ما أساء الاقتصاديون فهمه عن الركود الكبير

التراجع الحقيقي في معدل التضخم هو مقياس نجاح الإجراءات والاقتصاديون سارعوا إلى اعتبار ركود 2008 فقاعة عقارية

صفوف العاطلين، يناير 1938
صفوف العاطلين، يناير 1938 المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ماذا نعرف وماذا نجهل عن الاقتصاد الكلي؟ في الفترة الحالية، نراجع أنا وشريكي في التأليف كتب علم الاقتصاد، وكان أحد قراراتنا إعطاء أولوية للركود الكبير والجائحة على حساب الكساد العظيم، لذا ربما ينتظر مني أن أملك إجابة عن هذا السؤال. غير أنني بدلاً من ذلك، أود أن أقدم مقدمة قصيرة لترشدنا في الأزمات وحالات الركود في المستقبل.

لنبدأ بما نجهله.

بشكل عام، لا يعلم الاقتصاديون متى تحدث الأزمات الاقتصادية. وإن كانت هناك علامات موثوقة على أزمة مقبلة، ستحدث هذه الأزمة فوراً، حيث ستقلص الجهات الفاعلة في السوق خططها وفقاً لذلك، استعداداً للأوقات العصيبة المقبلة. وبهذا المعنى، لا توجد فرصة كبيرة لتجربة التكهنات.

ذلك لا يعني إخفاق أي نظرية اقتصادية بعينها، بل إن علم الاقتصاد ككل قد أدرك أن التوقعات أمر بالغ الأهمية، وأن الدورات الاقتصادية في جوهرها يصعُب التكهن بها.

هل يحدث ركود أم هبوط سلس؟

أمر آخر لا نعلمه، نحن الاقتصاديون، دوماً: أي نظرية ستطبق في أي وقت. فكر في التجربة الحديثة مع ما أُطلق عليه "تراجع خالص لمعدل التضخم" (Immaculate disinflation).

يتوقع بعض الاقتصاديين، الذين يستخدمون نماذج الطلب الكلي، أن انخفاض معدلات التضخم من 9% إلى ما بين 2% إلى 4% سيسبب ركوداً. ورغم أن هذا الركود قد يحدث فعلاً، لا يوجد دليل على وقوعه حتى الآن.

بعد أكثر من عقد.. "إس آند بي" تعيد تصنيف اليونان للدرجة الاستثمارية

مجموعة أخرى-أقل عدداً- من الاقتصاديين تشير إلى أن الجهود الرامية لخفض معدل التضخم قد تنجح فقط إذا كانت موثوقة بشكل حقيقي. فإذا توقع المتعاملون في السوق أن البنك المركزي "سيجتاز الأزمة"، سيرفعون الأسعار بمعدل أقل، ولن يسرحوا عدداً كبيراً من الموظفين. ستتراجع معدلات التضخم، وسيحقق الاقتصاد "الهبوط السلس" الشهير. لكن وجهة نظر "التوقعات المنطقية" هذه لاقت استياءً، لكنها لم تُدحض أبداً، مسجلة نقطة لصالحها.

الإشارة إلى أن الاقتصاديين لا يمكنهم الاتفاق على أن نموذجاً ما ستثبت صحته -ويمكن القول إنهم لا يعلمون- أحد أوجه النقد المقبول تماماً لعلم الاقتصاد. مع ذلك، ما يزال لدينا إطار لتحليل هذه المعضلة: ما إذا كان التراجع في معدل التضخم حقيقياً أم لا. ربما يكون التاريخ الحقيقي وحده، بعد أن تتضح النتائج، قادراً على الإجابة عن هذا السؤال.

بماذا يفيدنا الاقتصاد الكلي؟

بشكل أعم، يساعدنا الاقتصاد الكلي على طرح أسئلة أفضل، والتمكن من فهم النتائج بشكل أفضل عند حدوثها. لكنه لا يحسم مسألة عدم القدرة على التوقع التي تعد سمة أساسية للتاريخ البشري.

أسهم الصين تمحو مكاسب إعادة الفتح مع استمرار الأزمات العقارية

هذا منظور أفضل وأعمق من وجهات النظر التي تستبعد علم الاقتصاد والاقتصاد الكلي تماماً. في بعض الأحيان، أقول إن أفضل طريقة لتقدير الاقتصاد الكلي هي التحدث مع شخص لا يعرف عنه شيئاً.

هناك حالة أخرى يُستشهد بها دليلاً ضد الاقتصاديين، الركود الكبير في عامي 2007 و2008. ارتكب الاقتصاديون بعض الأخطاء حينها، لكنها لا تشبه ما تسمعه عادةً.

هل أخطأ الاقتصاديون في الركود الكبير؟

عندما بدأت أسعار العقارات تتراجع، ثم تتدهور، اعترف بعض الاقتصاديين بوجود فقاعة عقارية. وسرعان ما تطورت النظرية بأن انهيار السوق جاء نتيجة لانفجار الفقاعة العقارية، تلاها هبوط حاد في الطلب الكلي، حدث بعدها انخفاض في التوظيف والإنتاج.

الجزء الأخير من التفسير صحيح. بالنظر إلى الوراء، لم يتضح ما إذا كانت أسعار المنازل في 2006 و2007 مثلت فقاعة. بمقاييس اليوم، كانت تلك الأسعار بعيدة النظر، وإن كانت سابقة لأوانها بقدر ضئيل. أدركت السوق فجأة أن كثيراً من الأصول العقارية قيمتها سترتفع، ويبدو أن التطور الحديث في تقييم العقارات يؤكد ذلك التقدير.

مبيعات المنازل القائمة في أميركا عند أدنى مستوياتها منذ 2010

مع ذلك، في 2009 وبعد كثير من عمليات الحجز العقاري وظهور البنوك المتعثرة، لم تكن السوق جاهزة لتقبل أن أسعار العقارات المرتفعة كانت مبررة. كانت السوق متشككة بشكل أكثر من اللازم، بينما كان عليها أن تكون أقل ذعراً. أساء العديد من الاقتصاديين والمثقفين فهم ذلك أيضاً. كل ذلك فاقم الذعر الناجم، فكان الحديث في غاية التشاؤم حيال تقييمات العقارات. عوضاً عن ذلك، كانت المشكلة الحقيقية أن السوق فقدت ثقتها في مجموعة من الأسعار المرتفعة للوحدات العقارية التي ثبتت صحتها بشكل كبير منذ ذلك الحين. ربما ليس في لاس فيغاس أو أورلاندو، لكن في البلد كلها، ويقع معظمها على السواحل.

كان يجب على الاقتصاديين ألا يسارعوا بتحديد ما يشكل فقاعة أم لا. قد يبدو تفسير الفقاعة العقارية صحيحاً في المدى القصير، لكن الاقتصاديين كان يجب أن يكونوا أكثر تواضعاً حيال قدرتهم على التشكيك في السوق وانتقادها. النبأ السار هو أن بإمكاننا الاستفادة من تحليل ما حدث قبل فوات الأوان. ارتكب صُناع السياسة والمتعاملون في السوق سلسلة من الأخطاء المتشابكة فيما يخص السياسة النقدية، ومنظومة بنوك الظل، والذعر من العقارات.

لذا؛ تشكك في محللي الاقتصاد الكلي كما شئت، فهم كمعظم البشر، يخطئون في الأغلب. لكن عليك أيضاً أن تعترف بأننا ما نزال قادرين على تقديم إسهامات نافعة في فهمك للعالم.