الأسهم الأميركية تقفز رهاناً على نهاية تشديد السياسة النقدية

وول ستريت لم تقتنع بلهجة جيروم باول المتشددة.. و"إس آند بي 500" يقفز 1%

رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استقبل المستثمرون الذين كانوا يتأهبون لـ"وقفة متشددة عن رفع الفائدة" تصريحات جيروم باول يوم الأربعاء بشكل مختلف تماماً عما قاله رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أملاً في انتهاء دورة رفع أسعار الفائدة. وكانت النتيجة هي حدوث ارتفاعات كبيرة في كل من الأسهم والسندات.

حصلت الأسهم الأميركية على جرعة من التشجيع بعد أن أشار باول إلى أن دورة التشديد النقدي الحالية قد قطعت شوطاً طويلاً في مسيرتها، وأشار إلى أن الاحتياطي الفيدرالي "يتحرك بحذر". ليرتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بأكثر من 1%، وانخفضت أسعار الفائدة على سندات الخزانة لأجل 10 أعوام بمقدار 20 نقطة أساس إلى 4.73%، ذلك الصعود الذي حفزته في البداية خطط وزارة الخزانة لإبطاء وتيرة زيادة مبيعاتها للديون طويلة الأجل. تُظهر مقايضة الفائدة لشهر يناير معدل ذروة عند 5.41%، أي زيادات إضافية بما يعادل ثماني نقاط أساس فقط.

باول: لا خفض للفائدة الآن.. وصراع الشرق الأوسط يحمل مخاطر

قال إدوارد مويا، كبير محللي السوق للأميركتين في "واندا" (Oanda): "حاول الاحتياطي الفيدرالي إرسال رسالة متشددة، لكن وول ستريت لا تعتقد أنه سيحدث المزيد من التشديد في هذه الدورة.. حاول باول التحدث بلهجة متشددة، لكنه لم يكن مُقنعاً بما فيه الكفاية".

صعود عوائد السندات أنجز مهمة "الفيدرالي"

استفادت السوق أيضاً من إشارة الاحتياطي الفيدرالي إلى أن ارتفاع عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل يقلل من الدافع لرفع أسعار الفائدة مرة أخرى. والتصوّر هنا هو أن الزيادة الهائلة في أسعار الفائدة طويلة الأجل قد أنجزت بشكل فعّال بعض العمل الذي كان يسعى الاحتياطي الفيدرالي لإنجازه في سعيه لتشديد الأوضاع المالية وإعادة التضخم إلى هدف 2%.

قالت كالي كوكس من "إي تورو" (eToro): "لم يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة اليوم لأن سوق السندات زادتها له.. يجب أن يكون هذا بمثابة مصدر ارتياح للمستثمرين.. فالاحتياطي الفيدرالي يهتم بالصورة الكبيرة، وهو يعلم أن زيادة التشديد النقدي في ظل الظروف الصعبة إلى حد كبير يمكن أن يضر بالاقتصاد".

محمد العريان: ماذا يعني تقلب سندات الخزانة الأميركية للاقتصاد؟

أبقت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للبنك المركزي الأميركي، والتي تضع السياسات النقدية، أسعار الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ 22 عاماً للمرة الثانية على التوالي يوم الأربعاء. وقالت في بيان بعد الاجتماع إن "تشديد الشروط المالية والائتمانية للأسر والشركات من المرجح أن يؤثر على النشاط الاقتصادي والتوظيف والتضخم"، كما أضافت كلمة "مالية" إلى الجملة التي كانت تشير في السابق إلى "شروط الائتمان" فقط.

قال مات بوش، محلل الاقتصاد الأميركي لدى "غوجنهايم بارتنرز لإدارة الاستثمارات" (Guggenheim Partners Investment Management): "ألمح البيان إلى ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل من خلال إضافة أن الظروف المالية من المرجح أن تؤثر على النشاط الاقتصادي.. حاول باول التقليل من أهمية ذلك بالقول إن التغييرات يجب أن تكون مستمرة حتى تكون مهمة، ولكن يبدو أن ارتفاع عوائد السندات قد فاجأ الاحتياطي الفيدرالي، وقد رأينا انعكاس ذلك حتى على مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي المتشددين الذين تحولوا للإدلاء بتصريحات أقل تشدداً خلال الأسابيع القليلة الماضية".

على الجانب الآخر، ترى تيفاني وايلدنغ، الخبيرة الاقتصادية لدى "باسيفيك انفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management) أن البنك المركزي يعمل على موازنة البيانات الاقتصادية القوية التي صدرت في الأشهر الأخيرة، مع الظروف المالية الأكثر صرامة، وقالت: "استناداً إلى اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في نوفمبر، يبدو أن الظروف المالية الأكثر تشدداً هي التي تصب في صالح مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الحالي".

خفض أسعار الفائدة

بينما قال باول إن مسؤولي السياسة النقدية لا يناقشون حالياً خفض أسعار الفائدة، يرى بريستون كالدويل من "مورننغ ستار" (Morningstar) أن لهجة الاحتياطي الفيدرالي يبدو أنها تتجه نحو موقف أقل تشدداً، مما يفتح الباب أمام التيسير الحتمي في العام المقبل.

