الباحثون عن المعلومات المضللة يناورون حول قيود المنصات

شركات التواصل الاجتماعي تتفق على تصعيب وصول أطراف خارجية إلى بياناتها أو رفع تكلفة الحصول عليها

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وجدت شركات التواصل الاجتماعي من إعادة تقييم لكيفية وصول أشخاص من خارجها لبياناتها، أن عليها تصعيب ذلك أو أن ترفع تكلفته. على مدى العام الماضي، بدأت "إكس" ("تويتر" سابقاً) و"ريديت" باتباع خطى قيود فرضتها "ميتا بلاتفورمز" من قبل، ففرضتا رسوماً لقاء حقوق الوصول إلى بيانات كانتا تتيحانها مجاناً.

تتعدد الأسباب التي تشرح الشركات بها ذلك، ومنها رغبتها بتقليص عدد روبوتات الدردشة وخفض تكاليف الخوادم وحماية الخصوصية. لكن هذه التغييرات أثّرت على مهمة أخرى أيضاً، وهي أبحاث تحري التضليل.

بين أشخاص من خمس مجموعات أبحاث تحدثوا شريطة عدم كشف هوياتهم خشية ردود الفعل السلبية من جانب المنصات، أنهم يخالفون قواعد الشركات ليصلوا إلى بيانات يحتاجونها كي يواصلوا عملهم. وقالوا إن التغييرات الأخيرة ستزيد صعوبة محاسبة المنصات والمسيئين. يرغب الباحثون بأن توفر الشركات سبلاً أسهل لبلوغ البيانات أو أن تُحسّن الرقابة على تطبيقاتها. كما أضافوا أن المسألة مهمة بشكل خاص في ظل استعداد عشرات الدول لانتخابات في 2024.

سمحت شركات التواصل الاجتماعي للمطورين من خارجها بالاستفادة من أنظمتها لسنوات عبر أدوات تسمى واجهات برمجة التطبيقات. سمح فتح الباب أمام استخدام واجهات برمجة التطبيقات أيضاً بظهور نظام شامل للباحثين الذين يحللون محتوى التواصل الاجتماعي جملةً.

تشديد المنصات

يمكن أن يُعرّض إتاحة استخدام واجهات برمجة التطبيقات على نطاق واسع الشركات للخطر. لقد توصل الباحثون إلى بعض الاستنتاجات بشأن انتشار سوء الاستخدام والتضليل على الإنترنت، وهي استنتاجات لا تعطي على الدوام صورةً إيجابيةً عن الشركات. كما أن هناك أيضاً احتمال إساءة استخدام البيانات نفسها.

لقد أمضت "ميتا" سنوات في التعامل مع تداعيات الجدل الذي أثارته قضية "كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica)، حين جمعت شركة الاستشارات السياسية معلومات عن ملايين من مستخدمي "فيسبوك"، كانت قد جمعتها لأغراض أكاديمية ظاهرياً، لكنها استخدمتها في الإعلانات الموجهة.

مقاطعة كولومبيا تقاضي زوكربيرغ بشأن اختراق "كامبريدج أناليتكا" للبيانات

في 2018، أوقفت "ميتا" إمكانية استخدام واجهات برمجة التطبيقات، مستندةً إلى مخاوف تتعلق بالخصوصية. وقالت "إكس" و"ريديت" إن الدافع وراء تعديلات نفذتها هذا العام هو أن كيانات تجارية كانت تستخدم واجهات برمجة التطبيقات لديها بطرق أضرّت بأنشطتهما الرئيسية.

قال متحدث باسم "ريديت" إن إمكانية استخدام واجهات برمجة التطبيقات ما تزال متاحة دون مقابل للباحثين غير التجاريين والأكاديميين ممن تقدم واجهات برمجة التطبيقات لديهم أقل من 100 طلب في الدقيقة. لم ترد "ميتا" و"إكس" على طلبات بالتعليق.

تداعيات سياسية

إن تداعيات هذه القرارات قد لا تكون تجارية فحسب. قالت جوزفين لوكيتو، الأستاذ المساعد بكلية الصحافة والإعلام في جامعة تكساس في أوستن: "الخطاب السياسي مهم جداً في أي نظام ديمقراطي، وجانب كبير منه يحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إذا لم نتمكن من إجراء أبحاث على تلك المنصات، لن يدرك المواطنون الطريقة التي قد تُعدّل بها المنصات الرسائل السياسية، وكيفية انتشار المعلومات المضللة دون قصد أو عن عمد، وحتى ما إذا كانت بعض وجهات النظر في انتخابات 2024 تُكتم".

"فيسبوك" تخسر قضية انتهاك خصوصية بيانات في الاتحاد الأوروبي

يتعذر على بعض المحللين الآن تشغيل نماذج مخصصة لاكتشاف خطاب الكراهية أو الأنشطة المنظمة مثل إنشاء الحسابات الروبوتية بأعداد كبيرة. ترى فرانشيسكا أركوستانزو، رئيسة وحدة التحليل الرقمي في معهد الحوار الاستراتيجي، وهي مؤسسة بحثية تركز على التطرف والمعلومات المضللة المتعمدة، أن تحليل المعلومات عبر منصات عدة يفوق ذلك صعوبةً.

