مستثمرو "وول ستريت" يتطلعون لأسهم الصين بحذر بعد عام مخيّب

بعد توقعات سابقة بارتفاع يصل إلى 10% في 2023.. هوت أسهم العملاق الآسيوي بنحو 14%

تمثال الثور في منطقة بوند المالية في شنغهاي، الصين، يوم 4 يناير 2022
تمثال الثور في منطقة بوند المالية في شنغهاي، الصين، يوم 4 يناير 2022 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بالنسبة إلى المراهنين في "وول ستريت" على صعود أسهم الصين، يعتبر عام 2023 عاماً صعباً ومخيباً.

في مثل هذا الوقت تقريباً من العام الماضي، كان هناك شبه إجماع لدى بنوك الاستثمار العالمية على التفاؤل بشأن أداء السوق، إلا أن ذلك التفاؤل تحوّل إلى حالة من الإرباك مع انخفاض مؤشر "إم إس سي آس تشاينا" 14%.

توقعات ومخاوف

الآن، تنتعش الآمال مرة أخرى في أن يكون عام 2024 أفضل من سابقه، مع تكثيف صناع السياسات جهودهم لوقف تراجع سوق الإسكان وتوسيع نطاق الدعم التمويلي للاقتصاد ككل. لكن التوقعات هذه المرة أكثر تواضعاً، خشية تكرار ما حدث في العام الجاري.

قال ستيف ريفورد، مدير محفظة في "لازارد أسيت مانجمنت" (Lazard Asset Management): "توقف الزمن 12 شهراً على ما يبدو. لكن الشيء الذي تغير هو تصورات الناس. فقد تحولوا من التفاؤل الشديد إلى التشاؤم الشديد. وكان من الخطأ التفاؤل قبل عام. وأتساءل عما إذا كان التشاؤم الآن خاطئ أيضاً".

الأجانب ينسحبون من الأسهم الصينية للشهر الرابع على التوالي

ما الفارق الذي يمكن أن يحدثه عام واحد؟ في أواخر 2022، توقعت مصارف "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان تشيس آند كو" و"مورغان ستانلي" مكاسب سنوية لا تقل عن 10% لمؤشر "إم إس سي آي"، مع رفع بكين القيود الصارمة المفروضة بسبب "كوفيد". أظهر استطلاع أجراه "بنك أوف أميركا" أن الصناديق كانت تتسابق لزيادة تعرّضها للأسهم الصينية، في ظل التوقعات بانطلاقة قوية مع عودة فتح الاقتصاد.

غير أنه تبيّن أن الواقع صعب بعض الشيء. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسهم الأميركية واليابانية والهندية خلال العام الجاري، خيّم الضعف على الأسهم الصينية مما جعلها السوق الرئيسية الأسوأ أداءً في العالم. ومن المتوقع أن تشهد الأسهم المحلية تدفقات أجنبية قياسية خارجة للشهر الخامس على التوالي في ديسمبر.

تفاؤل في غير محله

التفاؤل الخاطئ الذي أبدته "وول ستريت"، يُرجح أن يكون سببه سوء تقدير حجم الرياح المعاكسة التي تتراوح من الاستهلاك الضعيف إلى مشكلات الإسكان الطويلة، فضلاً عن التوتر الجيوسياسي، والمبالغة في تقدير استعداد السلطات لزيادة الإنفاق المالي في اقتصاد مُثقل بالديون. فضلاً عن ذلك، فإنه يعكس أيضاً صعوبات التعامل في سوق أصبحت فيها عملية صنع السياسات غامضة، ولا يمكن التنبؤ بها على نحو متزايد.

مع تلاشي مسيرة صعود أولية بعد معاودة فتح الاقتصاد، وتبدد الآمال بشأن برنامج تحفيز قوي، بدأ بعض المراهنين على ارتفاع الأسهم الصينية في التكيف مع الواقع الجديد. كان "جيه بي مورغان" من أوائل البنوك الاستثمارية التي غيّرت موقفها، حيث تراجع عن وجهة نظره في منتصف العام تقريباً. وحذا "مورغان ستانلي" حذوه في أغسطس بتخفيض توصيته لأسهم الصين إلى درجة "متساوي الوزن"، بدلاً من "شراء".

صناديق عالمية تخفض حيازاتها من الأسهم الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ 2020

أما "غولدمان ساكس" فانتظر حتى نوفمبر لخفض توصيته للأسهم الصينية المُدرجة في هونغ كونغ إلى "الحياد"، مشيراً إلى نمو متواضع في الأرباح. ولا يزال المصرف يوصي بشراء أسهم البر الرئيسي للصين.

قالت ويندي ليو، كبيرة استراتيجيي الأسهم في آسيا والصين في "جيه بي مورغان: "لقد دعونا إلى المخاطرة في أبريل. للأسف هذه الدعوة لم تحقق المرجو منها. فقد كان قراراً خاطئاً". وأضافت: "منذ مايو 2023، أصبحنا أكثر حذراً إزاء تراجع النمو"، ومع تضاؤل التوقعات بشأن تحفيز قوي.

