برامج تدريب مجانية يستفيد منها آلاف السعوديين في مجالات الأعمال

خلال إحدى الفعاليات التي نظمتها "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك) في نوفمبر 2022 لتطوير المهارات وتنمية رأس المال البشري
خلال إحدى الفعاليات التي نظمتها "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك) في نوفمبر 2022 لتطوير المهارات وتنمية رأس المال البشري المصدر: "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك)
المصدر: الشرق
مادة إعلانية
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"هذه هي أفضل مرحلة لنمو وتطور الإنسان في السعودية".. هكذا تصف رائدة الأعمال السعودية هدى فلاتة الوضع في المملكة اليوم، في ظل برنامج تنمية القدرات البشرية التي تقدمها جهات عديدة في المملكة العربية السعودية، وبما يتواكب مع "رؤية 2030" ومستهدفاتها بشأن تمكين الشباب السعودي.

هدى فلاتة، مؤسِسة شركة "الآلي لتقنية المعلومات" المتخصصة في مجال تقنية الروبوتات، التي تقدم خدماتها لقطاعات عدة، مثل وزارة التعليم، عبر توفير معامل ابتكار، تقول إن نجاحها في ريادة الأعمال يعود بشكل رئيسي إلى العديد من البرامج والمشروعات المقدمة في السعودية لدعم القدرات البشرية عموماً والشباب على وجه الخصوص. على مدى الأعوام الثلاثة الماضية؛ استفادت هدى من أكثر من 5 برامج مجانية مقدمة من جهات حكومية وخاصة.

"منشآت" وريادة الأعمال

كانت بداية مشوار تطوير قدراتها في عام 2019، من خلال برنامج مقدم من "الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة" (منشآت)، الذي تمثل في معسكر لريادة الأعمال بجامعة داربير لمدة شهر في وادي السيليكون بالولايات المتحدة الأميركية.

تقدّم "منشآت" خدمات عديدة لتسهيل رحلة ريادة الأعمال للشباب السعودي وتمكين قدراتهم، لكنها ليست الجهة الحكومية الوحيدة التي تقوم بذلك. فهناك جهات أخرى تعمل على تنمية رأس المال البشري في السعودية في إطار "رؤية 2030"، واستراتيجية برنامج تنمية القدرات البشرية، وهو أحد برامج الرؤية الذي يُعنى بالإنسان بشكل مباشر.

رحلة مدى الحياة

يقول أنس المديفر الرئيس التنفيذي لبرنامج تنمية القدرات البشرية في حوار خاص مع "الشرق"، إن "البرنامج يركّز على رحلة تنمية رأس المال البشري، من مراحل الطفولة المبكرة ويستمر مدى الحياة، حيث يركّز على تطوير وإعادة تأهيل المهارات، وعلى تعزيز وترسيخ القيم، إضافة إلى المعارف المتخصصة المرتبطة باحتياجات سوق العمل".

بحسب مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ احتلت السعودية الترتيب 35 من بين 191 دولة عام 2022، وهي تهدف للتقدم الى المركز 29 بحلول عام 2025.

قال المديفر إن البرنامج يهدف إلى "تعزيز تنافسية المواطن السعودي محلياً وعالمياً"، وهو يقوم على ركائز أساسية عدة لتحقيق ذلك، منها إرساء أساس تعليمي مرن ومتين. وأضاف: "اليوم نتوسع في قبول تخصصات المستقبل، تخصصات "الستيم" (STEM)، (وهي تشمل العلوم والتكنولوجيا والهندسة و الرياضيات)، حيث لدينا مستهدف برفع أعداد الملتحقين في مجالات "الستيم" من بعد التعليم الثانوي إلى 35% بحلول 2030".

الإعداد لسوق العمل

هناك ركيزة أخرى للبرنامج، تتمثل في "الإعداد لسوق العمل محلياً وعالمياً"، حيث يعمل البرنامج على تأهيل الأفراد لسوق العمل عن طريق متابعة معدلات التوظيف للبرامج الجامعية، وبرامج التدريب التقني والمهني. قال المديفر: "نرى أثر ذلك على معدلات البطالة في المملكة وانخفاضها بشكل كبير".

