إكسير الشباب.. جديد رحلة رجل مهووس بإطالة العمر

"مينيسركل" تمكنت من جعل ثري مهووس بمقاومة التقدم بالعمر فأر تجارب لعلاج لم تثبت نجاعته

ملقاط لحل العقد
ملقاط لحل العقد المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يزور جزيرة رواتان قرب هندوراس نحو مليون سائح كل عام، قاصدين شعابها المرجانية المثالية للغوص وشواطئها وغاباتها، كما يجذب نمط حياتها الوادع محبي الرحلات السياحية البحرية. لكن هنالك مجموعة زوار أتوها حديثاً لهدف غير تقليدي: لقد اختاروا أن يكونوا من أوائل الناس المحسّنين وراثياً.

جاء فوج السياحة العلاجية لتلقي علاج مورثات محلي صنعته شركة "مينيسركل" (Minicircle) الأميركية الصغيرة الناشئة، ويحفز العلاج الذي يؤخذ حقناً إنتاج فوليستاتين في الجسم، وهو بروتين يساعد بالتحكم في إنتاج بروتينات وهرمونات أخرى.

قال مؤسسو الشركة إن العلاج من شأنه أن يقلل الالتهابات في أنحاء الجسم ويزيد الكتلة العضلية وكثافة العظام، كما أنه يزيد القدرة على التحمل أثناء ممارسة التمارين الرياضية، ويُحسّن الشعر والبشرة. تقول "مينيسركل" إن العلاج هو "قمة ما هنالك للعضلات والعظام والدهون" وأحد أعظم آمال البشرية في "إطالة العمر لفترات طويلة".

تجربة داخل تجربة

لم توافق إدارة الغذاء والدواء الأميركية بعد على العلاج، وهو في بعض أوجهه لبّ ما سنتطرق إليه. إن "مينيسركل"، التي يدعمها ملياردير رأس المال الجريء بيتر ثيل ومؤسس "أوبن إيه آي" المشارك سام ألتمان وغيرهما من المتخصصين في التقنية، هي عبارة عن تجربة داخل تجربة. مقرها في أوستن بولاية تكساس، لكن نشاطها قائم في رواتان، لأن هندوراس منحت الجزيرة فسحة كبيرة من ناحية تنظيمية فيما يتعلق بمشروعات التقنية والعلوم.

كل ما توجب على "مينيسركل" أن تفعله كان أن تتعاقد مع شركة تأمين وأن تحصل على إقرار من المرضى بأنهم على علم بأنهم يتجهون نحو المجهول. قال والتر باترسون، المؤسس المشارك وكبير الموظفين العلميين بالشركة: "الأمر حقاً يتعلق بالملاءمة... نحن نستعد لتجربة في الولايات المتحدة ونتمم الإجراءات عبر إدارة الغذاء والدواء. لكن لا تنس أن الأمر مكلف من حيث الوقت والمال إلى درجة التثبيط. نحن هنا في هندوراس لأن بإمكاننا فعلياً أن نعمل بشكل أسرع".

إن باترسون لين العريكة، في كلامه شيء من لحن أهالي جبال أبالاتش، كما أن مؤهلاته العلمية أدنى مما قد تتوقع أن تكون مؤهلات مسؤول تنفيذي في شركة تقنية حيوية. في 2019، ترك باترسون دراسته في جامعة كارولينا الشمالية لينشئ "مينيسركل"، وسرعان ما اكتسب شهرة بين المهووسين بالاختراق الحيوي. أثار باترسون وماك دايفيس، المؤسس المشارك، أيضاً إعجاب بعض الشخصيات المرموقة في قطاع التقنية الحيوية، ومنهم جورج تشيرش، أستاذ علم الوراثة الشهير في جامعة هارفرد، الذي وصفهما بأنهما واسعا المعرفة ومنظمان.

تلاعب بالحمض النووي قد يجعل النوبات القلبية طي النسيان

العلاج اعتماداً على فوليستاتين هو الأول في سلسلة منتجات تخطط "مينيسركل" لطرحها، ومنها علاجات لترميم الحمض النووي وتجديد الأنسجة. حقن كل من دايفيس وباترسون نفسيهما بمنتج فوليستاتين قبل سنوات. لم يصل الاثنان بعد لمرحلة نمو مفرط في العضلات، لكنهما يقولان إن جسديهما أصبحا أنحف وأقوى رغم أنهما لا يكثران التمرين.

