آن أوان إسقاط سقف سعر النفط الروسي

رغم أن هدفها جدير بالثناء.. تفتقر آلية فرض سقف لسعر نفط روسيا لما يضمن تنفيذها قسرياً

الناقلتان "توربا"، على اليسار، و"سيمبا" في خليج لاكونيكوس، اليونان
الناقلتان "توربا"، على اليسار، و"سيمبا" في خليج لاكونيكوس، اليونان المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يسرني أن أقول ذلك، لكن أوان إلغاء سقف أسعار النفط الروسي قد حان. الحقيقة هي أنه لا يؤدي غرضه، وأسوأ ما في الأمر هو أن ضخ مزيد من النفط الروسي في ناقلات قديمة صدئة تضطلع بعمليات خطرة بطبيعتها، مثل نقل النفط بين السفن، يزيد احتمالات وقوع كارثة بيئية.

لقد فرضت مجموعة الدول السبع وعدة دول أخرى في ديسمبر سقفاً لسعر الخام الروسي هو 60 دولاراً للبرميل. بإمكان المشترين أن يدفعوا سعراً يتجاوز ذلك السقف، لكن ذلك يحرمهم من خدمات رئيسية تقدمها شركات في الدول التي وقّعت على الاتفاق.

تشمل تلك الخدمات أفضل خطط التأمين ضد المخاطر، مثل حوادث الاصطدام والتسرب النفطي، كما تشمل أسطول الناقلات المتمركز في أوروبا، الذي يشمل سفناً مالكيها في اليونان وقبرص. كان سقف أسعار مشابه قد فُرض في فبراير على مشتقات النفط المكرر. وكان الهدف هو السماح بأن يستمر تدفق نفط روسيا، مع الضغط على دخل الكرملين عبر دفعه لقبول أسعار أقل. تتوقف فاعلية سقف الأسعار على حاجة روسيا للسفن والخدمات الغربية ليستمر تدفق نفطها إلى العالم وعلى استعدادها لأن تبيع النفط دون سقف الأسعار.

ديناميكيات سوق النفط

بدت المبادرة فعالة لفترة. لم يبلغ سعر تداول خام الأورال الرئيسي في البلاد من الكثافة المخصصة للتصدير ذلك السقف خلال أغلب الأشهر الثمانية التي فُرض خلالها. لكن ذلك الأمر كان يرتبط بآليات سوق النفط الأشمل أكثر من ارتباطه بآلية سقف الأسعار. في ضوء ارتفاع أسعار النفط على المستوى العالمي خلال الأشهر الأخيرة، ارتفعت أيضاً قيمة الخام الروسي. سعر خام الأورال أقرب الآن لسعر 100 دولار للبرميل منه إلى 60 دولاراً، ويُنقل أغلبه في بطون ناقلات يتقبل مالكوها تجاهل سقف الأسعار.

روسيا ترفع رسوم تصدير النفط لأعلى معدلاتها في 2023

إذا نظرنا للفارق عن سعر خام برنت بدلاً من المقارنة مع الأسعار بالمطلق، سنرى صورة مختلفة بعض الشيء.

استمر ذلك الفارق يتزايد بعد دخول سقف الأسعار حيز التنفيذ، لكنه لم يتخط مطلقاً المستويات التي بلغها خلال الأشهر الأولى من غزو روسيا لأوكرانيا، ولم تمض فترة طويلة قبل أن يعاود التضاؤل.

تتماشى أكبر الفروقات مع فترات لم يكن فيها ما يكفي من السفن التي يقبل مالكوها أن ينقلوا النفط الخام الروسي. لكن منذ الغزو، جمعت مجموعة من مشغلي الناقلات الجدد أسطولاً من السفن العتيقة، التي كان كثيرٌ منها سيُباع كخردة فيما مضى، لنقل نفط روسيا.

أثارت تلك الناقلات القديمة الصدئة مخاوف في الأمم المتحدة حول خطر متزايد بحدوث تسرب نفطي كبير. كما يعتري مسؤولين في الأمم المتحدة قلق من ممارسات اعتمدتها بعض السفن مثل إغلاق أجهزة بث الإشارة المسؤولة عن تحديد موقع السفن وكذلك ضخ الشحنات بين سفينتين عتيقتين.

