كيف نحل مخاطر تبادل العملات بعد 50 عاماً من المحاولة؟

التقنيات المتطورة قد تقدم الحل لتحييد تهديدات فشل التسوية التي تواجهها المؤسسات المالية يومياً

الحل لتهديدات فشل تسوية معاملات العملات الأجنبية قد يكون تقنياً
الحل لتهديدات فشل تسوية معاملات العملات الأجنبية قد يكون تقنياً المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حان الوقت لحل مشكلة في أسواق صرف العملات الأجنبية تطال 2.2 تريليون دولار عبر طي صفحة "بانكهاوس هيرستات" (Bankhaus Herstatt) بعد نصف قرن من انهيار ذلك المصرف الألماني.

داهم مسؤلو التصفية في كولونيا مقر البنك متوسط الحجم في 26 يونيو 1974، قبل بدء ساعات العمل في سوق المال في نيويورك، وأغلقوه قبل أن يتمكن من إرسال مبالغ بالدولار لتسوية جميع عمليات تداول العملات التي كان قد حصّل مبالغها بالمارك الألماني. الفوضى التي تلت ذلك الحادث على ضفتي الأطلسي أدت إلى تأسيس "لجنة بازل للرقابة المصرفية". مع ذلك، ما تزال مخاطر التسوية أو ما يعرف بمخاطر "هيرستات"، قائمة لأن مستحقات أحد الأطراف قد تبقى معلقة بعد أن يفي بالتزاماته.

مثلاً، أرسل بنك "باركليز" 130 مليون دولار إلى شركة صرف العملات الأجنبية التابعة لقطب الأعمال الهندي بافاغوثو راغورام شيتي في الإمارات العربية المتحدة في 2020؛ لكن الأموال لم تصل أبداً إلى متلقيها.

فيما يُعتبر ذلك حادثةً بسيطةً، فإن احتمال وقوع حوادث أكبر ما يزال قائماً، إذ يتهدد فشل التسوية في أي لحظة ما يقرب من ثلث إجمالي قيمة التداول من النقد الأجنبي القابلة للتسليم، وقدرها 7 تريليونات دولار. تكمن غالبية مخاطر التسوية في الأسواق الناشئة، التي تشكل عملاتها أحد طرفي عملية التداول مقابل الدولار أو اليورو أو الين أو الجنيه الإسترليني. تتمتع 18 عملة فقط بحماية نظام "دفعة مقابل دفعة" الذي تقدمه مجموعة "سي إل إس" (CLS Group)، وهي جزء مهم من البنية التحتية للسوق وتملكها أكبر مصارف العالم.

عملات الأسواق الناشئة ترتفع بعد عام صعب ووسط ضعف الدولار

منصة "بارتيور"

حالياً، تتبلور مبادرة مشتركة أخرى لمجابهة هذا التحدي، حيث تتصدى "بارتيور" (Partior)، وهي كلمة لاتينية تعني "التوزيع والمشاركة"، لمخاطر "هيرستات" باستخدام تقنية دفتر حسابات مشترك. تعمل المنصة على مدار الساعة طوال الأسبوع لتسهيل توفير السيولة عبر جعل عمليات التداول فورية؛ فإما تتزامن تسوية كلا طرفي المعاملة، أو تعلّق على كلا الطرفين. يقلل ذلك من مخاطر الأطراف المقابلة، خاصة في حالات تداول اليوان الصيني خارج البلاد، والروبية الهندية والروبية الإندونيسية، وغيرها من عملات الأسواق الناشئة الأخرى.

كانت عدة أطراف قد تشاركت تأسيس منصة "بارتيور" في 2021، ومنها بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" ومجموعة "دي بي إس " (DBS Group) وشركة الاستثمار الحكومية السنغافورية "تماسيك هولدينغز" (Temasek Holdings). كما اجتذبت المنصة العام الماضي مصرف "ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered) كعضو مؤسس رابع وأول بنك تسوية باليورو فيها.

لكن هدف المشروع لا يقتصر على الحد من مخاطر التسوية، حيث تتيح العقود الذكية أو أكواد الحاسب ذاتية التنفيذ، خاصية البرمجة، ما يمكن المؤسسات من طرح آليات تداول جديدة مثل مقايضات العملات الأجنبية خلال اليوم. شرحت لي ستيلا ليم، مديرة العمليات الرئيسية في "بارتيور" وهي تقيم في سنغافورة، أنه يمكن للبنوك عقد "مقايضات العملات الأجنبية خلال اليوم بما يتيح لهم سيولةً لساعات أو حتى لدقائق" بدلاً من الاحتفاظ باحتياطيات نقدية لتسوية المدفوعات المتوقعة في وقت لاحق من اليوم، ويساعدهم ذلك على توفير تكلفة هوامش السيولة.

مفترق طرق

خلصت مجموعة من 25 بنكاً كبيراً أخيراً إلى أن سوق صرف العملات الأجنبية بالجملة أمام مفترق طرق في ظل" إتاحة مزيد من الخيارات حالياً حول كيفية التنفيذ وموعد تسوية معاملات العملات الأجنبية أمام المشاركين". غير أن إتمام التسوية الموقوتة استناداً إلى البنية المالية التحتية الحالية محفوفٌ بالمخاطر.