لا يوجد دليل على نجاح هذه العلاجات، وهي ليست منطقية من الناحية العلمية وستتسبب في وفاة شخص على الأرجح

التقدم في متناول اليد

قال باترسون إن "مينيسركل" لم تتجه إلى هندوراس لأنها أسهل فحسب، كما أنها قطعاً لم تكن تحاول أن تكون متهورةً أو متعجرفةً. أكد باترسون أن التقدم في قطاع التقنية الحيوية وإطالة العمر بات في متناول اليد، وأن الأصحاء ذهنياً وبدنياً سيمكنهم أن يشاركوا في ذاك التقدم إن شاؤوا، وأن الابتكار في هذا المجال لا يتطلب تطويره مئات ملايين الدولارات، وأن نهج "مينيسركل" سيؤدي إلى إطالة عمر الجميع. وقال: "تكلف أغلب العلاجات الجينية أكثر من مليون دولار في كل مرة... لكن هذا العلاج مصمم بحيث يمكن لأي شخص في العالم أن يحصل عليه".

هل سيفتح فحص مورثات الأجنّة باب الشرور؟

لكن علاج "مينيسركل" ليس للجميع حالياً على أقل تقدير. انتقد بعض العلماء المطلعين على عمل الشركة مزاعمها، وشككوا في أن زيادة مستويات فوليستاتين ستؤدي إلى زيادة ولو بسيطة في متوسط عمر الإنسان. لم تنشر "مينيسركل" بعد بيانات خاصة بتجارب سريرية، كما أحجمت عن الحديث عن بعض وسائل التطوير التي تعتمدها. رغم أن سعر منتج الشركة سيكون أقل من علاجات المورثات التقليدية، فهو سيكلف نحو 25 ألف دولار لكل معالجة.

كتبت كريستين غلوريوسو، وهي طبيبة وعالمة أعصاب، عن فوليستاتين وغيره من علاجات المورثات غير الخاضعة لضوابط رسمية في نشرتها عن الصحة وإطالة العمر: "لا يوجد دليل على نجاح هذه العلاجات، وهي ليست منطقية من الناحية العلمية وستسبب وفاة إنسان على الأرجح عبر إصابته بسرطان أو فشل الكبد".

جذب الانتباه

فيما تعكف "مينيسركل" على إعلان بياناتها، فهي تأمل أيضاً في لفت انتباه المهتمين بإطالة عمر البشر. إحدى طرق جذب الانتباه هي الحصول على تأييد أحد المؤثرين في مجال إطالة العمر. لكن أين ستجد الشركة شخصية بارزة على استعداد لتلقي علاج مورثات فعاليته غير مثبتة من باب التسلية؟ من الذي سيتطوع للذهاب إلى هندوراس للتلاعب بخلايا جسده لمجرد أن من يديرون منطقة حرة رأسمالية تقنية تحررية قالوا إن الأمر بسيط؟ وصل براين جونسون إلى رواتان في سبتمبر.

على مدى الأشهر التسعة التي سبقت ذلك، ذاع صيت جونسون كأشهر المغامرين في مجال إطالة العمر وأكثرهم إثارة للجدل. اكتسب جونسون شهرته جزئياً من تطوير برنامج صحي يُعرف باسم "بروجكت بلوبرنت" (Project Blueprint)، الذي يدير فيه بدقة متناهية حميته ونظام تمارينه الرياضية ومكملاته الغذائية إلى جانب علاجات متنوعة لتجديد الجسم، ثم ينشر بيانات طبية مفصلة توثق ما يطرأ على جسده من تغيرات.

مختصر كل هذا هو أن جونسون ينفق أكثر من مليوني دولار سنوياً على جسده في محاولة لإبطاء تقدم سنه أو حتى أن يعكس ذلك المسار إن أمكنه، ويسعى لاختبار حدود التقنيات الحالية في مجال إطالة العمر.

براين جونسون يسجل مقطع فيديو لمشجعيه في رواتان
براين جونسون يسجل مقطع فيديو لمشجعيه في رواتان أشلي فانس

بطولة أم نرجسية؟

جعل ذلك من جونسون بطلاً في نظر بعض المهتمين بالحفاظ على الصحة، لكن في أعين آخرين، هو مثال على نرجسية مفرطة وطموحات عبثية لإطالة العمر. استغل جونسون كل جوانب شهرته الجديدة، إذ أتى إلى رواتان بصحبة مصور فيديو يرافقه على الدوام، ومهمته أن يساعده لإعداد مقاطع فيديو عن عملية العلاج بالمورثات لنشرها عبر "تيك توك" و"إنستغرام".

