زهرة النفل من "فان كليف" تزيح سوار الحب من "كارتييه"

المجوهرات لم تعد حكراً على طبقة لا تجاوز 1% من المجتمع.. إن لم تصدقوا ذلك ما عليكم إلا أن تروا أدلة ذلك عبر "تيك توك"

مجوهرات "ألامبرا" من "فان كليف"
مجوهرات "ألامبرا" من "فان كليف" باتريك ماكمالان
Andrea Felsted
Andrea Felsted

Andrea Felsted is a Bloomberg Opinion columnist covering the consumer and retail industries. She previously worked at the Financial Times.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمكن سوار زهرة النفل رباعية الأوراق جالبة الحظ من "فان كليف إيه أربلز" (Van Cleef & Arpels) من احتلال مكانة سوار الحب من "كارتييه".

يتجه الشباب والشابات إلى "تيك توك" لاستعراض قطعة الحلي الجديدة التي تضم خمس قطع على شكل زهرة النفل مصنوعة من الأحجار الكريمة والذهب والألماس، ويبلغ سعر السوار الواحد منها نحو 5000 دولار.

لكن تلك الضجة عبر "تيك توك" لم تظهر بين عشية وضحاها، فقد استغرقت شعبية "فان كليف" 25 عاماً لتصل مبلغها، مع رعاية من مالكتها "سي فينانسير ريشمون" (Cie Financiere Richemont).

ويؤكد الرواج الهائل للسوار أن الحلي لم تعد تقتصر على فئة أثرى 1% من المجتمع. تستكشف مجموعة أكبر من المشترين في الصين والغرب سلعاً مثل سوار "ألامبرا" (Alhambra) بنفس طريقة سعيهم لاقتناء حقائب "لوي فيتون" قبل عقد.

قد يجعل ذلك ما يسمى "سلعاً فاخرةً لا تتأثر بمرور الزمن"، وهي بشكل عام ساعات ومجوهرات، أقوى مما كانت عليه في فترات التحول النزولي في الماضي. كما يفسر ذلك رغبة برنار أرنو، مؤسس "مويت هنسي لوي فيتون"، الشديدة في الاستحواذ على "فان كليف" و"كارتييه".

المصدر: بلومبرغ

صفقة رابحة

استحوذت "ريشمون" على "فان كليف" مقابل 310 ملايين يورو (336 مليون دولار) في صفقة على ثلاث مراحل بين 1999 و2003. في وقت شرائها الأولي لنسبة 60%، كانت "فان كليف"، التي تأسست في باريس في 1906، تخسر بقدر مبيعاتها. حققت الشركة نجاحاً كبيراً منذ ذلك الحين، بفضل النهج طويل الأمد الذي سلكه يوهان روبرت، رئيس مجلس إدارة "ريشمون" والمساهم المسيطر فيها.

"الزمن.. الطبيعة.. الحب".. معرض لدار "فان كليف آند آربلز" للمرة الأولى في السعودية

لا تفضّل "ريشمون" التطرق إلى "فان كليف"، لكنها أبلغت المستثمرين في 2022 أنها كانت ثاني أكبر مساهم في مبيعات قسم المجوهرات لديها بعد "كارتييه"، وحققت تدفقات نقدية حرة سنوية تبلغ نحو مليار يورو. رفع نشاط المجوهرات في "ريشمون" المبيعات 21% إجمالاً، كما حقق هامش تشغيل بلغ 34.9% في العام المنتهي في مارس 2023.

المصدر: بلومبرغ

تشكيلات متنوعة

لتحقيق النجاح في عالم المجوهرات، مهم أن تملك الشركة تشكيلات فردية قوية تتمتع بتصاميم وحرفية عالية الجودة ويمكن تحديثها بين حين لآخر. ينبغي أن يكون لهذه التشكيلات خصائص معينة تربطها بالعلامة التجارية. في حالة "فان كليف"، تلك الخصائص هي الأنماط الملونة والمرحة، وأشهرها هو زهرة النفل رباعية الأوراق التي ظهرت للمرة الأولى باسم "ألامبرا" في 1968.

حين استحوذت "ريشمون" على "فان كليف"، لم تكن هناك سوى تشكيلة واحدة من "ألامبرا". أما الآن، فهناك ست تشكيلات مختلفة لدى العلامة التجارية، بما فيها "لاكي" (Lucky)، التي تضم قطعاً على شكل قلوب وفراشات، و"بيزانتاين" (Byzantine) التي تضم قطعاً على شكل زهرة النفل مصنوعة من ذهب مصمط ومفرغ. أضافت الشركة أيضاً تشكيلات أخرى إلى جانب "ألامبرا"، منها "بيرلي" (Perlee) ذات الخرز الذهبي الدقيق، و"فريفول" (Frivole) التي تتميز ببتلات أزهار على شكل قلوب.

جعلت تلك الاستثمارات "فان كليف" محط أنظار فوراً. يكشف المعصم المغطى بأساور من العلامة التجارية عن منزلة صاحبه على الفور. وفي الصين، تؤمن الشابات بأن القطع الخمس ذات اللون الأحمر رموز قوية للحظ الجيد، وفقاً لشركة التحليلات "لوك لوك" (LookLook).

كيف أصبحت الصين محركاً لنمو مبيعات السلع الفاخرة؟

لكن ثمّة سبب آخر وراء تزايد ظهور مقاطع فيديو يفتح فيها أصحابها علب مجوهرات "فان كليف" على "تيك توك".