أسعار الفائدة في ارتفاع.. لكن الاحتياطي الفيدرالي ليس السبب

كتب استراتيجيو "تي دي سكيورتز" (TD Securities) بما في ذلك أوسكار مونوز وجينادي غولدبرغ: "النتيجة الرئيسية من اجتماع الأربعاء هي رسالة الاحتياطي الفيدرالي المتمثلة في (المضي قدماً بحذر) في تحديد خطوات السياسة النقدية التالية وسط بيئة من عدم اليقين المتزايد". وأضافوا: "ما زلنا نتوقع أن تبقي اللجنة سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي دون تغيير عند المستويات الحالية على الرغم من تحيزها المتشدد قليلاً".

في غضون ذلك، قالت وزارة الخزانة إنها ستبيع ما قيمته 112 مليار دولار من الأوراق المالية طويلة الأجل في مزادات الاسترداد الفصلية الأسبوع المقبل، والتي تشمل سندات لأجل 3 أعوام و10 أعوام و30 عاماً. مقابل توقعات العديد من كبار المتداولين ببلوغها 114 مليار دولار. رفضت الوزيرة جانيت يلين فكرة أن زيادة الاقتراض الحكومي تسببت في الارتفاع الأخير في عائدات السندات، لكن العديد من المشاركين في السوق أشاروا إلى مخاوف مالية.

قال بن جيفري، استراتيجي أسعار الفائدة الأميركية لدى "بي إم أو كابيتال" (BMO Capital): "رؤيتنا من المعلومات الجديدة هي أن إعادة تقديم علاوة الأجل على الأوراق ذات الآجال الطويلة كانت كافية لتتوقف يلين عن كونها متشددة للغاية حيال زيادة الإصدارات طويلة الأجل.. وبينما قالت وزارة الخزانة إنها تتوقع عقد مزادات أكبر حجماً خلال ربع آخر، فإننا نشك في أن المخاطر تميل نحو نهج مدروس أكثر في المستقبل".

عوامل فنية إيجابية

على صعيد التحليل الفني، من المؤكد أن حالة التشبع البيعي تجعل الأسهم عرضة لتسجيل ارتفاعات مرحلية مثل تلك التي أعقبت قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، ولكن من المرجح أن تكون حدة الصعود مرتبطة بالسياسة النقدية -خاصة بعد التشديد القوي للغاية في الظروف المالية في الأسابيع الستة الماضية- والتي رفعت مؤشر "غولدمان ساكس للظروف المالية الأميركية" إلى أعلى مستوياته خلال عام.

قال اقتصاديو "غولدمان ساكس" بقيادة جان هاتزيوس: "نرى أن تأثير التشديد الأخير على الاقتصاد يعادل أربع زيادات للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.. ارتفاع أسعار الفائدة كان مدفوعاً بإعادة تقييم المعدل المحايد وزيادة في علاوة الأجل، ولهذا السبب يبدو من غير المرجح أن ينعكس في أي وقت قريب".

من جهتهم، استفاد متداولو الأسهم أيضاً من عوامل موسمية صعودية مع الدخول في شهر نوفمبر. في حين أن شهر أكتوبر هو عادة أكثر الشهور تقلباً في السوق ومعروفاً بالانهيارات مثل أعوام 1929، و1987، و2008، إلا أن شهر نوفمبر كان بشكل اعتيادي ثاني أقوى شهر للأسهم بعد أبريل.

يُعد شهر نوفمبر بمثابة بداية "أفضل ستة أشهر" من العام لمؤشر "إس آند بي 500"، ويرجع ذلك عادةً إلى أن شراء الأسهم من قبل الشركات وخطط التقاعد يميل إلى الارتفاع بدءاً من الأول من نوفمبر، وفقاً لمتداولي الأسهم. عادةً ما يكون الموعد النهائي لحصاد الخسائر الضريبية لصناديق الاستثمار هو 31 أكتوبر، مقارنة بنهاية العام بالنسبة لدافعي الضرائب الأفراد.

في هذه الأثناء، يقترب مؤشر "بنك أوف أميركا كورب" -الذي يقيس توصيات الاستراتيجيين للتخصيص النسبي للأصول- من الإشارة إلى "شراء" الأسهم.

"غولدمان ساكس" يحذر من تركيز الاستثمار في الأسهم الأميركية

قال مارك هاكيت، رئيس أبحاث الاستثمار لدى "نيشن وايد": "المعنويات والتمركز عند مستويات قصوى، في حين أن الظروف المالية عند أدنى مستوى لها منذ عام.. هناك أوجه تشابه مع التشاؤم الشديد الذي شهدناه منذ عام مضى والذي أدى إلى ارتفاع الأسهم 20%، على الرغم من أنه يجب أن تظل العوامل الأساسية صحية لدعم مثل هذه الخطوة".

الأميركيتان