هذا ما تترجمه الأرقام فعلاً. فوفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية؛ سجلت معدلات البطالة بين السعوديين بنهاية عام 2022 أدنى مستوياتها التاريخية، إذ بلغ معدل البطالة بين السعوديين 8%، مقترباً بذلك من مستهدفات رؤية 2030 عند 7%، ومحققاً انخفاضاً كبيراً من 11.6% عند إطلاق الرؤية عام 2016.

فيما يتعلق بفئة الإناث على وجه الخصوص؛ انخفض معدل البطالة بين السعوديات بما يقارب النصف، ليسجل أدنى مستوياته التاريخية في نهاية 2022 عند 15.4%، انخفاضاً من 33.7% في 2016.

يذكر أيضاً أن برنامج تنمية القدرات البشرية، يعمل على تحقيق مستهدفات عديدة بحلول 2030. فوفق بيانات المؤشرات الاستراتيجية للبرنامج؛ فإنه يهدف إلى رفع نسبة الباحثين عن العمل الذين حصلوا على فرصة عمل خلال 12 شهراً إلى 80% من 61.8% في عام 2020، بالإضافة إلى رفع نسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي التدريب التقني والمهني خلال 6 أشهر من التخرج إلى 65% من خط أساس 13.9% في 2019، فضلاً عن رفع نسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي التعليم العالي خلال 6 أشهر من التخرج إلى 75% من خط أساس 4.5% في 2019.

كذلك، يستهدف البرنامج زيادة نسب التوطين في الوظائف عالية المهارات إلى 50% من نسبة 32% في 2020.

تركيز على التعليم

فيما يتعلق بالتعليم؛ يستهدف برنامج تنمية القدرات البشرية أيضاً زيادة عدد الطلاب السعوديين الملتحقين بأفضل 200 جامعة أو معهد في العالم، لأكثر من خمسة أضعاف، ليصل عددهم إلى قرابة 50 ألف طالب وطالبة بحلول عام 2030، ارتفاعاً من خط أساس 9305 طلاب في 2021.

في العام الماضي، عمل هذا البرنامج على تحقيق هذه المستهدفات مع جهات عديدة. فقد جرى على سبيل المثال اعتماد إطار وطني لمعايير مناهج التعليم العام، واُطلقت في هذا السياق استراتيجية لتنمية القدرات الثقافية بالتعاون مع وزارتي التعليم والثقافة.

يُعنى برنامج تنمية القدرات البشرية أيضاً ببرامج وسياسات لتحفيز القطاع الخاص لتدريب الموظفين بحسب ما أوضحه المديفر. وقال: "نتأكد أن هناك استثماراً لتدريب الموظفين، سواء كان ذلك لرفع المهارات، أو لتحوير المهارات كي تتناسب مع القطاعات الواعدة مثل السياحة والترفيه. وقد أُعيد تأهيل مهارات تخصصات مختلفة من خلال الحصول على برامج تدريبية تؤهل المشاركين فيها للعمل في هذه القطاعات".

مبادرات نوعية لتدريب الكوادر

تتواكب هذه الخطوة مع ما أعلنته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في مارس 2023 من مبادرات نوعية للمهارات والتدريب للكوادر الوطنية.

ففي حوار مع "الشرق"، قال محمد الرزقي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إن "من ضمن هذه المبادرات، الحملة الوطنية للتدريب (وعد)؛ التي تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص على التدريب، حيث وصلت وعود الالتزام بالتدريب إلى 1.15 مليون فرصة تدريبية حتى نهاية 2025، من خلال 14 شركة وطنية.

أضاف الرزقي: "أُطلقت مبادرة مسرّعة المهارات لتنمية المهارات عالية المستوى للكوادر الوطنية ورفع كفاءتها الإنتاجية، وهي تستهدف 162 ألف موظف في القطاع الخاص، وأيضاً مبادرة قسائم التدريب لتنمية المهارات منخفضة ومتوسطة المستوى التي تستهدف رفع مهارات أكثر من 160 ألف موظف سعودي في القطاع الخاص".

قطاع المؤسسات والهيئات غير الربحية في المملكة، له دوره الخاص أيضاً في تنمية رأس المال البشري. من بين أبرز اللاعبين في هذا القطاع: "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك) التي تمارس نشاطها في 4 مجالات من خلال: "مسك الريادة"، و"مسك القادة"، و"مسك المجتمع"، و"مسك المهارات".