من جانبه، قال جوناثان غارنر، كبير استراتيجيي الأسهم في آسيا والأسواق الناشئة لدى "مورغان ستانلي"، إن البنك كان "حذراً فعلياً بشأن الصين" في معظم الأوقات منذ أوائل 2021، بينما لم يستجب "غولدمان ساكس" لطلب للتعليق في هذا الصدد.

صناع السياسات والمستهلكون

بالنسبة إلى بعض المتفائلين حيال أسهم الصين، بما في ذلك الخبراء الاستراتيجيون في بنوك غير أميركية، مثل هيرالد فان دير ليند من "إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings)، فإن التباطؤ الاقتصادي في الدولة الآسيوية العملاقة، والأزمة العقارية التي تواجهها، كانا متوقعين تماماً. وقال إن أكثر ما أدهشه هو أن استجابة صنّاع السياسات كانت "بطيئة وحذرة للغاية. كان هذا هو أصعب شيء يمكن التنبؤ به".

يُلقي آخرون باللوم في الأداء السيئ للسوق على غياب "الإنفاق الانتقامي" من قِبَل المستهلكين الصينيين (هو موجة إنفاق مفاجئة يقوم بها المستهلكون دون حاجة حقيقية بعد مرور فترة أُجبروا فيها على الادخار أو تخفيض النفقات).

الصين تكثف دعمها المالي لتعزيز تعافي الاقتصاد

قال راجيف دي ميلو، مدير المحافظ الاستثمارية في الأسواق الكلية العالمية في "غاما أسيت مانجمنت" (GAMA Asset Management)، الذي خفض حيازاته في الصين مع تلاشي موجة الصعود بعد معاودة الفتح: "لقد مروا بتجربة مؤلمة للغاية مع كوفيد. تعرضوا للإغلاق أكثر بكثير من أي مكان آخر. لذلك ربما تكون الأسر أكثر حذراً".

بالتطلع إلى 2024، تظل معظم بنوك وول ستريت متفائلة بشأن الأسهم الصينية حتى مع تخفيف الكثير منها توقعاتها، حيث تتوقع مكاسب دون عشرة بالمئة للمؤشر "إم إس سي آي تشاينا".

ما أشبه اليوم بالبارحة!

من المفارقة أن حجة هذه البنوك مشابهة بشكل ملحوظ فيما يبدو لحجة العام الماضي، وهي أنها تتوقع المزيد من الدعم السياسي وتحسن القوة الدافعة للأرباح، والتقييمات الرخيصة. وليس هناك ما يضمن أنها ستكون محِقة هذه المرة: فبينما كثفت بكين جهودها لتخفيف مشكلات التمويل التي يعاني منها مطورو العقارات الصينيون، لا يزال الانكماش يمثل تهديداً، وقد أشار كبار المسؤولين إلى استمرار التردد في اعتماد حوافز أقوى.

الصين تكثف دعم الاقتصاد عبر إصدار ديون جديدة

سجل مؤشر "إم إس سي آي تشاينا" في نوفمبر أول زيادة له منذ أربعة أشهر وسط تقلبات الأسهم العالمية. وقالت ليو من "جيه بي مورغان" إنها تتوقع أن يستمر "الارتفاع المؤقت" حتى أوائل 2024، مدعوماً بتراجع التوتر الصيني الأميركي، وزيادة نمو الإيرادات.

يتوقع فريق فان دير ليند أن تتفوق الصين في الأداء، وتدفع الأسهم الإقليمية إلى الارتفاع في 2024. وقال: "نحن متمسكون بموقفنا في الوقت الحالي. بدأ الاقتصاد الكلي العالمي يعمل لصالح الصين الآن. وعلى الرغم من أن القرار لم يكن صحيحاً تماماً خلال الأشهر الستة الماضية، فإن الأسباب ذاتها ربما بدأت الآن في الظهور".

بيئة تنظيمية متقلبة

يقول مستثمرون آخرون إن تحليل السوق الصينية من خلال الأساسيات أصبح أقل أهمية من ذي قبل، لأن البيئة التنظيمية أصبحت أكثر تقلباً، وصنع السياسات أقل شفافية، في السنوات القليلة الماضية.

قال جيان شي كورتيسي، مدير الصناديق في "غام إنفستمنت مانجمنت" (GAM Investment Management): "أعتقد أن الكثير من الناس في الغرب توقفوا عن النظر إلى أرباح الشركات بالنسبة إلى تقييم الأسهم الصينية". وأضاف أن السوق "مدفوعة إلى حد بعيد بالتدفقات الجديدة، ومعظم المستثمرين ليس لديهم الوقت أو الجهد لإمعان النظر في الأمر".