون تهديداً للأمن القومي، في حين لقيت معاملة حكومته لهم انتقادات وإدانات من جماعات حقوق الإنسان، وأعاقت أيضاً الجهود المبذولة لتأمين خطة إنقاذ دولية.

1 - ما الذي تُظهره الأرقام؟

لقي أكثر من 2000 مهاجر مصرعهم خلال العام الجاري أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط. وكان أكثر من نصف الـ112 ألف مهاجر الذين بلغوا الشواطئ الإيطالية بين يناير وأواخر أغسطس، قد انطلقوا في رحلتهم من تونس، في تحوّل لافت عن الفترة ذاتها من 2022، عندما كانت ليبيا نقطة الانطلاق الرئيسية. فمنذ ذلك الحين، زاد عدد الذين ينطلقون من تونس بمعدل أربعة أضعاف، معظمهم من الدول الفقيرة جنوب الصحراء، مثل ساحل العاج، وغينيا، والسنغال، ومالي، وتشاد. كذلك، فإن بعض هؤلاء المهاجرين، هم تونسيون يفرون من بلادهم بسبب الظروف المعيشية الصعبة. وفي هذا السياق، أعربت إيطاليا عن قلقها من أن الوضع الاقتصادي في تونس سيؤدي إلى تدفّق المزيد من المهاجرين شمالاً.

2 - أسباب التحوّل من ليبيا إلى تونس؟

بدأ انطلاق المهاجرين من تونس يتزايد في عام 2020، بعد ثلاث سنوات على إبرام ليبيا اتفاقاً مع إيطاليا لتدريب خفر السواحل الليبي وتزويد ضباطها بالمعدات اللازمة لاعتراض القوارب التي تنقل المهاجرين بشكل غير قانوني. وسمح الاتفاق بإعادة المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا، حيث يتعرضون هناك -بحسب جماعات حقوق الإنسان- لخطر سوء المعاملة أو الاتجار بالبشر. وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن السعر الذي يطلبه مهربو البشر لعبور البحر، أقل في تونس، ويتراوح بين 500 و600 يورو، مقارنة بما يتراوح بين 800 و900 يورو في ليبيا.

3 - كيف تبدو حياة المهاجرين في تونس؟

تسمح الاتفاقيات الدولية لحكومات الاتحاد الأوروبي، بإعادة طالبي اللجوء إلى "دولة ثالثة آمنة". وتقول جماعات حقوق الإنسان إن هذا الوصف لا ينطبق على تونس، إذ تعرّض المهاجرون السود فيها لهجمات عنصرية متكررة، وطُردوا من منازلهم، وتركوا من دون مأوى أو طعام. وبعض هؤلاء المهاجرين أُلقي القبض عليهم بسبب احتجاجهم ضد المعاملة التي يتلقونها، حيث قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم. ويشكو مهاجرون آخرون من العنف الجنسي، والعمل القسري، والأمراض الناجمة عن سوء الظروف المعيشية.

4 - ما الذي يفسّر سوء المعاملة؟

اتجهت تونس نحو الاستبداد في السنوات الأخيرة، حيث أجرى الرئيس سعيد تغييرات دستورية شاملة أبطلت العديد من المكتسبات الديمقراطية التي تحققت خلال انتفاضة ما سُمّي بـ"الربيع العربي" في عام 2011. وفي فبراير الماضي، أمر سعيد قوات الأمن بمحاربة الهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى "مؤامرة" لتغيير التركيبة السكانية في تونس. أعقب ذلك تصعيد خطاب الكراهية والتمييز والهجمات ضد المهاجرين، وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". المدافعون عن حقوق المهاجرين يقولون إن هؤلاء المهاجرين يُعتبرون "كبش فداء" ملائماً في بلد يعاني بطالة جماعية وأزمة ارتفاع تكاليف المعيشة. تسببت جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب تسجيل تونس أدنى معدلات حصاد الحبوب في 20 عاماً، في ارتفاع أسعار الغذاء، وهو ما زاد من حالة اليأس التي تطال جزءاً كبيراً من السكان. وكذلك، فإن الصراع السياسي الداخلي، وحالة الجمود التي تعاني منها النقابات العمالية القوية، أعاقا جهود حل المشكلات الاقتصادية في البلاد.

5- ماذا عن تحركات الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة من تونس؟

قادت رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني، محادثات مع حكومة سعيد، أسفرت عن اتفاق في يوليو، تعمل بموجبه تونس على تحسين مراقبة الحدود والحد من الهجرة، مقابل مساعدات من الاتحاد الأوروبي. تعهد الاتحاد باستثمار أكثر من 100 مليون يورو في البلاد خلال 2023، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي قدمه في العامين السابقين.

إيطاليا تتعهد بدعم تونس بالمال وفي محادثات صندوق النقد

طرح الاتحاد الأوروبي أيضاً احتمال تقديم قرض إضافي بقيمة 900 مليون يورو، إذا تمكنت تونس من إنهاء المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي" بشأن حزمة إنقاذ اقتصادي بقيمة 1.9 مليار دولار.

6 - هل يؤثر وضع المهاجرين على المحادثات مع صندوق النقد؟

تعتمد مساعدة "صندوق النقد الدولي" إلى حد كبير، على استكمال تونس لإصلاحات اقتصادية عدة. ومع ذلك، فإن تصريحات سعيد بشأن المهاجرين، وإصراره على أن بلاده لن تخضع لـ"الإملاءات" الأجنبية، قوّضت ثقة المستثمرين. وفي يونيو، خفضت "فيتش ريتنغز" التصنيف الائتماني لتونس إلى "عالي المخاطر". وقد يؤدي الإخفاق في الحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي، إلى التخلف عن السداد، الأمر الذي من شأنه أن يدفع اقتصاد البلاد إلى حالة من الفوضى. علّق البنك الدولي لفترة وجيزة مساعدته لتونس على خلفية قضية المهاجرين، ووافق في أواخر مايو على استئناف البرنامج باتفاقية شراكة جديدة. لكن البنك أوضح أن المدفوعات المستقبلية ستعتمد جزئياً على امتثال تونس لـ"متطلباتها البيئية والاجتماعية".