المنتجعات الراقية ملجأ الهاربين من برد الشتاء في بيوت العطلات

الهاربون من برد الشتاء في بيوت العطلات يفرون إلى المنتجعات الراقية
الهاربون من برد الشتاء في بيوت العطلات يفرون إلى المنتجعات الراقية
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سافر كلُّ من "أديل" و"روبرت راثي" (Adelle and Robert Rathe) القاطنين في حي "أبر إيست سايد" (Upper East Side) إلى جزيرة "سانت مارتن"، منتصف شهر يناير 2019، هرباً من الطقس البارد في مدينة نيويورك ليعودا إليها من عطلتهما التي قضياها في أحد المنتجعات، منتصف شهر أبريل من العام نفسه، عندما تكون الأشجار في حديقة "سنترال بارك" قد عادت لتزهر.

ليست عائلة "راثي" الأولى بين سكان الولايات الشمالية الشرقية التي أعياها الطقس البارد فاختارت ملابس السباحة والشواطئ البيضاء بدلاً من المعاطف الثقيلة والأرصفة الموحلة، فرغم أنَّهما فكرا في شراء عقار في جزيرة الكاريبي التي أحباها لسنوات، إلا أنَّهما وجدا بديلاً أفضل ينفقان فيه أموالهما، وهو قضاء 90 ليلة متتالية في منتجع "بيلموند لا سامانا" (Belmond La Samanna) الفاخر الذي أعيد افتتاحه في ديسمبر 2018، بعد تجديدات بلغت تكلفتها 25 مليون دولار.

تقول "أديل" على سبيل المزاح: "يسألنا الكثير من أصدقائنا عن المبلغ الذي ندفعه وأكتفي بإجابتهم أنَّ بإمكانهم معرفة ذلك من خلال الاتصال بالمنتجع". (وبإجراء بعض الحسابات بناءً على الأسعار المبدئية للمنتجع البالغة 545 دولاراً في الليلة، من المرجح أن تتضمَّن فاتورة الزوجين رقماً من خمس خانات - كحد أدنى - قبل إضافة تكلفة الطعام، والمشروبات، والأنشطة).

يقول المطَّلعون على شؤون قطاع السياحة، إنَّ اختيار الإقامة في المنتجعات، وإنفاق الأموال فيها بدلاً من شراء منازل العطلات الموسمية بات اتجاهاً يزداد شعبيةً في صفوف المسافرين من المتقاعدين الأثرياء.

وتؤكِّد "تارا هايلاند" (Tara Hyland)، مستشارة السفر في شركة "فيرتوزو" (Virtuoso) التي سبق وحجزت العديد من مثل هذه الإقامات لعملائها، أنَّ "من يفضِّل صرف أمواله في المنتجعات الفاخرة بدلاًا من شراء شقة أو منزل لا يفعل ذلك من أجل الخدمات الجذابة، والتدليل الفاخر فقط، بل أيضاً من أجل المرونة التي يجدها في الخيارات المتاحة أمامه".

وبحسب "هايلاند" فإنَّ خدمات المنتجعات، ودروس اليوغا، والبرامج الرياضية والرياضات المائية، وملاعب الغولف، والتنس، والمطاعم، جميعها مزايا تجعل المنتجعات خياراً أنسب للمسافرين.

خيار أفضل من منازل العطلات

على الرغم من أنَّ اختيار المنتجعات بدللاً من شراء العقارات قد يعني عدم التقيد بوجهة واحدة، إلا أنَّ العديد من المسافرين الذين يقضون فترات طويلة في منتجع واحد يعودون إليه عامًا بعد عام، وها هم الزوجان "راثي" على سبيل المثال يمضيان كل شتاء لهم تقريباً منذ 2001 في منتج "بيلموند لا سامانا".

في مثل هذه الحالات قد يصبح المنتجع أشبه بمنزل العطلات، ولكن بتكاليف صيانة أقل ووسائل راحة ومتعة أكثر ودفعة سنوية واحدة بدلاً من 12 دفعة. وفي هذا الصدد، تقول "أديل" المتقاعدة التي تقيم بالمنتجع في الوقت الذي تضرب فيه عاصفة قطبية منزلها في منهاتن: "إنَّ امتلاك منزل يعني تحمُّل مسؤولية الحفاظ عليه، فهناك أنظمة الأمان والصيانة المستمرة التي لا تستطيع الهرب منه. أما هنا فأنا على بعد 45 متراً من البحر، ويمكنني الحصول على أيِّ شيء أريده خلال خمس دقائق".

