لعنة الفساد تطارد أكبر اكتشاف نفطي في أفريقيا

"توتال" و"شل" تكتشفان 11 مليار برميل نفط قبالة سواحل ناميبيا وسط مخاوف من الفساد المحلي

قطاع النفط المتفشي بالفساد في نيجيريا أدى إلى تسربات للخام في النيجر جعلتها إحدى أكثر المناطق تلوثاً في العالم
قطاع النفط المتفشي بالفساد في نيجيريا أدى إلى تسربات للخام في النيجر جعلتها إحدى أكثر المناطق تلوثاً في العالم المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يصفه بعضهم بأنه قد يكون أكبر اكتشاف نفطي في المياه العميقة على الإطلاق في العالم. أدى اكتشاف شركتي "توتال " و"شل" لما يقدر بنحو 11 مليار برميل من النفط قبالة سواحل ناميبيا في العام الماضي إلى حماس مبرر في الدولة الواقعة في أفريقيا الجنوبية. حتى لو كان الجزء الضئيل فقط من تلك الكمية الهائلة- التي تبلغ قيمتها نحو تريليون دولار وفق الأسعار الحالية- قابلاً للاستخراج، فهو يحمل وعداً بثروة لا حصر لها للدولة التي يبلغ تعداد سكانها 2.7 مليون نسمة. لكن مع ظهور اكتشافات نفطية في أماكن أخرى من القارة؛ فالأمر يستدعي جرعة واقعية من الحذر.

خلال حديثه مع جمهور في فندق "ميركور هوتيل" الشهر الماضي في العاصمة ويندهوك، قال توم ألويندو، وزير المناجم والطاقة الناميبي: "سوء إدارة قطاع النفط والغاز قد يؤدي إلى الفساد والتفاوت الاجتماعي، مما سيشعل التوترات الاجتماعية ويهدد الاستقرار السياسي، لا بد من أن يملك القائمون على تلك الموارد المهارات اللازمة، والأهم أن تكون لديهم درجة عالية من النزاهة".

حفار في خليج ولفيس في ناميبيا
حفار في خليج ولفيس في ناميبيا المصدر: بلومبرغ

شهدت "أنغولا" المجاورة، ثاني أكبر دولة إنتاجاً للنفط في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، تدفقات نقدية هائلة من مبيعات النفط تملأ جيوب نخبة صغيرة لها علاقات وثيقة مع رئيس الدولة السابق. كما واجهت موزمبيق، الدولة الواقعة في المنطقة الجنوبية ذاتها فساداً ضخماً نتج عن الاقتراض مقابل اكتشافات الغاز، حتى قبل تطويرها، لكن المشروعات توقفت بسبب العصيان المسلح منذ ذلك الوقت. أما القطاع المتفشي فيه الفساد بنيجيريا، فقد أدى إلى تسربات نفطية في دلتا نهر النيجر، جعلتها إحدى أكثر المناطق تلوثاً على وجه الأرض، مع عدم اتخاذ أي خطوة للحد من فقر المجتمعات المحلية.

ناميبيا تغير قواعد اللعبة

تقع ناميبيا على الساحل الغربي لمنطقة أفريقيا الجنوبية، وتشتهر بمحميات الحياة البرية وصحراء ناميب. يُرجح أن تضاعف اكتشافات النفط الأولية وحدها من حجم اقتصاد الدولة البالغ 12.6 مليار دولار بحلول 2040، وفقاً للتقديرات الحكومية.

بعد أن استعمرتها ألمانيا في القرن التاسع عشر، واستولت عليها جنوب أفريقيا حتى استقلالها في 1990؛ تنظر ناميبيا إلى الاكتشافات على أنها نقطة تحول، مع فرص أن تحول الدولة مشروعات الاستكشاف، ومنها تطوير حقل "كودو" للغاز، إلى مزود للكهرباء في أرجاء المنطقة.

ناميبيا تبحث عن مستثمرين لتوسعة موانئ قبل دخولها "نادي النفط"

ربما تتمثل الصعوبة في الاستفادة من الهبة الثمينة، وتجنب المساوئ التي تضر الدول الغنية بالموارد الطبيعية في أفريقيا. فالجزء الأكبر من عائدات الاكتشافات ستحصل الحكومة عليه، إلى جانب رسم الامتياز، والضرائب، والأرباح التي تحققها شركة النفط المملوكة للدولة، وتمثل تلك المبالغ 58% من كل برميل نفط، بحسب ماغي شينو، مُفوضة النفط في ناميبيا.

