خافير بلاس: استراتيجية قطر في الغاز تهدف للإطاحة بالفحم

الدولة الخليجية تسعى إلى استغلال تحول الطاقة من خلال تعزيز إنتاج الغاز الطبيعي المسال

جرافة تُحمّل شاحنة بالفحم في منجم ويتشوريك للفحم في كاتوفيتشي، بولندا (صورة أرشيفية تعود لعام 2004)
جرافة تُحمّل شاحنة بالفحم في منجم ويتشوريك للفحم في كاتوفيتشي، بولندا (صورة أرشيفية تعود لعام 2004) المصدر: غيتي إيمجز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سيصبح التحول في مجال الطاقة، في النهاية، معركة تقتصر على فائز واحد، حيث يعني انتصار مصدر طاقة ما خسارة آخر. المواجهة البارزة تجري بين مصادر الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري. ولكن، حتى داخل معسكر الوقود الأحفوري نفسه، يجري صراع على السيادة بين الغاز الطبيعي والفحم. وهناك دولة تسعى إلى قلب الموازين لصالح الأول.

يطلق أنصار الغاز عليه وصف "وقود الجسر" أو نقطة انطلاق تسمح للعالم بإزالة الكربون من عملية توليد الكهرباء عبر استبدال محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بأخرى تُدار بالغاز.

عائقان أمام القضاء على الفحم

على الرغم من التحديات التي يفرضها تسرب غاز الميثان، يواجه الغاز عقبتين رئيسيتين في سبيل إزاحة الفحم عن عرشه: التكلفة والتوفر العالمي. الفحم، بفضل سعره المنخفض وتوافره الواسع في العديد من البلدان النامية، يبقى خياراً جذاباً. في المقابل، يتطلب الغاز الطبيعي استيراده في صورته السائلة، وقد شهدت تكلفته ارتفاعاً شديداً في العامين الأخيرين عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

لا يُعد من المستغرب أن تعيد دول آسيوية مثل بنغلاديش وباكستان وتايلند النظر في قراراتها السابقة حول الغاز الطبيعي المسال، الذي كان يُنظر إليه ذات مرة كخيار اقتصادي ومتاح لتقليل الانبعاثات الكربونية. في الوقت ذاته، زادت كل من الصين والهند، اللتين تشكلان معاً حوالي ثلث سكان العالم، من اعتمادهما على الفحم خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس الأولويات لديهما لأمن الطاقة. هذا التوجه ساهم في بلوغ استهلاك الفحم أعلى مستوياته على الإطلاق العام الماضي.

بعد المشاريع الجديدة.. هل تهيمن قطر على سوق الغاز المسال عالمياً؟

بالنسبة إلى قطر، فهي تعوم فوق احتياطيات من الغاز الطبيعي قيمتها تريليونات الدولارات. صحيح أن قطر قد تكون غنية بالوقود الأحفوري، لكن من المفارقة أن لديها مصلحة راسخة في إنجاح تحول الطاقة؛ اعتماداً على مفهومنا حول ما هو الانتصار. وبالنسبة إلى قطر -والعديد من اللاعبين الآخرين في معسكر السياسة الواقعية في مناقشات الطاقة والمناخ- فإن النجاح سيتعلق في المقام الأول باستبدال الغاز بالفحم.

طموح قطري جارف

في ضوء هذا المشهد، يصبح من الواضح لماذا تسعى قطر، التي تحتل المرتبة الثالثة عالمياً كمصدّر للغاز الطبيعي المسال، إلى تعزيز دورها في السوق العالمية من خلال توسيع قدرتها الإنتاجية بشكل كبير، حتى في ظل اعتقاد الكثيرين بأن هذا قد يؤدي إلى تخمة في العرض. وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، أوضح أسباب هذا النهج الطموح في 25 فبراير بقوله: العائق الوحيد الذي قد يمنعنا من الإعلان عن المزيد من المشاريع هو عدم الثقة في وجود سوق لها.

قطر تطلق مشروعاً لزيادة إنتاج الغاز وسط تعليق أميركا الصادرات

بعد شهر فقط من قرار الإدارة الأمريكية بتعليق الموافقات على مشاريع الغاز الطبيعي المسال المحلية، أعلنت قطر عن مشروعها لزيادة الإنتاج، مما دفع بعض المحللين للتكهن بأن الدوحة قد تستغل الوضع الأمريكي. شخصياً، لا أرى الأمر بهذا الشكل.

