قطاع توليد الكهرباء من الرياح يتعلم أسرار كبرى شركات النفط

التطورات المتلاحقة التي شهدها قطاع الطاقة المتجددة غرست فيه بذور التجديد على ما يبدو

مزرعة رياح بحرية
مزرعة رياح بحرية بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يجد قطاع الوقود الأحفوري في جميع الأزمات التي يمر بها مخاطر وفرصاً جديدةً في آن معاً، وهذا ما لم يتقنه قطاع الطاقة المتجددة.

أسس جون د. روكفلر شركة "ستاندرد أويل" (Standard Oil) عبر شراء مصافي التكرير المنافسة بأسعار تعادل قيمتة تسييل أصولها فيما كان يعمّ القطاع فرط في المعروض من المنتجات، ثم استغل سيطرته على عمليات المصافي لتحييد دورات الانتعاش والركود في التنقيب عن النفط أيضاً.

إن خسارة "بريتش بتروليوم" (BP) لاحتكار النفط الإيراني في انقلاب 1953 دفعتها لاستكشاف حقول نفط في ألاسكا وبحر الشمال، وهي التي عززت وضع الشركة لعقود. وكان من الأسباب الرئيسية لنشوء سوق النفط العالمية أن إغلاق قناة السويس، بعد حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، دفعت شركات الشحن لتطوير ناقلات نفط عملاقة بشكل غير مسبوق.

تكمن أدهى الحيل وراء تاريخ الاستمرارية هذا في الطريقة التي استخدمت بها الشركات لحظات ضعفها لتُخضع الحكومات لإرادتها. لقد رفعت دول الاتحاد الأوروبي الدعم الذي تقدمه للوقود الأحفوري بأكثر من الضعف إلى 123 مليار يورو (133 مليار دولار) في 2022 لتعويض زيادات التكلفة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

كما أصدرت بريطانيا أرصدة كربون إضافية للقطاع خلال العام الماضي، ما أدى إلى تراجع أسعار الأرصدة المحلية إلى نحو نصف نظيراتها في الاتحاد الأوروبي وخفّض التكاليف على شركات تلوث البيئة. في 2022، وعدت الحكومة الأميركية بشراء النفط لإعادة ملء احتياطيها الاستراتيجي عند كل تراجع في الأسعار إلى ما دون نطاق 67 إلى 72 دولاراً للبرميل، ما شجع الإنتاج المحلي عبر توليد قاع سعرٍ يحسدهم عليه منتجو الطاقة الآخرون.

إخفاق مستمر

يبدو أن قطاع توليد الكهرباء من طاقة الرياح ما يزال يتعثر في هذه اللعبة. في سبتمبر، أغلق مزاد في بريطانيا لتراخيص بناء مزارع رياح بحرية دون تقديم أي عطاءات بعدما حذّر المطوّرون من أن سقف أسعار الحكومة كان أخفض مما ينبغي، في ظل ارتفاع تكاليف المواد والتمويل.

بعد شهرين، تراجعت قيمة شركة "أورستيد" (Orsted) بأربعة مليارات دولار بعد أن ألغت مشروعين قبالة ساحل نيو جيرسي استناداً لتلك العوامل ذاتها. وخلال أسابيع من ذلك، اضطرت شركة "سيمنز إنرجي" (Siemens Energy) لأن تسعى لحزمة دعم قدرها 15 مليار يورو، نصفها من الحكومة الألمانية، بعد أن أثّرت خسائر في وحدة طاقة الرياح لديها على قدرتها في الفوز بعقود جديدة.

"الرياح" تعصف بأرباح "سيمنز" الفصلية وتكبدها 5 مليارات دولار

بالنظر إلى ما حدث، فإن هذه التطورات المتلاحقة قد غرست فيما يبدو بذور التجديد في القطاع. في نوفمبر، رفعت بريطانيا سقف أسعار مزادات مزارع الرياح البحرية 66%. وبعد شهر، أعلنت "أورستيد" أنها ستباشر العمل في مشروع "هورنسي 3" (Hornsea 3)، مستفيدة بذلك من القواعد الجديدة.

ستكون مزرعة طاقة الرياح البحرية، التي ستولّد 2.9 غيغاواط من الكهرباء، الأكبر في العالم بعد استكمالها في 2027، وكانت هناك توقعات كثيرة بأنها كانت تكاد تُلغى.