يطور الباحثون بدائل مبتكرة، مثل استخدام متتبعات الشبكات على الإنترنت للبحث عن المحتوى واستخلاصه من صفحات الإنترنت عبر برامج البحث المتواصل فيها. يبتكر بعضهم برمجيات خاصة لاستخلاص بيانات معينة من منصات التواصل الاجتماعي، ويحلل آخرون منصة "إكس" عبر ابتكار واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بهم بالاعتماد على مواقع مرآوية أُقيمت عبر استخلاص كامل الخدمة.

مخاطر أخرى

رغم أن هذه السبل تتفادى القيود والتكاليف المفروضة على واجهات برمجة التطبيقات، فهي مصحوبة ببعض المخاطر. في 2021، أوقفت "فيسبوك" مشروعاً اسمه "أد أوبزرفاتوري بروجكت" (Ad Observatory Project) في جامعة نيويورك، كان يجمع بيانات عن الإعلانات السياسية من خلال استخلاص المحتوى بشكل غير مصرح به.

في يوليو، رفعت "إكس" دعوى على مركز مكافحة الكراهية الرقمية البريطاني غير الهادف للربح، محتجةً بأن المجموعة تمكنت من بلوغ بيانات الخدمة بشكل غير قانوني لاستهداف أناس ومنظمات على خلاف معها، وذلك تحت ستار إجراء أبحاث عن المعلومات المضللة. وفي نوفمبر، تقدم مركز مكافحة الكراهية الرقمية بطلب لإسقاط الدعوى، قائلاً إنها بلا أساس ومدعياً أنه جمع المعلومات باستخدام خاصية البحث في المنصة.

"ميتا" تتوصل لتسوية في نزاع قضائي بشأن انتهاك خصوصية مستخدمي "فيسبوك"

تسعى "إكس" أيضاً لتحديد هوية الكيانات التي تقف وراء أربعة عناوين بروتوكول الإنترنت تنخرط في ما تسميه عملية استخلاص المحتوى على نطاق واسع، وذلك كجزء من دعوى منفصلة تسعى فيها الشركة للحصول على تعويضات تفوق مليون دولار.

قال كاميرون هيكي، الرئيس التنفيذي لـ"ناشونال كونفرنس أون سيتزنشيب" (National Conference on Citizenship)، إن القيود التي كان من شأنها أن تجعل الشركات فيما مضى تتردد في مهاجمة الباحثين المستقلين باتت أقل، وذلك لأن النقاش حول المعلومات المضللة قد سُيس. قال: "هناك عدائية وتحيز حزبي شديد ضد وضع تلك الأبحاث حالياً، لذا فإن تصوراتنا عن المخاطر ازدادت إلى حد كبير".

واجهات جديدة

طرحت "ميتا" و"تيك توك" هذا العام واجهات جديدة لبرمجة التطبيقات من أجل البحث الأكاديمي، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت مجموعات المجتمع المدني والصحفيين الذين ليسوا تابعين لجامعة ما سيتمكنون من استخدام تلك الواجهات. قال أكاديميون حضروا عرض الأداة الجديدة من "ميتا" إن الشركة لم توضح ذلك حين سُئلت عنه بإلحاح. تبين "تيك توك" على موقعها أن الباحثين لا بد أن يكونوا موظفين لدى مؤسسة أكاديمية في الولايات المتحدة أو أوروبا. قال متحدث باسم "تيك توك" إن الشركة تعمل على توسيع نطاق الأهلية ليشمل الباحثين في المجتمع المدني.

خلال مؤتمر في أكتوبر، ناقش باحثون أساليب أخرى للتأقلم مع مشاكل حق الوصول إلى البيانات على مختلف المنصات، ومنها مشاركة وأرشفة البيانات عبر التعاونيات والتبرع. لكن تجميع البيانات بغرض المشاركة قد يخرق أيضاً شروط استخدام واجهات برمجة التطبيقات، لذا يتوخى الباحثون الحذر.

في أبريل الماضي، وقّع 700 شخص على رسالة من التحالف لأجل استقلالية البحث التقني طالبوا خلالها منصة "إكس" بإعادة إمكانية استخدام واجهات برمجة التطبيقات دون مقابل أو بتكلفة بسيطة. قالت المجموعة في نوفمبر إنها لم تتلق رداً. وفي مايو، التزمت "ريديت" بمفاوضات مع أكاديميين بعد تلقيها لخطاب مشابه من تلك المجموعة، لكن شخصاً مطلعاً على الأمر، طلب عدم الإفصاح عن هويته لتفادي إفساد العلاقات، قال إن ذلك لم يأت بجديد منذئذ.