يشير الواقع إلى أن قطر تعير اهتماماً كبيراً للتغيرات الجارية في آسيا وتستجيب لها بفعالية. ما لا تعلنه قطر بشكل مباشر، لكن يمكن للمراقبين استنتاجه، هو أنها بإغراق السوق بالغاز الطبيعي المسال، تهدف إلى جعله متوافراً ومقبول التكلفة بما يكفي لتحفيز الطلب. باختصار، تسعى قطر لطمأنة الدول الآسيوية بأنها يمكن أن تعتمد على الغاز كوسيلة انتقالية نحو التخلص من الفحم، دون المخاطرة بالاستقرار المالي أو أمن الطاقة.

إعادة كتابة قواعد اللعبة

قطر تتميز حالياً بقدرتها على تصدير ما يقارب 77 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، مما يضعها في المرتبة الثالثة عالمياً كأكبر مورد بعد الولايات المتحدة وأستراليا. حتى قبل أيام قليلة، كانت الدوحة تسعى لزيادة طاقتها الإنتاجية بنسبة 60% لتصل إلى 126 مليون طن. وإضافة إلى التوسعات المتوقعة في الولايات المتحدة، كان من المنتظر أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة المعروض في سوق الغاز الطبيعي المسال. ولكن، في 25 فبراير، أعلنت قطر خططاً لزيادة إنتاجها بشكل كبير، مستهدفة رفع طاقتها الإنتاجية بنسبة 85% لتصل إلى 142 مليون طن بحلول عام 2030. ويمكن تلخيص وجهة نظر المشاركين في الصناعة تجاه الزيادة المخطط لها بأنها "كمية هائلة".

قطر تراهن على الغاز المسال وتتطلع لصفقات طويلة الأجل

قطر لا تغرق سوق الغاز بالمعروض فحسب؛ بل تقوم أيضاً بإعادة تشكيل الأسس التي تقوم عليها آلية بناء مرافق تصدير الغاز الطبيعي المسال. بخلاف الممارسات السائدة، حيث تعتمد الدول المصدرة للغاز على توقيع عقود طويلة الأجل مع المشترين قبل الشروع في تمويل وبناء المشاريع، تتخذ قطر نهجاً مغايراً بالمضي قدماً في هذه العملية دون الاعتماد على أي عقود مسبقة، مستثمرة مبالغ ضخمة في بناء المرافق والبحث عن مشترين لإنتاجها في مرحلة لاحقة. يمكن لقطر، باعتبارها دولة ذات سيادة تتمتع بميزة كونها المنتج الأقل تكلفة، أن تتبنى استراتيجية طويلة الأمد للنظر إلى السوق، وهو ما يعد مفيداً في تعزيز موقعها التنافسي.

هل تنجح قطر؟

لا يقاس معيار النجاح بأسعار الغاز، بل بحجم الإنتاج. من الجلي أن قطر، بانسحابها من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في عام 2019، تعمل على توسيع نطاق سوق الغاز حتى على حساب انخفاض الأسعار. في آسيا، شهدت أسعار الغاز الطبيعي المسال القياسية انخفاضاً إلى أقل من 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية من أعلى مستوياتها البالغة 70 دولاراً في منتصف عام 2022.

قطر تطلق مشروعاً لزيادة إنتاج الغاز وسط تعليق أميركا الصادرات

بالنسبة لدولة تزخر بالغاز، فإن السيناريو الأقل ملاءمة يتمثل في أن تجدد ذكريات نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة الدعوات لتقليص الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال، مع استمرار الدول في الاعتماد على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة وفي الوقت نفسه تقوية إمكاناتها في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلى الرغم من أن هناك انقسامات في الآراء حول استخدام الغاز الطبيعي المسال كحل وسطي في مكافحة أزمة المناخ، إلا أن استبدال كل قطعة من الفحم بالغاز يمثل تقدماً ملموساً لصالح البيئة، مما يبرز الأهمية العالمية لنجاح استراتيجية قطر.