أربعيني يدفع مليوني دولار سنوياً ليرجع بعمر جسده ربع قرن

من شأن مقاطع الفيديو أن تكون محتوى مجدياً مع دخول جونسون في مجال طبي جديد أكثر تطرفاً. قال جونسون قبل رحلته إلى رواتان: "لقد حددنا أساسيات الحمية الغذائية والتمارين والنوم وكل الأمور التي نعلم أن علينا اتباعها. لكن هذا لن يجعلني أعيش حتى أبلغ 200 عام. لكن علاجات المورثات تعد بذلك".

بإمكانك أن تجد صوراً على الإنترنت لحيوانات خضعت لهندسة وراثية بتقنيات تشبه العلاج الذي تقدمه "مينيسركل"، وهي فعلاً كائنات غير عادية. إليك مثلاً الأبقار التي تجري في عروقها بروتينات تنمي العضلات وتجعلها تشبه أبطال "أفنجرز" الخارقين، إذ تنتفخ أوردتها بشدة في أماكن متعددة لدرجة أن المرء يخالها تتألم من فرط ذلك، وتبدو جلودها وكأنما تعاني لتضمّ تلك الأنسجة ذات التضاريس.

علاجات "مينيسركل"

إن علاجات "مينيسركل" مصممة لإحداث أثر أخف. توضب الشركة سلسلة تعليمات بيولوجية لزيادة إنتاج بروتين فوليستاتين في البلازميد، وهو جزء صغير من الحمض النووي دائري الشكل ويشبه البكتيريا من حيث خواصه. ويُحقن البلازميد، وشكله أوحى باسم "مينيسركل" الذي يعني الدائرة الصغيرة، في بعض الخلايا الدهنية التي عادة ما تكون قرب البطن.

لا يغير العلاج الحمض النووي للإنسان لكنه يقدم سلسلة تعليمات وراثية جديدة للخلايا، فيما يشبه برنامجاً يعمل إلى جانب نظام التشغيل في جهاز كمبيوتر. تشرع الإنزيمات داخل الخلايا بالعمل بمجرد أن تتلقى أوامر إنتاج مزيد من فوليستاتين.

إلى أي مدى تقنية "كريسبر" للتعديل الجيني مهمة لعلاج الأمراض؟

في هذه الحالة، يستهدف فوليستاتين تثبيط بروتين آخر، وهو ميوستاتين الذي يكبح نمو العضلات. أظهرت دراسات لتجارب على الفئران أن خفض إنتاج ميوستاتين يجعل الفئران أضخم وأطول عمراً. قال دايفيس: "نحن نضيف فقط بروتيناً للدم يدفع الجسم لتجديد خلاياه... من حيث ذلك هو علاج عام بدل أن يتعامل مع إصلاح طفرة واحدة محددة مثلما قد تفعل مع شخص مصاب بمرض نادر جداً. نحن نُحدث تحسينات يمكن لأي شخص الاستفادة منها".

يتغير نمو العضلات مع السن. يعجّل الجسم بعض العمليات لبناء العضلات وزيادة القدرة على التحمل خلال سنوات الإنجاب الرئيسية. قال باترسون إننا حين نتخطى مرحلة المراهقة ونصبح أقل فائدة من ناحية المورثات، يتوقف الجسم عن بعض العمليات التي تتطلب سعرات حرارية كثيرة فيتباطأ نمو العضلات.

قال "أجسامنا مصممة لكي نبلغ مرحلة النضج الجنسي ثم ينبغي علينا أن نفعل شيئاً حيال ذلك وأن ننجب أطفالاً. لا تكترث الطبيعة بالفترة التي نعيشها بعدئذ. يمكن اعتبار ذلك كما لو كان من قبيل سوء الحظ".

تجارب الشركة

يبدأ علاج "مينيسركل" بزيادة إنتاج فوليستاتين فور حقنه، ويبلغ ذروته خلال شهرين إلى أربعة أشهر. ثم يفترض أنه يستمر في عمله لما يتراوح بين عام ونصف وعامين. إذا لم تعجب المريض ردة فعل جسمه أو النتائج، يمكنه أن يوقف العلاج عبر الحقن بمضاد تيتراسيكلين الحيوي. وصف مؤسسا "مينيسركل" هذا المضاد الحيوي بأنه وسيلة فورية لإيقاف العلاج، وبيّنا أنهما جربا بنجاح الشروع بالعلاج وإيقافه على مدى السنوات القليلة الماضية.