في غضون ذلك، أدرك آخرون ممن بدأوا لتوهم تجربة هذه الطريقة المزايا الأفضل نسبيًا للمنتجعات على منازل العطلات، كما هو الحال مع "جودي وايت" (Judy Wyatt).

فقد حجزت "وايت" المتقاعدة حديثاً كوخاً لمدَّة خمسة أسابيع في منتجع "سي آيلاند" في جورجيا الساحلية هرباً من الأشهر الباردة في أوهايو مصطحبة معها كلبها "لوك" ذي الـ 11 عاماً وقطتها "آني ماي" التي تبلغ من العمر عاماً واحداً.

وفضلاً عن التنزه على الشاطئ مع كلبها الأليف، استمتعت "وايت" بالمزايا التي يوفِّرها المنتجع كعروض الطهي، والتنزه مع الصقور مع مُربّي صقور محترف، وجلسات المنتجع الصحي وغيرها من الأنشطة التي كان سيصعب عليها ترتيبها وممارستها خارج المنتجع؛ إذ تقول: "كان بإمكاني أن أجد ما أمضي فيه كل ساعة من يومي".

من جانبهما، أكد رائدا الأعمال العقارية "ستيفن ليوبولد " (Stephen Leopold) وزوجته "بريندا" (Brenda) من مدينة "مونتريال"، أنَّ المشهد الاجتماعي الذي توفِّره هذه الفنادق يعد ميزة إضافية واضحة لها، إذ يعرِّف الزوجان أنَّهما سيتبادلان الأحاديث المسائية مع ضيوف من الأثرياء خلال إقامتهما الشتوية الطويلة في منتجع "أنداز ماياكوبا" (Andaz Mayakoba) شرق المكسيك، في حين قد يتضمَّن امتلاك منازل العطلات التعامل مع جيران مزعجين، أو ما هو أسوأ من ذلك، كالتعامل مع مدير جمعية سكنية فظ.

ويقول "ستيفن"، الذي يقيم حالياً لمدة 16 أسبوعاً في الغرفة نفسها المواجهة للشاطئ التي حجزها العام الماضي: "تتيح لك الإقامة في المنتجع الفرصة لمقابلة أشخاص مثيرين للاهتمام جداً، فقد تقابل طبيب قلب معروف على مستوى العالم اليوم وبعدها بيومين مؤلفاً مشهوراً، فهناك العديد من الأشخاص الرائعين الذين ستصادفهم يتجولون هناك".

ضمان إقامة رفيعة المستوى

توفِّر الفنادق العديد من المزايا الرائعة لنزلائها، بدءاً من خدمات تنظيف الغرف اليومية مجاناً، والطاقم الكامل الجاهز لخدمتهم والكثير من الأنشطة، وإن كانت الإقامات الطويلة تعدُّ منجم ذهب للفنادق من جانب آخر.

حول ذلك، تقول مستشارة السفر "هايلاند"، إنَّ إقامات النزلاء الفارين من الأجواء الباردة في المنتجعات تمنح الأخيرة ميزة رفع إيراداتها بفضل ما يدفعونه من فواتير كبيرة. وبعبارة أخرى، كلما طالت مدة إقامة الضيوف سهل على المنتجع توقُّع عادات النزلاء في الإنفاق، ولا سيَّما إن اعتاد النزلاء القدوم لسنوات، وزاد احتمال إنفاقهم على الخدمات الإضافية.

وتضيف "هايلاند": "يمثِّل النزلاء الموسميون مصدراً ممتازاً عادةً لجذب المزيد من النزلاء، فقد تأتي عائلاتهم أو أصدقاؤهم لزيارتهم، مما يعني المزيد من الغرف، والمزيد من العائدات، والمزيد من العمل لخدمات المنتجعات، وملاعب الغولف، والمطاعم".

وبالفعل، ليس أبناء " ليوبولد" (Leopold) التوءم في عقدهما الرابع من العمر نزيلين غريبين عن منتجع "إنداز ماياكوبا"، وهنا يقول "ستيفن" مازحاً عن مجموع نقاطه في برنامج "ورلد أوف حياة" (World of Hyatt): "أنا ملياردير نقاط".

وعندما يسافر ابنا عائلة "راثي" وأحفادهم الخمسة إلى "سانت مارتن"، وهو ما اعتادوا فعله لسنوات، تنتقل العائلة كلها إلى فيلا بثلاث غرف نوم وغرفة مجاورة.