سيكون للبنوك المركزية والبنوك المراسلة في البلدان الأخرى ساعات عمل مختلفة. كما قد تعيق القيود المفروضة على العملة في بعض الأسواق المحلية تنفيذ العمليات آنياً. كما تحتاج البنوك إلى إخضاع المدفوعات الكبيرة لضوابط داخلية إضافية. لذلك، يظل السؤال حول ما إذا كان بمقدور البنوك تطبيق تلك الضوابط وإجراء عمليات الفحص المنتظمة لمكافحة غسل الأموال في الوقت المناسب دون إجابة.

ربما حان الوقت لابتكار نظام جديد لإنجاز التسويات بدلاً من محاولة تسريع النظام القائم. غالباً ما تكون تكلفة المعاملات الدولية هي أبرز ما يزعج عملاء المصارف من الأفراد، فيما تشكل السرعة المعاناة الأكبر للشركات. أما مديرو الأصول فيؤرقهم بشكل أساسي فشل الصفقات، إذ أن الجهات الناظمة ستخفض زمن تسوية تداول الأوراق المالية الأميركية إلى النصف لتصبح يوماً واحداً بدءاً من شهر مايو.

لا يريد أحد الانتظار لفترة طويلة حتى تنتقل الأموال إلى بلد آخر بعدما باتت المدفوعات عبر الهواتف الذكية تتم في نفس اللحظة داخل الحدود الوطنية. أدت تجربة الأفراد مع المدفوعات المحلية السريعة إلى جعل توقعات الشركات أقرب لتوقعات المستهلكين، لكن ذلك يتعلق بأوضاع أعقد حيث يشمل عدة عملات، وفقاً لمجموعة "سيتي غروب" للخدمات المالية.

لماذا يجب أن يخشى "الفيدرالي" على الدولار من اليوان الرقمي؟

حالياً، بدأ يبزغ في جنبات القطاع المالي توافق آراء مفاده: إن كنا سنلبي ما بات العملاء يتوقعونه، فينبغي أن يتوقف نقل الأموال عبر الرسائل. يعتبر الإجماع أن توجيه المؤسسات للسحب والإيداع في الحسابات، ثم مطابقة هذه التغييرات في دفاتر حسابات متعددة للتأكد من عدم الإجحاف بحق أي طرف أمر غير ضروري على الإطلاق في القرن الحادي والعشرين. لذلك، ستتمحور المبادرات الحديثة حول فكرة دفتر حسابات موحد، وهو ما يروج له بنك التسويات الدولية باعتباره تحولاً كاملاً في "طريقة تفكيرنا بشأن الأموال".

دور التقنية

تخيل أن دفتر الحسابات الموحد يشبه لوحة نتائج عملاقة، إذ يتتبع التغييرات التي تحدث لدى تبادل المؤسسات المالية لرموز رقمية وفقاً لمنهج مبرمج مسبقاً. ستمثل بعض هذه الرموز الأوراق المالية، والبعض الآخر سيمثل ايداعات مصرفية. أما النوع الثالث فسيشمل العملات الرقمية للبنك المركزي المحلي أو من بلدان أخرى.

لن يغادر أي رمز مميز محفظةً مالم يأتِ ثمنه من محفظة أخرى. من جانبهم، سيراقب المشاركون المعاملة، ليس عن طريق إرسال الرسائل، بل من خلال متابعة لوحة النتائج. تقول "بارتيور" إن دفتر الحسابات الموحد سيسجل تبادل القيمة باعتباره "مصدراً عالمياً للحقيقة في الوقت الفعلي".

لم نصل إلى تلك المرحلة بعد لسببين، الأول هو عدم جاهزية العملات الرقمية للبنوك المركزية، فيما أن ثانيهما يتعلق بحاجة البنية القانونية والتنظيمية إلى تحديث هائل. سيكون دفتر الحسابات الموحد مؤسسياً محضاً وآمناً جداً، مع ذلك قد ينطوي على تحديات تقنية مشابهة لتلك التي يواجهها قطاع التمويل التقليدي القائم على الحسابات وكذك تداول العملات المشفرة على شبكة "بلوكتشين"عامة.

على سبيل المثال، يجب أن تخضع جميع العقود الذكية لتدقيق صارم للتأكد من كمالها. فلن يغير اختراق عقدة واحدة، على غرار ما حدث في هجوم الفدية الأخير الذي تعرض له "البنك الصناعي والتجاري الصيني"، الحقيقة المسجلة في دفتر الحسابات الموحد. لكن الاستخفاف بالبراعة الإجرامية لا يفيد.

كما لن يفيد إهمال مستصغر العثرات، فلم يتوقع أحد أن انهيار مصرف ألماني صغير في يونيو 1974 نتيجة لمغامراته الفاشلة في سوق العملة قد يخيف أعضاء شركة المقاصة "نيويورك كليرنغ هاوس" إلى حد أن يصروا على سحب المدفوعات التي سمحوا بها في يوم العمل السابق، ليغضبوا بذلك المصرفيين في لندن.

عادت الثقة في نهاية المطاف، رغم أن تلك الحادثة ما تزال حاضرة في أذهان المصرفيين كقصة تحذيرية. وما يزال أمام عالم المال والمصارف خطوات قليلة قبل أن يتمكن من طي صفحة "هيرستات" إلى الأبد. لكن لحسن الحظ، لن يستغرق ذلك 50 عاماً أخرى.