جميس ستافريديس: تهديدات فنزويلا لغيانا تتبع نهج بوتين في أوكرانيا

قلق عارم من وقوع حرب كبيرة في أميركا الجنوبية تزعزع التوازن العالمي

مشاة بالقرب من لوحة جدارية كتب عليها "إيسيكويبو هي فنزويلا" وهي مقاطعة تابعة لغويانا تطالب بها كاراكاس. 3 ديسمبر 2023
مشاة بالقرب من لوحة جدارية كتب عليها "إيسيكويبو هي فنزويلا" وهي مقاطعة تابعة لغويانا تطالب بها كاراكاس. 3 ديسمبر 2023 المصدر: بلومبرغ
James Stavridis
James Stavridis

James Stavridis is a Bloomberg Opinion columnist. He is a retired U.S. Navy admiral and former supreme allied commander of NATO, and dean emeritus of the Fletcher School of Law and Diplomacy at Tufts University. He is also chair of the board of the Rockefeller Foundation and vice chairman of Global Affairs at the Carlyle Group. His latest book is "2034: A Novel of the Next World War."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد لا يعرف الكثير من الأميركيين دولة غيانا الغنية بالنفط في أميركا الجنوبية والتي باتت في مأزق. إذ تجاورها دولة كبيرة وعدوانية، هي فنزويلا التي يديرها زعيم استبدادي يحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا وإيران وكوبا ودول استبدادية أخرى.

في خطوةٍ تذكرنا بغزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، أشرف ديكتاتور فنزويلا -نيكولاس مادورو، سائق حافلة سابق ومساعد للرجل اليساري القوي هوغو تشافيز- على استفتاء في بلاده الأسبوع الماضي. تمحور الاستفتاء حول ضم إيسيكويبو وهي منطقة شاسعة من غيانا مجاورة لفنزويلا، وتمثل ما يقرب من ثلثي أراضي غيانا. تعتبر هذه المنطقة غنية بالموارد مثل النفط والذهب والمياه العذبة والأخشاب -ويبلغ عدد سكانها الصغير نسبياً حوالي 100 ألف نسمة.

فنزويلا تستنفر المشاعر القومية في نزاعها مع غيانا على النفط

تطالب فنزويلا بالمنطقة منذ أكثر من قرن، على الرغم من رفض مطالباتها من قبل المحكمين الدوليين في عام 1899. وبطبيعة الحال، ينظر الغيانيون إلى الاستفتاء باعتباره تهديداً وجودياً. كانت النتيجة الرسمية أمراً محتوماً في فنزويلا القمعية؛ حيث ادعى مادورو "نجاحاً تاماً" ووافق 95% من الناخبين على مقترحاته. لكن تقارير وسائل الإعلام المستقلة أشارت إلى أن مراكز الاقتراع كانت فارغة إلى حد كبير.

"كويت" أخرى

المفارقة المحزنة هي أن غيانا، التي تعتبر بلداً فقيراً جداً تاريخياً، تزدهر. حيث شهدت نمواً اقتصادياً بنسبة 37% في عام 2023 وفقاً للبنك الدولي (ويُتوقع أن يكون أداؤها أفضل خلال العام المقبل) فمواردها الهائلة من النفط والغاز -التي تتجاوز تلك الموجودة في فنزويلا وتقدر بمايزيد على 11 مليار برميل من الاحتياطيات البحرية في الغالب- دخلت أخيراً على خط التطوير.

غيانا تعزز إجراءاتها الأمنية لحماية أراضيها من فنزويلا

نظراً لإجمالي عدد سكانها الذي يقل عن مليون نسمة، يمكن أن تصبح غيانا بمثابة "كويت" أخرى في منطقة البحر الكاريبي. ولا يُستغرب من أن دولة مجاورة كبيرة وعدوانية بلا مبادئ لديها اقتصاد اشتراكي متعثر تتحدث بجدية عن إعادة ترسيم الخرائط، وإغراق إيسيكويبو بالمسّاحين (الجيولوجيين)، والتصرف كما لو أن غيانا لم تعد موجودة -تماماً كما يسعى بوتين إلى عمله في أوكرانيا.