قال غراهام هوب وود، المدير التنفيذي لمعهد بحوث السياسة العامة، إن تجنب التأثير المُفسد لفيضان الأموال المفاجئ سيكون عاملاً جوهرياً.

لعنة الموارد

قال هوب وود في حوار: "لعنة الموارد هي خطر محدق واضح على ناميبيا، يُتوقع أن تصبح الدولة خلال 10 سنوات أكبر منتج للنفط في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى بعد نيجيريا وأنغولا، وإذا نظرنا إلى هاتين الدولتين؛ سنجد أكثر من 40% من السكان يعيشون في فقر مدقع".

بحسب منتقدين؛ فإنه وفقاً لسجل الحكومة في الاستفادة من إيرادات شركات التنقيب، من المستبعد أن تحسن أي عائدات من النفط الأوضاع المعيشية للناميبيين العاديين.

ناميبيا تدرس الاستحواذ على حصص في شركات التنقيب والنفط

قال رينولد مانغوندو، عالم بيئي يعمل لصالح منظمة "سافينغ أوكافانغو" (Saving Okavango): "وُهبت ناميبيا وفرة المصادر الطبيعية والمعدنية، من ذهب ويورانيوم وألماس، وما تزال صاحبة أحد أعلى معدلات التفاوت الاجتماعي في العالم، ويستبعد أن تصل الاستثمارات النقدية الضخمة من الشركات العالمية إلى أغلبية السكان".

فضحية "نامكور"

انحسرت شعبية الحكومة، وتدهورت الثقة في الرئيس هاغي غينغوب من 50% إلى 25% في 7 سنوات حتى 2021، وفقاً لدراسة أجرتها شركة "أفروباروميتر" (Afrobarometer). ولاقى حزب المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا" (SWAPO) الحاكم المصير نفسه.

تفاقمت الأوضاع بعد أن هزت فضيحة الإدارة العليا لشركة "ناشيونال بتروليم كوربريشن أوف ناميبيا" (National Petroleum Corp of Namibia)؛ ففي مارس، قبضت السلطات على رئيسة مجلس الإدارة، جنيفر كومالي، بعد العثور على مخدرات في مركبتها الرسمية المتوقفة في ساحة توقف السيارات بالشركة. أنكرت الاتهامات وأشارت إلى الخلافات الداخلية بالشركة التي يطلق عليها اسم "نامكور" (Namcor).

قالت لـ"بلومبرغ" إن القضية ستُعرض على المحكمة في 3 أكتوبر، بعدها سيكون مسار المضي قدماً أكثر وضوحاً.

في أبريل، أُوقف العضو المنتدب بالشركة، إيمانويل مولونغا، عن العمل وسط شكوك تحيط بمدفوعات تخص كتلة نفطية في أنغولا. رفض التعليق باستثناء قوله: "أتطلع للعودة إلى العمل بعد انتهاء الإيقاف".

قال هوب وود: "قد يصبح ذلك قضية تمس سمعة الشركة، في الوقت الذي تحتاج فيه ناميبيا إلى إثبات أن لديها بيئة في غاية الاستقرار تناسب المستثمرين القادمين، وأنها تتخذ كل الإجراءات الصحيحة، في ظل حماس الشعب لتلك الاكتشافات النفطية. الشركة باتت خطراً".

تملك الشركة عادةً حصة 10% من تراخيص النفط، مما يجعلها شريكة لشركات "شل"، و"توتال"، و"شيفرون"، و"إكسون موبيل"، و"قطر للطاقة"، وأي شركة أخرى تشارك في أي مشروع. رفضت "توتال" و"شل" التعليق على أزمتي "نامكور".

المحيط الأطلسي يعج بالتنقيب

على الرغم من ذلك؛ ما تزال مياه المحيط الأطلسي قبالة شواطئ ناميبيا تعج بعمليات الحفر والتنقيب، في حين تقيّم "شل" و"توتال" الحقول لتحديد جدواها الاقتصادية. بينما قد لا تحقق كل الآبار النتائج المرجوة، قد تبدأ الدولة إنتاج النفط في 2029 من بئر "فينوس" التي تشغلها "توتال"، وبعدها من حقل "غراف" الذي اكتشفته "شل"، بحسب "نامكور".

لكن أغلب البنية التحتية اللازمة لم تُجهز بعد؛ فقد وضعت شركة الموانئ التي تملكها الدولة خططاً للتوسع بقيمة 2.1 مليار دولار لاستيعاب سفن الدعم والتحديثات اللازمة. سيُعرض أي تقدم في استغلال الموارد على وزارة المناجم والطاقة التي يتولاها ألويندو. تملك الوزارة ميزانية أدنى من 14 مليون دولار، أي أقل بأربعين مرة عن نظيرتها في جنوب أفريقيا.