تهتم "مسك المهارات" على وجه الخصوص بتطوير مهارات الشباب لتحقيق التقدم المهني، من المرحلة الثانوية حتى مرحلة التوظيف عبر 7 برامج مختلفة.

تدريب في السعودية وخارجها

قالت الجوهرة الذييب، مديرة برامج في "مسك المهارات" في "مسك"، في حوار مع "الشرق": "منذ إطلاق (مسك المهارات) عام 2021 حتى اليوم؛ استفاد ما يقرب من مليون طالب وطالبة من برامجه".

أضافت الذييب أن من ضمن هذه البرامج، ما توفره "مسك" من برنامج تدريب على رأس العمل، ليس في السعودية فقط، بل في شركات رائدة حول العالم، حيث استفاد 4 آلاف متدرب من هذا البرنامج حتى الآن.

وأشارت إلى أن البرنامج "حقق نتائج رائعة، إذ إن اثنين من كل ثلاثة مشاركين في برنامج التدريب على رأس العمل، توظفوا بنتيجته".

تستهدف "مسك" عبر قطاعاتها المختلفة أيضاً استحداث 10 آلاف وظيفة من قبل الشركات الناشئة التي تم دعمها أو إطلاقها من خلال برامج "مسك"، وقد تمكنت المؤسسة حتى عام 2022 من توفير 2600 وظيفة من المستهدف.

دور القطاع الخاص

القطاع الخاص بدوره لديه إسهامات في تنمية رأس المال البشري في السعودية. فعلى سبيل المثال؛ خصّصت "بيبسيكو" العالمية الرائدة في مجال الأطعمة والمشروبات، برامج عديدة لتطوير القدرات، منها برنامج "المستقبل سعودي" الذي أُطلق في عام 2021 بالتعاون مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية، وأكاديمية "لنا"، ومؤسسة إنجاز العرب. ومن ضمن أهداف المبادرة تدريب أكثر من 12 ألف سعودي، وتمكين أكثر من ألفي امرأة من العمل في القطاع الصناعي.

تقوم "بيبسيكو" سنوياً أيضاً، بالتعاون مع المجلس الأطلسي، باختيار 34 رائدة أعمال سعودية في برنامج زمالة يضم ورش عمل خاصة لهن مع جامعة جورج تاون الأميركية. وهدى فلاتة، هي إحدى المستفيدات من هذا البرنامج.

تقول هدى: "البرنامج لم ينتهِ بعد، لكن حتى الآن، وعلى الرغم من الخطوات البسيطة للبرنامج؛ فإن أثرها كبير في نمو مشاريعنا".

أولويات "أرامكو"

شركة "أرامكو السعودية" بدوها تعتبر من اللاعبين البارزين في القطاع الخاص، وهي توظّف العديد من الشباب والشابات في المملكة.

في لقاء سابق مع "الشرق"، قال نبيل الجامع النائب التنفيذي للرئيس للموارد البشرية والخدمات المساندة في "أرامكو": "لدينا أكثر من 70 ألف موظف وموظفة يبلغ متوسط أعمارهم 35 سنة، ويمثل الشباب 63% من إجمالي عدد الموظفين لدينا". وأضاف: "تطوير قدراتهم يعتبر من أهم أولويات استراتيجيات تطوير القدرات البشرية لدينا".

يذكر أن "أرامكو" تدرّب سنوياً أكثر من 13 ألف طالب وطالبة من المراحل الثانوية والجامعية، كما تقدّم برامج التأهيل المنتهي بالتوظيف، التي يستفيد منها أكثر من ألفي طالب وطالبة كل عام.

يقول الجامع: "ندرك أن الاستمرار في جودة التعليم والتدريب، هو القاعدة الأساسية لبناء الثروات البشرية".

ترتبط جهود القطاعين العام والخاص والمؤسسات غير الربحية، بشكل مباشر بـ"رؤية 2030" الهادفة إلى إحداث تحوّل جذري في الاقتصاد السعودي وتنويع مصادر الدخل، حيث تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. وتحقيق هذه المستهدفات لا يكتمل من دون العنصر الأساسي فيها، ألا وهو رأس المال البشري، خصوصاً من جيل الشباب (يمثل الشباب السعودي تحت سن 30 سنة 63% من السعوديين)، الذي قال عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عند إعلان الرؤية عام 2016، "هم الطاقة والقوة الحقيقية لتحقيق هذه الرؤية".