اختارت "مينيسركل" لتجربتها الطبية 44 شخصاً أعمارهم بين 23 و89 عاماً، وقد تلقوا جميعاً الجرعة نفسها من علاج المورثات ثم تابعتهم لمدة ثلاثة أشهر. باستخدام مؤشرات حيوية تُقيّم التقدم في العمر، أشارت تقديرات "مينيسركل" إلى أن عمر المرضى، بقياس دلالات المورثات، انخفض بما متوسطه 11 عاماً.

كيف يستخدم علماء الأعصاب استراحات "غسيل الدماغ" لتعزيز الإبداع في العمل

قال دايفيس: "لقد شهدنا تطورات في الكتلة العضلية وكثافة العظام وانخفاض دهون الجسم، إلى جانب شعور عام بتحسّن الصحة". كان ارتفاع مستوى الكولسترول هو التأثير الجانبي الرئيسي في بعض المرضى. لكن ما يزال على "مينيسركل" أن تنشر بيانات التجربة. قالت الشركة إنها في طور إكمال ورقة بحثية لتقديمها إلى مجلات علمية متخصصة يراجعها أقران من نفس المجال.

التقنية التي تعتمد عليها "مينيسركل" ليست جديدةً بالكامل. يُعد البلازميد أداة شائعة يستخدمها الباحثون في قطاع التقنية الحيوية، إذ استخدمها اللقاح الهندي المكوّن من جرعتين لفيروس كوفيد-19. رغم ذلك، فقد واجه العلماء صعوبات في اكتشاف كيفية تصنيع بلازميد يمكنه الحفاظ على تأثير أي علاج لفترات مطوّلة. قالت "مينيسركل" إنها طورت تقنيات وطرق تصنيع خاصة تعاملت مع تلك المشاكل، لكنها رفضت الإفصاح عن طبيعة ذلك التقدم، وقالت إنها تحاول الحصول على براءات اختراع. قال باترسون: "لقد تطلب التوصل إليها وقتاً طويلاً جداً".

استجابة جونسون للعلاج

لم يكن جونسون مرشحاً مثالياً من نواحٍ شتى لتلقي العلاج. يستجيب الناس للحقن بطرق متباينة، رغم أن أبرز المكاسب ينبغي أن تظهر بين من لا يتمتعون بلياقة بدنية أو هم أكبر سناً. قياسات حالة جسد جونسون، 46 عاماً، تؤشر إلى أنه أصغر عمراً بسنوات كثيرة. لم يكن جونسون ولا مؤسسا "مينيسركل" على دراية بما قد يحدث لجسمه بعد الحقن، رغم وجود تكهنات طريفة بأن عضلاته ستنمو أكثر مما ينبغي.

قرر جونسون وطبيبه الرئيسي، أوليفر زولمان، أن فوليستاتين يستحق التجربة، فجمعا قائمة بنحو 20 من العلاجات الأكثر تطرفاً التي يُفترض أن لها منافع في إطالة العمر، وقارنا مخاطر كل منها بمنافعه. احتل فوليستاتين المرتبة السابعة، لكن مخاطره أتت أقل مقارنة بعلاجات كانت أعلى منه ترتيباً. في الأشهر التي سبقت الحقن، أمطر جونسون وزولمان فريق "مينيسركل" بوابلٍ من الأسئلة، كما طلبا من علماء ومسؤول سابق بإدارة الغذاء والدواء أن يفعلا ذلك. كانت الإجابات جيدة بما يكفي كي يقرر جونسون أن يخوض التجربة.

منفعة أكبر للشركة

بالنسبة لـ"مينيسركل"، فإن مجيء جونسون لرواتان قد يأتي بمنفعة واضحة هي توعية مزيد من الناس بشأن تقنيات الشركة. وقد اختارت الشركة ألا تطلب من جونسون أي أتعاب مقابل العلاج، رغم أنه يملك مئات ملايين الدولارات، ويمكنه بالتأكيد أن يدفع ثمنه. قبل الحقن، قال دايفيس: "إنه أشهر شخص يأتي إلى هنا. يقدم براين لنا شيئاً أهم من الأتعاب التي يمكننا جبايتها منه".