أخبار سارة

إن سوق مزارع الرياح البحرية بعيدة كل البعد عن الانهيار، إذ يبدو أنها تعيد ضبط نفسها عند أسعار تعكس تكاليف المطوّرين بشكل أفضل، وهو بالضبط ما يضغط القطاع لتحقيقه. في مزاد عُقد في يناير، أصدرت نيو جيرسي تراخيص بإجمالي بلغ 3.7 غيغاواط بسعر أعلى 23% من الرقم القياسي السابق، وفقاً لتقديرات أتين جاين، المحلل في "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس".

يبدو أن البشائر تتسع لتطال مصنّعي التوربينات أيضاً. قالت "جنرال إلكتريك" الأسبوع الماضي إنها تستهدف فصل وحدة الطاقة "فيرنوفا" (Vernova) التابعة لها في أبريل، ما يشير إلى وجود إقبال من جانب المستثمرين على مثل هذه الأسهم.

كيف استفادت "جنرال إلكتريك" من إخفاقات قطاع طاقة الرياح؟

رغم أن الخسائر في مزارع طاقة الرياح البحرية ما تزال تؤثر على وحدة الطاقة المتجددة التي تمثل نحو نصف نشاط "فيرنوفا"، فإن الهوامش تتحسن في مزارع طاقة الرياح البرية كما ارتفعت الطلبات 40%، وفقاً لسكوت سترازيك، الرئيس التنفيذي للوحدة.

كانت أسهم صانعة التوربينات "فيستاس ويند سيستمز" (Vestas Wind Systems) أبعد ما تكون عن الانهيار، إذ كانت من بين الأفضل أداءً في مؤشر بلومبرغ العالمي للطاقة خلال الفصل المنتهي في ديسمبر، متقدمة بقوة على كبريات شركات النفط ومتأخرة عن اثنين فقط من مطوري مزارع الطاقة الشمسية.

كتب رحمت بودينه، المحلل المتخصص في قطاع الكهرباء في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة، في مراجعة نُشرت حديثاً: "أثبت قطاع توليد الكهرباء من طاقة الرياح البحرية أنه قوي... هناك دوافع للتفاؤل".

دروس مهمة

وجوب أن يتعلم مطورو مزارع الرياح دروساً من كبريات شركات النفط، ليس أمراً مفاجئاً برمته. وعادةً ما تكون هذه الشركات هي ذاتها، إذ إن "بريتش بيتروليوم" و"إكوينور" و"توتال إنرجيز" من بين أكبر أقطاب قطاع توليد الكهرباء من طاقة الرياح، كما بدأت "أورستيد" نشاطها باستغلال احتياطيات الغاز في بحر الشمال عند الدنمارك.

ولشركات أخرى عديدة، مثل "إس إس إي" (SSE) و"آر دبليو إي" (RWE) و"فاتنفال" (Vattenfall)، جذور في مرافق الكهرباء المملوكة للدولة، وهي مجموعة شركات تتمتع بمهارات مشابهة في الاستحواذ على المال العام لمنفعة خاصة.

شركات توليد الكهرباء من الرياح تتأهب لمواجهة عاصفة عصيبة

مديرو المشروعات الهندسية الضخمة ليسوا أغبياء. إن الحصول على أفضل سعر مع الحكومة ما هو إلا جانب واحد صغير من كسب المال. تأتي الميزة الحقيقية من التعامل مع الشركات المتعاقدة من الباطن وتوقيت فترات التضخم والانكماش في السوق، لكي تتمكن من تحقيق أرباح عندما تزداد الهوامش، وتخرج مبكراً من المشروعات التي أُسيء تقدير أسعارها. من خلال دفع رسوم لإلغاء عقود الهامش القديمة، يستطيع مطورو مزارع الرياح البحرية أن يستفيدوا من مزيد من الفرص المربحة.

إن من يأملون بأن التحول إلى الكهرباء المولدة من الطاقة الخضراء من شأنه أن يعلن بدء عهد أقل تنافسية لمجال الطاقة قد يخيب أملهم. لكن من يأملون بأن ترجح كفة الطاقة المتجددة سيسعدون بأن يشهدوا ذلك.

إذا تحولنا إلى اقتصاد يتمتع بصافي انبعاثات صفري، فإن مستقبل الطاقة سيتحتم عليه أن يكون في كل ملامحه متميزاً كما كان ماضيه في استخدام سبل الضغط والهندسة المالية والسعي لتسخير القواعد التنظيمية الأنفع وتخطي تلك الأشد.