ما الذي دفع أرامكو لتجميد خطط تعزيز الطاقة الإنتاجية؟

خبراء: ضبابية أسواق النفط وتنظيم الأولويات الاستثمارية أبرز دوافع القرار

خزانات نفط في إحدى منشآت الإنتاج التابعة لشركة "أرامكو السعودية" بحقل الشيبة في الربع الخالي، المملكة العربية السعودية
خزانات نفط في إحدى منشآت الإنتاج التابعة لشركة "أرامكو السعودية" بحقل الشيبة في الربع الخالي، المملكة العربية السعودية المصدر: رويترز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فاجأت شركة "أرامكو السعودية" أسواق النفط، أمس الثلاثاء، بإعلانها عدم المضي قدماً في خطط تعزيز الطاقة الإنتاجية من 12 إلى 13 مليون برميل يومياً، لكن الضبابية التي تعيشها أسواق النفط خلال العامين الأخيرين، كانت دافعاً أساسياً لاتخاذ هذا القرار، الذي كان يتم الإعداد له منذ نحو 6 أشهر، وفقاً لخبراء.

يؤكد الخبير النفطي وليد خدوري في تصريح لـ"الشرق" عبر الهاتف، أن حالة السوق وضبابيتها قد تكون من أبرز الأسباب التي دفعت السعودية إلى هذا القرار.

الخدوري أشار إلى أن القدرة الإنتاجية للسعودية حالياً تبلغ 12 مليون برميل يومياً، في حين أنها تضخ إلى السوق بموجب اتفاق "أوبك+" نحو 9 ملايين برميل، ما يعني أن لديها نحو 3 ملايين برميل طاقة إنتاجية فائضة تتيح لها بالتدخل لتغطية العجز في حال ظهر هناك أي نقص في السوق.

تنفذ "أوبك" بقيادة السعودية، ودول منتجة من خارجها بقيادة روسيا، تخفيضات للإنتاج بهدف "الحفاظ على استقرار السوق، وإزالة التربح من المضاربات، والحد من التقلبات" وفق تصريحات عدّة لقادة التحالف، الذين أكدوا أن تخفيضات الإنتاج قد تمتد "قطعاً" لما بعد الربع الأول من العام الجاري "إذا دعت الحاجة".

هذه السياسة التي تنفذها "أوبك+" جاءت بسبب وجود حالة من الضبابية في السوق، خصوصاً مع زيادة حجم الإنتاج من دول من خارج تحالف "أوبك+" على غرار الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت أكبر منتج بالعالم بنحو 13 مليون برميل يومياً.

اقرأ أيضاً: تخمة المعروض العالمي تُنذر بعام صعب لسوق النفط

تنظيم إنفاق

نظراً إلى أن القدرة الإنتاجية السعودية تصل إلى نحو 12 مليون برميل، فإن رفعها إلى 13 مليون برميل يومياً والحفاظ على هذا المستوى، "أمر مكلف لأنه يتطلب حفر آبار جديدة"، وفق مازن السديري رئيس الأبحاث في "شركة الراجحي المالية" في مقابلة مع "الشرق".

وأضاف أنه مع عدم وجود طلب عالمي كبير، وفي ظل العوامل التي تسيطر على السوق، فإن الوصول إلى الطاقة الإنتاجية القصوى "قد يتطلب سنوات".

الطلب العالمي على النفط تأثر بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي العالمي، وخصوصاً في الصين أكبر مستهلك للنفط، والتي تحاول تجنب أزمة عقارية، بالإضافة إلى عدم تحقيقها معدلات النمو التي كانت الأسواق تراهن عليها بعد فتح الاقتصاد إثر كورونا. كما هناك ضبابية بشأن أسعار الفائدة الأميركية، إذ من المتوقع بدء الاحتياطي الفيدرالي بخفضها خلال هذه السنة، ولكن من غير الواضح حجم هذا الخفض.

السديري أشار إلى أن هذا الواقع يعني أن الوضع الاقتصادي العالمي ليس على حاله قبل 5 سنوات، أي عندما أعلنت "أرامكو" عن خطط زيادة القدرة الإنتاجية. ورأى أن ما يحدث هو "إعادة تنظيم للإنفاق"، خصوصاً في ظل وجود مشاريع كبرى.

من جهته، بيّن هومايون فلكشاهي، محلل أول للنفط والغاز في "كبلر" (KPLER) في تصريح لـ"الشرق" عبر الهاتف، أن القرار دليل على أن السعودية ترى أن الطلب لن يرتفع على المدى القصير بشكل كافٍ، منبهاً إلى أنه لا فرق حالياً بين 12 و13 مليون برميل يومياً من حيث القدرة الإنتاجية، خصوصاً أن هذه البراميل لن تصل إلى السوق في وقت قريب.