لكن العملية انطوت على مخاطر للشركة أيضاً، إذ يأخذ جونسون قياسات عن جسمه أكثر من أي إنسان آخر، وهو ينشر كل شيء عن الطرق التي يتبعها ونتائجها علناً. قال: "سنكشف عن أشياء هم أنفسهم لا يعلمونها. ربما يكون ذلك إيجابياً أو سلبياً، فقد تكون له تأثيرات لا ترغب بها".

ينفق مليوني دولار سنوياً على النضارة.. والآن يأخذ من دم ابنه

بعيداً عن أي نتائج غير متوقعة، لم يأت جونسون وشهرته دون متاعب. لقد رفعت خطيبة جونسون السابقة تارين سذرن دعوى ضده قبل سنوات زعمت فيها أنها تعرضت لصدمة عاطفية وفرص متضائلة في مجال الأعمال نتيجة علاقتها معه. سعت سذرن للحصول على تعويض بأكثر من مليون دولار ومحاكمة أمام هيئة محلفين. نفى جونسون كل التهم الموجهة إليه، وحكم أحد المحكّمين لصالحه أخيراً وأسقط الادعاءات فيما أمر سذرن بأن تدفع الأتعاب القانونية التي تكبدها جونسون نتيجة القضية، وقد بلغت 584 ألف دولار. رغم ذلك، فإن المشاكل بينهما ظلت موضوعاً يجذب وسائل الإعلام.

علاج ثوري؟

في وقت مبكر من صباح يوم الحقن، خرج جونسون ليمشي حول منتجع "لاس فيرانداس" (Las Verandas) الشاسع الذي يضم فيلات بيضاء ونخيلاً ومسبحين بلا حواف يطلان على مياه المحيط الفيروزية. كان جونسون يصور بعض المقاطع لنشرها على منصات التواصل الاجتماعي في أماكن مختلفة، مرتدياً سروالاً قصيراً وقميصاً أسود عليه عبارة "لا تمت".

قال جونسون بحماس وهو ينظر إلى الكاميرا في أحد مواقع التصوير: "لقد سافرت جواً إلى جزيرة غير معروفة لأتلقى علاج مورثات قد يغير مستقبل البشرية". التفت جونسون بعدها إلى طاقمه وسألهم إن بالغ في الأداء. نصح المصور جونسون قائلاً: "ربما عليك بشيء من الاستلهام من (مستر بيست)، لكن دون أن تحاول تقمّص شخصيته"، في إشارة إلى أكبر نجوم موقع "يوتيوب" في العالم.

"لاس فيرانداس" من أفضل المنتجعات في رواتان، إذ يستضيف حفلات زفاف وسياحاً وما إلى ذلك. كما أنه أحد المراكز الرئيسية لـ"بروسبيرا" (Prospera)، وهو مشروع لبناء المدن جعل من علاج جونسون بالمورثات مغامرة يمكن خوضها. تفاصيل القصة غريبة، إذ وافقت حكومة هندوراس قبل نحو عقد على إنشاء عدد من المناطق الاقتصادية الخاصة التي قد تتمتع بمساحة أكبر لإنشاء أنظمتها الخاصة من حيث الاقتصاد والسياسة والقانون المدني، ولكنها تخضع للقانون الجنائي الهندوراسي. كانت الدولة تأمل بأن تصبح مثل شينجن أو دبي، التي تأسست كل منهما كما لو كانت مدينة بصفة دولة لها فلسفة متفردة في قطاع الأعمال.

الخليج الغربي في جزيرة رواتان
الخليج الغربي في جزيرة رواتان إيمجز بروفشنالز جي إم بي إتش / ألامي

مسعى التقدم التقني

ما تزال هوية مالك "بروسبيرا" لغزاً، لكن بيتر ثيل ومارك أندريسن، وهو أيضاً من أصحاب رأس المال الجريء، من داعمي المشروع الذي تبلغ قيمته 120 مليون دولار، رغم أنه ليس واضحاً ما إن كانا من كبار أم صغار المستثمرين فيه. رفض إريك بريمن، مؤسس "بروسبيرا" ورئيسه التنفيذي، أن يكشف هوية المساهمين.

تتباين الآراء حول "بروسبيرا"، فقد رحب بعض السكان المحليين بمسعى التقدم التقني وبالوظائف التي قد يوفرها. لكن آخرين يتشككون حيال الأثرياء المهووسين بأفكار معينة الذين يأتون إلى الجزيرة ويشترون قطعة أرض ويعيشون بموجب قوانينهم الخاصة ويدفعون ضرائب أقل. زيومارا كاسترو، رئيسة هندوراس الحالية، لا يعجبها ما يحدث، وهي تحاول من خلال محكمة أن تلغي القوانين التي أتاحت تلك التطورات.