رئيسا فنزويلا وغيانا يجتمعان لمناقشة الخلاف الحدودي

ما هي الآثار المترتبة على هذا الاستيلاء المفترض على الأراضي؟ وما الذي يتعين على الولايات المتحدة والدول الصديقة لها في أميركا الجنوبية والمجتمع الدولي فعله حيال ذلك؟

قلق عارم

عندما كنت قائداً للقيادة الجنوبية للولايات المتحدة -المسؤولة عن العلاقات العسكرية مع كل أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي- زرت كل بلد تقريباً في المنطقة. ولكن ليس فنزويلا، التي كانت آنذاك خاضعة لحكم تشافيز.

خلال الفترة التي قضيتها في جورج تاون، عاصمة غيانا الناطقة باللغة الإنجليزية (مستعمرة بريطانية سابقة)، أدهشني ود الناس، وسحر المدينة الهادئ، والجمال الهائل لجبال البلاد وأنهارها وساحل البحر. كانت لدينا علاقة عسكرية هادئة مع قوات الدفاع الذاتي الصغيرة في غيانا، حيث حاولت زيادة المساعدات الأميركية.

فنزويلا تصعّد مع غيانا وتخطط لمنح تراخيص في المنطقة المتنازع عليها

عبر رئيس البلاد في ذلك الوقت عن قلقه العارم بشأن ثلاثة أمور: الاتجار بالمخدرات، و"هجرة الأدمغة" حيث غادر الشباب الموهوبون في غيانا البلاد بحثاً عن وظائف ذات رواتب أفضل في الدول الغنية، وقبل كل شيء، الطموحات الإقليمية لفنزويلا. على الرغم من أنه لم يكن لدينا معاهدة دفاع رسمية مع غيانا، فقد فعلت كل ما بوسعي لأؤكد لقادتها دعم الولايات المتحدة. ومن حسن حظ أهل غيانا أن الاضطرابات الداخلية في فنزويلا بما في ذلك وفاة تشافيز "البغيض" وصعود معارضة جادة جعلت كاراكاس منغمسة في شؤونها الداخلية.

حشد دعم في الانتخابات

مع تعزيز سلطة مادورو والانتخابات الوطنية القادمة في عام 2024، يبدو أن الرئيس الفنزويلي يستخدم قضية" إيسيكويبو الفنزويلية" شعاراً حاشداً. إنه يرسل موظفين من شركة "بتروليوس دي فنزويلا" (PDVSA) -شركة النفط الوطنية الفنزويلية التي تعاني من الفساد وانعدام الكفاءة- إلى مياه وأراضي غيانا لإجراء المسوحات والتحضير لعمليات استخراج النفط. كان مادورو يروج لخرائط "فنزويلا الكبرى" التي تشمل معظم غيانا، ووقع مرسوماً بإنشاء ما يسمى باللجنة العليا للدفاع عن إيسيكويبو في غيانا.

انتخابات فنزويلا التمهيدية تضع مادورو وبايدن في موقف حرج

من غير الواضح ما إذا كان مادورو جاداً بما يكفي لتعزيز خطته بغزو عسكري واسع النطاق. لكن هذه علامات مقلقة للغاية.

إذا كان الأمر يتعلق بالغزو، فإن القوات المسلحة الفنزويلية تتجاوز بشكل كبير قوات غيانا في حجمها، وتمتلك أحدث المعدات، وقد دربتها كل من روسيا وكوبا. ويُتوقع أن يشارك بعض المستشارين الكوبيين في الغزو.

أميركا تعلق بعض عقوبات النفط والغاز والذهب على فنزويلا

لدى غيانا قوات عسكرية صغيرة (حوالي 4 آلاف جندي فقط بما في ذلك جيش الاحتياط) وميزانية دفاع صغيرة، ولا يوجد مستشارون عسكريون على الأرض. لذا يلجأ الغيانيون إلى أكبر دولتين في الأميركتين -الولايات المتحدة والبرازيل- للحصول على الدعم اللازم.

محادثات وتطمينات

يقول الرئيس عرفان علي إن حكومته تجري محادثات مع واشنطن وبرازيليا وتتلقى تطمينات. وقال إنه تحدث مع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي أخبره أن "البرازيل تقف بقوة مع غيانا"، ونشرت قوات وعربات مدرعة في المنطقة الحدودية لبلده مع غيانا وفنزويلا.