اقتراب النفط من 100 دولار تحذير للبنوك المركزية في معركة التضخم

قالت فاليري مارسيل، الشريكة المؤسسة لـ"نيو بروديوسرز غروب" (New Producers Group)، وهي مبادرة غير هادفة للربح تساعد الدول التي تفتقر إلى وجود قطاع مستقر للنفط والغاز: "كل دولة تشهد اكتشافات مماثلة ستحاول اللحاق بالركب. الأمر ليس لأنهم لم يفعلوا شيئاً ما بشكل صحيح، بل هم يحتاجون لزيادة القدرة الإنتاجية، نظراً لطبيعة ما يحدث".

اكتشافات "توتال" و"شل" النفطية

كان الحماس المحيط بالاكتشافات كبيراً للغاية. توقعت مجلة "أب ستريم" المعنية بالقطاع أن اكتشاف "توتال" وحده قد يكون الأكبر على الإطلاق في المياه العميقة. علّق الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الفرنسية العملاقة، باتريك بويانيه، على بئر "فينوس" الاستكشافي في عرض تقديمي للمستثمرين بقوله "يبدو أنها (بئر) كبيرة جداً، بل عملاقة ".

صرح دينيس زيكفيلد، المدير الإقليمي لشركة "شل" في تلك الفترة، أمام مؤتمر في ويندهوك العام الماضي أن أحد عاملي النظافة واجهه بمقال في صحيفة محلية قام بحساب تخيلي لعدد البراميل في سعر النفط، وقال إن البلد ستصبح غنية. يتذكر زيكفيلد استخدامه لوحة بيضاء ليشرح للشخص واقع التنقيب والإنتاج. فشل بئر "شل" يظهر أن تحديد ضخامة الاكتشاف ليس سهلاً. قال زيكفيلد، متحدثاً إلى الجمهور خلال مؤتمر في كيب تاون انعقد في 13 سبتمبر: "لا تبالغ في وعودك أبداً".

"G20" تمنح عضويتها للاتحاد الأفريقي على غرار الاتحاد الأوروبي

قال هوب وود: "المشكلة أن الشعب يعلق آمالاً عريضة على النفط، والناس يتوقعون حل كل مشكلاتهم المالية قريباً، وهذا ليس واقعياً. ما زلت غير مقتنع بتمكننا من خلق وظائف كثيرة للمواطنين، لا سيما الشباب".

قال متحدث باسم "نامكور" إن الشركة تتوقع أن تخلق مشروعات "توتال" و"شل" نحو 3 آلاف وظيفة في ذروة عملها، في حين تجري الشركة تدريباً لتولي التشغيل في نهاية المطاف، كما أن نشاط "توتال" خلق أكثر من 130 وظيفة خلال مرحلة الاستكشاف الأولي، وتتوقع زيادة المساعي الاقتصادية للمجتمعات المحلية، وستعطي "شل" الأولوية للخدمات والمهارات المحلية، متى أمكن ذلك.

تغير تقنيات الطاقة

إن مصدر جزء من الضرورة الملحة المحيطة بالمشروعات يتمثل في حقيقة أن تقنيات الطاقة تتغير بوتيرة سريعة للحد من استخدام الوقود الأحفوري. في حقل بالين في ساحل العاج، بدأت "إيني"، شركة الطاقة الإيطالية العملاقة، الإنتاج في الشهر الماضي، لتستخرج النفط بعد أقل من عامين على اكتشافه. حتى فترة قريبة، كان من المعتاد أن يستغرق اكتشاف جديد عقداً أو أكثر ليصل إلى مرحلة الإنتاج.

على خلاف جنوب أفريقيا، حيث نجحت الجماعات البيئية في عرقلة خطط "شل" وشركائها للحفر، شارك عدد قليل من منظمات المجتمع المدني في ناميبيا بنجاح في حوار وطني، بحسب مانغوندو، الذي شكك في عملية منح تراخيص الاستكشاف لشركة "ريكون أفريكا" (ReconAfrica) الكندية.

لكن ألويندو يعتبر مطالبات الدول الأخرى وجماعات المصالح العالمية بتحول الطاقة تتجاهل مصالح ناميبيا. قال: "هذا تفكير في غاية التعالي، ويعكس انعدام الاهتمام تماماً بتحديات التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة التي تواجهها الدول النامية، مثل بلدنا".