الدوري الإنجليزي يراهن بأكثر من 5 مليارات دولار على نظرية الألعاب

يسعى الدوري الإنجليزي الممتاز لبيع حقوق بث المباريات بأعلى سعر ممكن

مدرب فريق "مانشستر سيتي" بيب غوارديولا يحمل كأس الدوري الإنجليزي الممتاز
مدرب فريق "مانشستر سيتي" بيب غوارديولا يحمل كأس الدوري الإنجليزي الممتاز المصدر: غيتي إيمجز
Matthew Brooker
Matthew Brooker

Matthew Brooker is an editor with Bloomberg Opinion. He previously was a columnist, editor and bureau chief for Bloomberg News. Before joining Bloomberg, he worked for the South China Morning Post. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يضفي التنافس جواً حماسياً على كافة المباريات الرياضية، إلا أن ذلك غاب عن دوري كرة القدم الأغلى في العالم خلال السنوات الماضية، بعد فوز فريق "مانشستر سيتي" المموَّل من أبوظبي ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز لثلاث سنوات متتالية، وتصدّره الترتيب حالياً بعد مرور نحو ثلث الموسم. ربما من الأجدى إذاً أن يحوّل الباحثون عن التشويق أنظارهم نحو المنافسة المالية الجارية حول الجهة التي ستفوز بحقوق بث المباريات على الشاشة.

فقد دعا الدوري الإنجليزي الممتاز لتقديم عروض من أجل شراء حقوق بث المباريات في المملكة المتحدة في أول بيع لحقوق البث منذ عام 2018. ويُعد المزاد الذي يقيمه الدوري من أغلى مزادات حقوق البث التلفزيوني الرياضية، حيث تبلغ قيمة العقد الحالي نحو 4.6 مليار جنيه إسترليني (5.7 مليار دولار) للمباريات المباشرة وحدها، ويأتي في المرتبة الثانية بعد دوري كرة القدم الوطني الأميركي، محتسباً على أساس كل منزل، وفق شركة "إس أند بي غلوبال ماركت إنتلجنس" (S&P Global Market Intelligence). وستشكل مبيعات حقوق البث الإنجليزية اختباراً لتبيان مدى استعداد شركات البث للإنفاق في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فيما تقدّم أيضاً درساً حول أهمية طريقة تصميم المزادات.

مزاد يشجع على المنافسة

هناك الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للتكتل الإعلامي "كومسكات" (Comcast) المالك لمجموعة "سكاي" المهيمنة على بث مباريات كرة القدم البريطانية، وأيضاً بالنسبة لـ"وارنر براذرز ديسكوفري" و"بي تي غروب" اللتين تمتلكان ثاني أكبر حزمة حقوق بث مباشر من خلال شراكتهما "تي إن تي سبورت" (TNT Sports) ولخدمة البث الرياضية "دازن" (DAZN) المدعومة من الملياردير لين بلافاتنيك والتي تسعى لتوسيع حضورها في كرة القدم الأوروبية.

قد يكون لذلك تبعات أيضاً بالنسبة لمالكي فرق كرة القدم مثل عائلة غلايزر التي سعت إلى تقييم فريق "مانشستر يونايتد" بأكثر من 5 مليارات دولار وشركة "كليرلايك كابيتال" (Clearlake Capital) والمستثمر الأميركي تود بويلي اللذين اشتريا فريق "تشيلسي" مقابل 2.5 مليار جنيه إسترليني في العام الماضي.

إلى ذلك، يبدو أن الدوري الإنجليزي الممتاز صمّم المزاد بطريقة تزيد من احتمالات حصول منافسة شديدة. فقد قلّص عدد الحزم المعروضة من سبعة إلى خمسة، فيما رفع إجمالي عدد المباريات المتوفرة للبث المباشر من 200 إلى 270. أمّا مدة الاتفاق فهي أربع سنوات، ابتداءً من موسم 2026/2025 بعد أن كانت ثلاث سنوات في السابق. وبموجب قوانين مكافحة الاحتكار، لا يحق لمشارك واحد شراء أكثر من أربع حزم.

من شبه المؤكد أن تحافظ "سكاي" التي اشترتها "كومسكات" مقابل 39 مليار جنيه إسترليني في عام 2018 على الحصة الأكبر من السوق. إلا أن هيكلية المزاد تضعها أمام مأزق محتمل. إذ تمتلك "سكاي" أربعاً من أصل الحزم السبع ضمن الصفقة الحالية، ما يمنحها الحق ببث 128 من أصل 200 مباراة، أو 64% من إجمالي المباريات. وفي حال تمكنت من شراء ثلاث من أصل الحزم الخمس المعروضة بموجب المزاد المقبل، فستتمكن من الحفاظ على قبضتها على البث كما هي اليوم (تضم كل حزمة بين 42 و65 مباراة في الموسم، على الرغم من أن الدوري لم يكشف بعد عن توزيع هذه المباريات). ولكن المشكلة أن كلاً من أوقات البث الحالية الأربعة الأساسية لـ"سكاي" وُضعت ضمن حزمة مختلفة.