يضع ذلك عائلة "ليوبولد" (Leopold) مباشرة ضمن قائمة نزلاء المنتجع الأكثر أهمية والأكثر دراً للأرباح، إذ تعرف العائلة أنَّ غرفهم ستجهز دائماً بما يناسب احتياجاتهم من المناشف، وزجاجات المياه الإضافية، وعلب المناديل، والكريمات الواقية للشمس.

ويشير"ستيفن" إلى أنَّ "القاعدة العامة في أي منتجع جيد أنَّ النزيل دائماً على حق، فإذا ما أضفت على ذلك كونك أفضل نزيل لديهم فسيبذلون أقصى ما باستطاعتهم لإرضائك. فلو رغبت بتناول شريحة لحم أيل الموظ الكندي ثلاث ليالٍ في الأسبوع، فأنا واثق من أنَّهم سيجدون طريقة لتحقيق ذلك".

في هذا الصدد، يقول "باسكال دوبويس" (Pascal Dupuis) المدير العام لمنتجع "أنداز ماياكوبا": "إنَّه لمن دواعي سرورنا أن نخدم جميع نزلائنا بالمستوى نفسه، إلا أنَّ هناك دائماً ما يميز النزلاء الذين يقيمون لدينا لفترات طويلة، فهم يصبحون جزءاً من عائلتنا، ويتكوَّن بيننا وبينهم رابط مختلف".

عرض مغري

قد تتجاوز تكلفة الإقامة عاماً بعد عام في المنتجعات التي تبدأ أسعار الليلة فيها من 200 دولار- وغالبًا ما تزيد عن 750 دولارا - كقيمة الدفعة المقدمة لفيلا على شاطئ البحر، إلا أنَّ ذلك لا يعتبر هدراً للأموال على ما يبدو.

فوفقاً للمستشار العقاري "جوناثان ميلر" (Jonathan Miller) (كاتب عمود سابق لدى بلومبرغ)، فإنَّ سوق العقارات يضعف في العديد من وجهات العطل الموسمية، الأمر الذي يعود بدرجة كبيرة إلى ظهور خدمات مثل "إير بي إن بي" (Airbnb)، و"وان فاين ستاي" (Onefinestay)، وعدم قدرة الجميع على الاستثمار بمنازل العطل عبر هذه الخدمات.

ففي الأوقات التي لا تُشغل فيها هذه المنازل لعدة أشهر، يمكن أن يتحمَّل المالك تكاليف عالية، ولا سيَّما عند حساب الدفعات المقدَّمة، وتكاليف الإصلاحات، والتأمين في المناطق المعرضة للأعاصير، ورسوم المواقف الشهرية، أو جمعيات ملاك المنازل والضرائب وغيرها من التكاليف.

يقول "باتريك دواير" (Patrick Dwyer) المستشار المالي في شركة "ميريل لينش" (Merrill Lynch) في ميامي معلقاً على جنوب فلوريدا الذي يعدُّ الوجهة المفضلة للمسافرين الفارين من برد الشتاء: "ما من سبب منطقي لامتلاك شقة ما لم تقضي فيها أوقاتاً طويلةً. على أنَّك لن تتجنب الخسارة حتى لو كنت كذلك، والخرافة التي تقول، إنَّك ستجني الأموال من ملكيتك للشقة هي بالفعل خرافة.

ونبَّه "دوتير" إلى أنَّ معدَّلات الفائدة تأخذ بالارتفاع، مما يجعل فرصة الاستثمار في العقارات أصعب، بحيث يكون تنقلك من منتجع إلى آخر أفضل من أن تعلق في دفع تكاليف ثابتة مع تقدُّمك في السن".

وبوضع هذا بعين الاعتبار، لن تحتار عائلة "ليوبولد" في الطريقة التي ستقضي بها شتاءها المقبل، إذ يقول "ستيفن": "إننا نعتزم العودة إلى هنا بالطريقة نفسها، وفي الغرفة نفسها لنعيش نمط الحياة نفسه"، كما ستعود عائلة "راثي" إلى منتجع "بيلموند لا سامانا" (Belmond La Samanna)، في حين يرحب "سي آيلاند" بضيفته "وايت" (Wyatt) من جديد.

تقول "وايت": "كنا نسافر قبل تقاعدي إما إلى ولاية فلوريدا أو كارولاينا الجنوبية دون أن تتجاوز الزيارة أسبوع أو اثنين. أما الآن بعد أن أصبحت قادرة على السفر لمدة أطول، أعتقد أنَّني سأمدد رحلتي لـ3 أشهر في العام القادم، ولربما أنتقل للعيش هنا في المستقبل".