تضاءل الخصم الساري على الشحنات الروسية مقارنة بالأسعار القياسية على المستوى العالمي، وهو المقياس الرئيسي لنجاح آلية سقف الأسعار، نظراً لأن أسطول الظل هذا يحمل كميات أكبر من شحنات موسكو النفطية.

آلية سقف الأسعار

رغم أن هدفها جدير بالثناء، تفتقر آلية سقف الأسعار لأدوات إنفاذ قسري. كل ما يطلبه مالكو السفن هو إقرار من صاحب الشحنة بأنه اشتراها بسعر يقل عن السقف المحدد. لكن ليس هناك اندفاع للتحقق من صحة الأمر، ولا توجد طريقة لاكتشاف ما إذا كان المكتوب في الإقرار صحيحاً أم لا.

لا توجد فرصة واقعية لينكشف أمر الإقرار إن كانت البيانات فيه مكذوبة إذ أن البائع شركة نفط روسية و الشاري على الأرجح شركة تجارية تأسست حديثاً ولا تخضع لضوابط وزارة الخزانة الأميركية.

النتيجة هي أن سقف الأسعار لا يُطبق فرضاً. كانت نحو 40% من السفن التي تنقل الخام من موانئ بحر البلطيق والبحر الأسود في روسيا ملكاً لشركات مقراتها في دول وافقت على سقف الأسعار، وما يزال التأمين على عدد كبير من السفن يمر عبر لندن.

روسيا تواصل اعتمادها على أوروبا في شحن النفط رغم تجاوز سقف الأسعار

قد يؤدي تعديل سقف الأسعار إلى مستوى أقرب لأسعار السوق لتداول بعض الشحنات بسعر أقل من السقف الجديد، لكنه لن يساهم في تقييد دخل الكرملين. سيخفف تحسين سبل تطبيق سقف الأسعار وفرض حظر على استخدام السفن القديمة الصدئة من مخاطر حدوث تسرب نفطي، لكن يبدو أنه ليس هناك إقبال على أي أمر قد يعيق تدفقات النفط الروسي. في ظل ارتفاع أسعار النفط الخام لتداني مستوى 95 دولاراً للبرميل، بزيادة قدرها نحو 27% منذ نهاية يونيو، فإن الأمر ليس مفاجئاً.

التدفق مستمر

لن يُحدث إلغاء سقف الأسعار أي فارق في كمية الخام الروسي المتاحة في السوق، إذ سيستمر تدفقه مثلما كان منذ بداية الحرب في أوكرانيا. في ظل وجود عدد كافٍ من السفن المتاحة لنقل كميات النفط هذه، يُستبعد أن ذلك سيؤثر على السعر. لكن أثره سيكون على جودة السفن المستخدمة لنقل النفط وهوية الطرف الذي يحصل على أتعاب نقله.

خلاف بين روسيا وشركات النفط على تكاليف الوقود

إذا كان مسموحاً لشركات الشحن بحمل الشحنات الروسية والتعاقد لتأمينها، فإن جانباً كبيراً من المبيعات سيعاود غالباً استخدام سفن تحظى بتأمين ملائم وتخضع لصيانة جيدة وتفتيش صارم. تقلق السلطات عموماً من السماح للسفن المتهالكة بدخول موانئها، واضطرت سفن عدة للانتظار لأسابيع قبل أن يُرخص لها بتفريغ شحنات روسية في الهند والصين.

يرجّح أن ينتهي الحال بأقدم الناقلات التي تشارك الآن في نقل النفط الروسي على شواطئ بنغلاديش والهند وباكستان لتفكيكها إلى خردة، فيحول ذلك دون ما يبدو أنه كارثة بيئية لا مفر منها كلما طالت فترة عمل هذه السفن لنقل الخام عبر العالم.

الجانب المشرق هو أنه إذا كانت روسيا قد دفعت مليارات الدولارات لشراء هذه السفن العتيقة، فسيذهب مالها هباءً.