يخوض بريمن وفريق محاميه هذه المعركة القانونية ويحاولون في الوقت ذاته جمع المال لـ"بروسبيرا". قال بريمن إنه يعتزم إنجاح مشروع "بروسبيرا" وتحويله إلى نموذج يأمل بأن يؤدي إلى إنشاء مناطق مشابهة حول العالم. قال: "أؤمن بحرية الإنسان. أؤمن بأن عليك أن تحظى بحرية اتخاذ قراراتك، بما في ذلك المخاطرة."

تلقى جونسون الإجراء الطبي في عيادة "غارم" (Garm) على مسافة كيلومترات قليلة من "بروسبيرا". تقع العيادة، التي تعمل بموجب مبادئ "بروسبيرا"، على مقربة من المحيط إلى جانب منتجع خلاب آخر في رواتان. يدير غلين تيري، جرّاح العظام الأميركي المتخصص في الطب الرياضي، عيادة "غارم" التي تقدم مجموعة متنوعة من العلاجات، بدءاً من العلاج بالأكسجين عالي الضغط وحتى المحاليل الوريدية التي تحوي خلايا جذعية، وتروج لنفسها بشعار "شعور أفضل لحياة أفضل".

طبيب يسحب عينة دم من براين جونسون قبل الحقن بعلاج من شركة "مينيسركل"
طبيب يسحب عينة دم من براين جونسون قبل الحقن بعلاج من شركة "مينيسركل" أشلي فانس

الحقن بالفوليستاتين

اتجه جونسون ومصور الفيديو إلى العيادة بحماسة أكثر من المعتاد، وكان تيري وباترسون ودايفيس في استقبالهما. خفف مؤسسا "مينيسركل" من حماس جونسون لبضع دقائق بعدما طلبا منه أن يقرأ بعض الأوراق القانونية ويؤكد أنه بكامل قواه العقلية عند إعطاء موافقته. كان رد جونسون: نعم، حسناً، أيا كان.

لم يكن في عملية الحقن ما يميزها، فقد رفع جونسون قميصه كاشفاً عن عضلات بطنه المقسّمة، وبحث تيري عن مساحة بسيطة بها دهون يمكنه غرز الحقنة فيها. تطلب الحقن بضع ثوانٍ فقط. شكر جونسون الطبيب وابتسم ابتسامة عريضة. في تلك الأثناء، انتظر المتواجدون في الغرفة إما أن ينهار جونسون أو يخرج إلى مرآب السيارات ويبدأ برفع السيارات. لكن لم يحدث أي من الأمرين.

بعد أسابيع قليلة، سافر جونسون جواً إلى جزر الباهاماس من أجل عملية حقن بالخلايا الجذعية الوسيطة، التي تحتل المرتبة 34 على قائمة المغامرة العلاجية التي يخوضها. في حديث معه في منزله بفينيسيا في ولاية كاليفورنيا بعد تلك الرحلة مباشرة، أشار جونسون إلى جدول بياني يُظهر عامين من البيانات التي ترصد مؤشرات تقدمه في السن وتأثيرات العلاجات المختلفة على جسمه.

يكشف خط الاتجاه العام عن تباطؤ وتيرة تقدمه في السن، لكنه يبين أن أحد هرمونات نمو الإنسان مصمم لتجديد الغدة الزعترية تسبب في ارتفاع وتيرة تقدمه في السن في إحدى المرات. قال: "نجح ذلك الأمر لأنه ساعد الغدة الزعترية لدي، لكن كان له ثمنه. إن لعبة التقدم في السن هذه تشبه لعبة التعامل مع المشاكل حين تطرأ".

كشف اختبار دم حديثاً عن زيادة قدرها 160% في مستويات فوليستاتين في جسم جونسون. لكنه لم يشهد أي قدرة إضافية على التحمل، ولم يحقق أرقاماً قياسية جديدة أثناء أداء التمارين الرياضية. يعتبر باترسون ذلك الأمر طبيعياً، إذ قال: "إنه يتراكم بمرور الوقت. أتوقع أنه سيبدأ بملاحظة أمور جديدة خلال الأشهر المقبلة".

لكن جونسون اكتشف اكتشافاً واحداً بعد العلاج بالفوليستاتين، وهو أن بإمكانه الآن أن يمزق القميص الذي يرتديه بيديه. وهناك منشور على "إنستغرام" يثبت ذلك.