كل ما يحدث الآن هو أحد أصداء غزو بوتين لأوكرانيا قبل عامين: دولة مجاورة أكبر بكثير تراهن على المطالبة بأراض دون أسس قانونية دولية مشروعة، وتستعد للضم، وترسم خرائط جديدة وتطمح في الحصول على موارد طبيعية ضخمة. إنه مثال واضح على نوع التأثير غير المباشر في المجتمع العالمي عندما لا يتم إيقاف الدول التي تقوم بالاستيلاء غير القانوني على الأراضي في وقت مبكر.

كيف هزم مادورو منافسه غويدو وأميركا في أزمة فنزويلا؟

أوضح العالم السياسي روبرت كاغان في كتابه الرائع الصادر عام 2018 عن الجغرافيا السياسية بعنوان "الغابة تنمو مرة أخرى" (The Jungle Grows Back)، أنه كلما تآكلت المعايير الدولية في مكان ما، انتشرت الفوضى بشكل أسرع إقليمياً وحتى عالمياً. وربما تبدأ في أن تشبه ثلاثينيات القرن الماضي، عندما بدأت ألمانيا "النازية" والإمبراطورية اليابانية في الاستيلاء على أجزاء كبيرة بشكل متزايد من الأراضي في أوروبا وآسيا، على التوالي.

دعم الدول لغيانا

تعتبر الولايات المتحدة، بالطبع، أكبر وأقوى دولة في الأميركتين. كما تمتلك البرازيل جيشاً قوياً. وتعرب بريطانيا العظمى، بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، عن دعمها لمستعمرتها السابقة، التي حصلت على استقلالها سلمياً في عام 1966. بدأت الولايات المتحدة طلعات عسكرية في المجال الجوي الغياني كجزء من التعاون العملياتي المستمر مع القيادة الجنوبية الأميركية في ميامي.

مادورو يأمر فريقه الاقتصادي بالدفاع عن البوليفار المتهاوي

كما هو الحال مع أوكرانيا، يتعين على واشنطن استخدام رأس المال الدبلوماسي لحشد المنطقة ضد العدوان. وسيتم ذلك بأقصى قدر من الفعالية بالتعاون الوثيق مع منظمة الدول الأميركية، وهي هيئة التعاون للأميركتين التي تضم 34 دولة. وسيكون من المفيد إصدار بيان رسمي مشترك بين الولايات المتحدة والبرازيل لدعم غيانا.

إن تعزيز القوات العسكرية الأميركية، وربما حتى إرسال سفن حربية إلى موانئ غيانا- حيث يوجد دائماً سفن تابعة للبحرية وخفر السواحل في منطقة البحر الكاريبي- فكرة جيدة. يمكن تنظيم تدريب ميداني سريع لوحدات من جيش الولايات المتحدة الجنوبي (مكون الجيش في القيادة الجنوبية).

تجنب حرب كبيرة

وكما هو الحال دائماً، فإن الأهم هو استباق اندفاعات الديكتاتور. فشل الغرب في إرسال إشارة قوية كافية إلى صدام حسين قبل غزوه للكويت في عام 1990. وغزت صربيا كوسوفو في عام 1998، متجاهلةً منظمة حلف شمال الأطلسي. وبالمثل، استبعد بوتين الغرب في الأيام التي سبقت شنه هجوماً واسع النطاق على أوكرانيا -على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها هذه المرة كانت لديها لحسن الحظ خطة قوية لدعم كييف دبلوماسياً وعسكرياً.

روسيا تحدد 17 مارس موعداً للانتخابات الرئاسة وبوتين يفكر بالترشح

من الواضح أن مادورو يفكر في خياراته، وتواصل القوات العسكرية الفنزويلية التحرك نحو الحدود الغيانية. قد يؤدي اتخاذ إجراء قوي الآن إلى توقف مادورو: تحتاج الدول الصديقة لغيانا، وخاصة الولايات المتحدة والبرازيل، إلى إعداد مجموعة من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية لتجنب وقوع حرب كبيرة في الأميركتين.