نظرية الألعاب

بالتالي، يجبر المزاد "سكاي" على رفع قيمة عرضها أو فقدان إحدى فترات البث، والمخاطرة في الظهور وكأنها تتخلى عن التزامها تجاه هذه اللعبة الجميلة، وهو أمر ستتردد الشركة في القيام به على الأرجح. فـ"سكاي" التي أسسها روبرت مردوخ تبث مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز منذ انطلاقته عام 1992، ولا تزال مباريات كرة القدم المباشرة أحد العناصر الأساسية في برمجتها. وكانت قد أشارت تقارير إعلامية بريطانية إلى أن "سكاي" تعتزم فعلاً تقديم عروض للفوز بالحزم الأربع.

تتبقى بذلك حزمة واحدة ستتنافس عليها شركتان "تي إن تي سبورت" و"دازن"، بمعنى آخر سيكون هناك مزاد تنافسي، فيما تُستبعد مشاركة المنافسين المحتملين الآخرين مثل شركة "أبل" و"يوتيوب" التابع لـ"ألفابيت" و"أمازون" (التي تملك حالياً حزمة حقوق بث واحدة). ففي حال دخلت "تي إن تي سبورت" و"دازن" المزاد كما هو متوقع، فهذا أكثر من كاف، أما المشاركون الآخرون فسيكونون لمجرد الزينة بالنسبة للدوري الإنجليزي الممتاز.

"أبل" تدرس تقديم عرض لشراء حقوق بث كرة القدم الإنجليزية

تصميم المزاد أمر أساسي للنجاح، إذ تخضع الآليات التي يستند إليها إلى العديد من الدراسات الأكاديمية المستوحاة من نظرية الألعاب وغيرها من العمليات الحسابية المعقدة. ومن الأمثلة البارزة عن تأثير التصميم، المزاد الذي أقامته بريطانيا لترسية تراخيص تشغيل شبكات الهاتف النقال من الجيل الثالث عام 2000 الذي حقق 22.5 مليار دولار، محطماً التقديرات الأولية من خمس إلى 10 مرات. ولكن لاحقاً، العديد من مزادات ترخيص شبكات الجيل الثالث في أوروبا التي استخدمت تصاميم أخرى، أخفقت في تحقيق المبالغ المتوقعة.

لم يكشف الدوري الإنجليزي الممتاز عن كامل التفاصيل المتعلقة بآلية تقديم العروض، ولكن انطلاقاً ممّا هو معروف، فإن المنافسة ستكون المتغير الأبرز. وفي حديث معي، قال بول كليمبيرير، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكسفورد الذي أسهم بشكل أساسي في تصميم مزاد الجيل الثالث في بريطانيا، إن المخاطر التي قد تعترض ذلك تتضمن أن تقرر "سكاي" مثلاً أن تقدم عروضاً للفوز بثلاث حزم فقط من أجل إغلاق المزاد على أسعار منخفضة.

بريطانيا تنشئ جهة تنظيمية لحماية أندية كرة القدم من الانهيار

تغير ديناميكيات المنافسة

لا يمكن استبعاد مثل هذا الاحتمال، فديناميكيات المنافسة تغيرت كثيراً منذ عام 2015 حين ارتفعت قيمة حقوق البث المباشر بنسبة 70% لتتجاوز الـ5 مليارات جنيه إسترليني. في حينها، كانت "بي تي سبورت" التي كان عمرها سنتين تتنافس مع "سكاي" على المشتركين. وقد أبرمت بعد ذلك "بي تي" اتفاق تشارك محتوى مع منافستها، ودمجت خدمتها الرياضية ضمن شراكة مع "وارنر براذرز". في غضون ذلك، ارتفعت تكلفة الاقتراض من مستويات متدنية جداً عام 2015، فيما تضغط تكلفة المعيشة على كاهل المشتركين الذين قد لا يكونون مستعدين لدفع رسوم أعلى. كما أن الأجواء تبدو قاتمة أكثر بعد أن جاءت نتائج مزادات حقوق البث للدوريين الفرنسي والإيطالي دون التوقعات.

تدفقت أموال طائلة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز خلال العقد الماضي في ظل التوقعات بتحقيق إيرادات عالية، مدفوعة جزئياً بنتيجة المزاد عام 2015. عادت وانخفضت قيمة الصفقة في عام 2018، وعمد الدوري إلى تجديد العقد عام 2021 بدل إقامة مزاد في خضم الوباء، فيما يأمل المستثمرون أن يكون الدوري اتخذ القرار المناسب هذه المرة. ولكن على الجانب الإيجابي، إذا ما كان هناك أمر يبرع فيه المشرفون على الرياضة، فهو نظرية الألعاب.