تباطؤ الإنتاج

بعيداً عن التباطؤ الاقتصادي، فإن زيادة الإنتاج من دول خارج المنظمة شكلت تحدياً بالنسبة للتحالف. وفي هذا السياق، أشار فلكشاهي إلى أن السعودية خسرت بعض الحصص السوقية أمام دول من خارج "أوبك+" على غرار البرازيل والولايات المتحدة وغويانا، ولكن نمو الإنتاج في هذه الدول سيتباطأ مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: بلومبرغ: خطوة أرامكو بشأن القدرة الإنتاجية تسلط الضوء على المنافسين

تتوقع "كبلر" أن تصل الولايات المتحدة إلى الحد الأقصى للإنتاج بحلول 2025، في حين لن يكون هناك نمو بالنسبة لإنتاج البرازيل. أما غويانا، فهي دولة ناشئة نفطياً، ولا يمكن مقارنتها بالمنتجين الكبار.

هذه العوامل تعني أن الأمر بالنسبة للسعودية مرتبط بالأولويات، إذ "ليس من المنطق إنفاق مليارات الدولارات من الاستثمارات في مشاريع لن تحقق أي عائدات وأرباح في المدى القصير، خصوصاً مع وجود مشاريع كبرى والتي تتطلب مليارات الدولارات"، وفق فلكشاهي.

الإنفاق الاستثماري

توقعت شركة "أر بي سي كابيتال" في مذكرة بعد صدور القرار السعودي أن تنخفض النفقات الرأسمالية بنحو 5 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات المقبلة، مقارنة بالإعلانات السابقة"، وفقاً لما نقلته "رويترز".

المذكرة رجحت أن يتم تأجيل بعض المشاريع التي لم يتم اتخاذ قرارات نهائية بشأنها مثل حقل السفانية البالغة طاقته 700 ألف برميل يومياً.

"أرامكو" أطلقت مطلع هذا العام برنامج الإنفاق الرأسمالي بنطاق استثماري يترواح بين 45 و55 مليار دولار، مقابل 39 مليار دولار في 2022، ونحو 32 مليار دولار للعام الذي سبق. وفي حين أنها لم تكشف بعد عن الإنفاق الاستثماري خلال عام 2024، إلا أن شركة مثل "إكسون موبيل"، أكبر منتج نفط أميركي، تتوقع أن يصل إنفاقها الاستثماري خلال 2024 إلى نحو 27 مليار دولار، وهو رقم أقل بكثير من أرقام "أرامكو" أكبر شركة نفط في العالم.

قرار قابل للتغير

حجاج حسن مدير وحدة "أرقام"، رأى أن القرار سيؤثر إيجاباً على مستثمري أرامكو ومنهم الحكومة التي تملك أكبر حصة في الشركة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الشركة لم توقف الإنفاق الرأسمالي نهائياً، إذ لا يزال لديها أعمال توسعة أخرى.

ورأى أن انعكاس القرار الذي توقع أن يؤثر سلباً على الشركات المرتبطة بعقود مع "أرامكو"، مثل شركات الأنابيب والحفر، سيظهر على الشركة على الأقل بعد عام من الآن.

فلكشاهي وحجاج والسديري اتفقوا على أن القرار قابل للتغير إذا تغيرت ظروف السوق، خصوصاً أن المملكة لم توقف الاستثمار في إنتاج النفط، بل لديها الكثير من المشاريع القائمة وعمليات توسعات للحقول.

السديري قدّر أن الإنفاق الاستثماري الجديد في "أرامكو" سينخفض، و"لكننا لا نعرف حجم هذا الانخفاض"، منبهاً إلى وجود إنفاق رأسمالي كبير على الغاز، كما سيستمر الإنفاق على صيانة الحقول لضمان استقرار القدرة الإنتاجية عند 12 مليون برميل.

طرح جديد

بعد أقل من 24 ساعة عن الإعلان السعودي، نقلت "بلومبرغ" عن أشخاص مطلعين أن الحكومة تدرس خططاً لإحياء طرح جديد لأسهم الشركة في فبراير، في صفقة من المرجح أن تصنف من بين أكبر الاكتتابات العامة عالمياً.

وقال الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المعلومات خاصة، إن المملكة تعمل مع مجموعة من المستشارين وتسعى إلى جمع ما لا يقل عن 40 مليار ريال (10 مليارات دولار) من بيع الأسهم في البورصة السعودية.

وقبل 4 سنوات، جمعت الحكومة السعودية نحو 30 مليار دولار من الطرح العام الأولي للشركة، والذي كان أكبر بيع للأسهم في العالم.

فلكشاهي أشار في هذا السياق إلى أن تأجيل خطط زيادة القدرة الإنتاجية يمكن أن يجعل الشركة أكثر "إغراءً" على المدى القصير والمتوسط.