تحول السوق

طوال ثلاثة عقود، تحولت سوق الحقائب الفاخرة تدريجياً من النخبة إلى المستهلكين العاديين، ولاقت رواجاً هائلاً قبل عشرة إلى 15 عاماً بعد أن صممت علامات تجارية منها "مويت هنسي لوي فيتون" و"سيلين" (Celine) عدداً كبيراً من حقائب اليد التي لاقت شعبية هائلة وأصبحت الأكثر مبيعاً.

واليوم، يحدث الشيء نفسه مع السلع الفاخرة التي لا تتأثر بمرور الزمن. فيما يتجه المستهلكون للابتعاد عن الأحذية الرياضية والسلع المصنوعة من الجلد، تمتعت الساعات بموجة ازدهار غير مسبوقة، فيما بدأت المجوهرات تصل إلى جمهور أكثر تنوعاً وأصغر سناً.

بدأ الأمر بسوار الحب من "كارتييه"، الذي اشتهر على معاصم الأخوات كارداشيان في العقد الثاني من الألفية. ثم استحوذت "مويت هنسي لوي فيتون" على شركة المجوهرات الأميركية الشهيرة "تيفاني آند كو" (Tiffany & Co) في 2021 واختارت المغنيين بيونسيه وجيه زي واجهةً للعلامة التجارية.

في العام الماضي، كشفت الشركة النقاب عن تجديدات بملايين الدولارات في متجرها في الجادة الخامسة في نيويورك. أما في السوق الاستهلاكية، تطرح "باندورا" (Pandora) الألماس لشراة تعليقات الأساور عبر تبنّيها للألماس المُصنع.

"باندورا" تستقيل من عضوية "مجلس المجوهرات المسؤول" بسبب روسيا

ويصف بيرال دادهانيا، المحلل في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، هذه الظاهرة بأنها "تفتح سوق المجوهرات أمام جمهور أوسع".

المصدر: بلومبرغ

هذا إلى جانب أن التحول مدفوع أيضاً بالأسعار الباهظة المفروضة على السلع المصنوعة من الجلد على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. فيما تتراوح أسعار عديد من الحقائب اليوم بين 3000 و5000 دولار (أو أكثر كثيراً في بعض الحالات)، تبدو المجوهرات أكثر جاذبية.

لطالما احتفظت قطع المجوهرات بقيمتها لفترات طويلة، كما أن الأسعار المرتفعة لإعادة بيع منتجات "فان كليف" عامل جذب آخر للشراة الأميركيين ذوي الإنفاق العالي، وفقاً لـ"لوك لوك".

المصدر: بلومبرغ

ما يساعد أيضاً هو أن المجوهرات التي تطرحها العلامات التجارية ما تزال تمثل جزءاً ضئيلاً نسبياً من السوق، وتشير تقديرات "باين آند كو" (Bain & Co) إلى أن قيمة ذلك الجزء تقدّر بنحو 29 مليار يورو في 2023 من إجمالي سوق المجوهرات الفاخرة البالغة قيمتها 165 ملياراً إلى 168 مليار يورو.

يعني ذلك أن ثمّة مجالاً كبيراً أمام عمالقة المجوهرات. كما أن هنالك مساحة لزيادة الهوامش في ضوء أن زيادات أسعار المجوهرات كانت أقل من زيادات أسعار السلع المصنوعة من الجلد.

المصدر: بلومبرغ

مسيرة المجوهرات

بالنسبة لـ"ريشمون"، يكمن الخطر في أن ينتشر سوار زهرة النفل من "فان كليف" على نطاق واسع. رغم أن سعر السوار الواحد 5000 دولار، وفيما ترفع الشركة طاقتها الإنتاجية لمواكبة الطلب، فإن التعامل مع ذلك الخطر يبدو ممكناً.

حتى لو تلاشى الإقبال على منتج "فان كليف"، فإن "ريشمون" لديها علامات تجارية أخرى مستعدة لمواصلة مسيرة المجوهرات. رغم انحسار جانب من الهوس بسوار الحب، فإن "كارتييه" تحقق نجاحاً، إذ تفوق أداء ساعاتها في السوق الثانوية، وفقاً لمنصة الأبحاث "واتش تشارتس" (WatchCharts).

في تلك الأثناء، عاد الرواج إلى "بياجيه" (Piaget) من جديد. حتى الآن، انصبّ الاهتمام بشكل أساسي على الساعات مع إعادة إصدار ساعة "بولو 79" (Polo 79) المصنوعة من الذهب، لكن الشركة لها تراث غني في المجوهرات يجدر بـ"ريشمون" استغلاله.

تشاؤم تجاه أسهم شركات السلع الفاخرة مع زيادة التحذيرات

في 2019، استحوذت "ريشمون" على شركة المجوهرات الإيطالية "بوتشيلاتي" (Buccellati)، المملوكة جزئياً لعائلة، مقابل 230 مليون يورو. كانت الشركة تمنى بخسائر مثل "فان كليف". لكن ما لم يكن معتاداً هو أن الشركة كان لديها فعلاً عدد من التصاميم التي تتمتع بشعبية، مثل "تول" (Tulle) التي تتميز بأشكال الدانتيل المتداخلة. وعلى النقيض من العلامات التجارية الأخرى التابعة لـ"ريشمون"، تقدم "بوتشيلاتي" قطع المجوهرات المصنوعة من الفضة، مثل بعض التصاميم لأوراق الشجر والأزهار بأسعار تبلغ 1000 دولار أو أقل.

ليس صعباً أن نرى "ريشمون" تستغل سحرها في كل من "بياجيه" و"بوتشيلاتي". إن استطاعت الشركة أن ترسخ وضع "بوتشيلاتي"، التي بدأت تحقق نجاحاً فعلاً، كبديل لـ"ألامبرا" أكثر معقولية من حيث الأسعار، فإن ذلك سيزيد بريق الشركة.