موناكو: الوجه الآخر للرفاهية بين حكم راسخ وظلال فساد

تواجه موناكو أزمة بعد فتح الشرطة تحقيقاً بالأنشطة التجارية لابنَي شقيقة الأمير ألبير وإقالة أحد المستشارين القدماء في القصر

قصر أمير موناكو في أعلى اليسار مطلاً على ميناء فونتفيل
قصر أمير موناكو في أعلى اليسار مطلاً على ميناء فونتفيل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

موناكو، التي بات اسمها مرادفاً للترف، هي إحدى أصغر وأثرى دول العالم وتحظى بسمعة أنها "بقعة مشمسة لأناس اعتادوا التخفي في الظل"، وهي عبارة وصفها بها الكاتب و. سمورسيت موغام. كما تشتهر الإمارة بأن الأسرة المالكة ذاتها تحكمها منذ سبعة قرون.

كشف تقرير من "بلومبرغ بزنيسويك" (Bloomberg Businessweek) أنه غالباً ما تمنح حكومة الأمير ألبير الثاني معاملة تفضيلية لابنَي شقيقته أندريا وبير كاسيراغي ليحظيا بعقود مربحة في مسقط رأسيهما. وفيما ينفي أعضاء العائلة المالكة ارتكاب أي مخالفات، انزلقت موناكو في الآونة الأخيرة نحو أزمة سياسية عميقة عقب إقالة أحد المستشارين القدماء في القصر وفتح الشرطة تحقيقاً في أنشطة الشقيقين. في غضون ذلك، ترتقب البلاد تقريرين سيصدران عن منظمتين دوليتين تنظران في قضايا الفساد وتبييض الأموال.

أدناه خمس نقاط أساسية من تحقيق "بلومبرغ بزنيسويك":

حكومة موناكو ترسي عقوداً كثيرة على ابنَي شقيقة الأمير

لدى إمارة موناكو برلمان وحكومة، إلا أن الأمير ألبير، نجل الأمير الراحل رينيه الثالث وزوجته غريس كيلي، هو مركز السلطة في الدولة الصغيرة. منذ أن كانت أعمار أندريا وبيير، ابنا شقيقة ألبير، 25 و21 عاماً على التوالي، بدآ يعملان على ترك بصمة في مسقط رأسيهما.

حسب الموقع الإلكتروني لشركة كاسيراغي العقارية، فقد منحتها الحكومة "أهم المشاريع العامة التي نُفذت في إمارة موناكو". وفي سنواتها الأولى، حصلت الشركة على عقود لا تقلّ قيمتها عن 55 مليون يورو (60 مليون دولار) لإعادة بناء نادي اليخوت وتوسيع الحاجز البحري عند ميناء لا كوندامين وتشييد مساكن بدعم حكومي للسكان المحليين وغيرها من المشاريع.

تدخلت العائلة المالكة لصالح الأخوين كاسيراغي أكثر من مرة

بعد الفوز بعدة عقود حكومية، بدأ الأخوان كاسيراغي بالتوسع، واعتمدا على حكومة خالهما للمساعدة. كانت صفقتهما الأولى الكبرى تتعلق ببناء مشروع سكني فخم على مقربة من كازينو مونتي كارلو الشهير.

إلا أن الأخوين احتاجا للمساعدة قبل أن يتمكنا من بدء العمل على المشروع، فأوفد الأمير ألبير أحد أقرب مستشاريه، المحاسب كلود بالميرو، لإقناع مطوّر عقاري آخر بالتنازل عن دعوى قضائية تهدف لمنع إقامة مبنى كاسيراغي، بحسب بعض مدونات تعود إلى ذلك التاريخ حصلت عليها الشرطة واطلعت عليها "بلومبرغ بزنيسويك". وقد وُعد المطوّر العقاري المنافس بأن يضغط الأمير على حكومته من أجل منح شركته معاملة تفضيلية في المستقبل مقابل تعاونه. ومنحت إدارة موناكو بعدها مشروع الأخوين استثناءً مكّنهما من تشييد مبنى يرتفع أكثر بثلاث مرات من المبنى الذي كان مكانه سابقاً.

في صفقة أخرى من شأنها أن تزيد مساحة موناكو من خلال ردم البحر، كان الأمير قلقاً من مشاركة ابنَي شقيقته في المشروع، ولكن أمهما الأميرة كارولين توسطت لدى شقيقها الأصغر الأمير ألبير، وحصل ابناها في نهاية المطاف على حصة في المشروع.

كم تحتاج للانضمام إلى طبقة 1% الأغنى في العالم؟

تحقيق الشرطة بشأن خط طيران المروحيات بين موناكو ونيس

أرست حكومة موناكو عقداً على شركة كاسيراغي لتشغيل خطّ مروحيات تجاري حصري للركاب الذين يسافرون بين موناكو وأقرب مطار دولي في مدينة نيس الفرنسية. إلا أن هذا العقد يخضع للتحقيق اليوم بعد أن جمعت الشرطة مئات السجلات التي تظهر أن مديراً تنفيذياً من شركة كاسيراغي تواصل سراً مع مسؤول في موناكو قبل سنة من فتح الباب أمام تقديم العطاءات للفوز بالحق بتشغيل الخط الجوي. وقد منح ذلك الشركة أفضلية على منافسيها واطلاعاً على تفاصيل محددة حول ما ستحتاجه للفوز. حاول الأمير ألبير احتواء تداعيات ذلك، فأوفد مستشاره بالميرو من أجل تقديم عرض مالي للشركة الخاسرة. إلا أن ممثلي الشركة رفضوا الأموال وتقدموا بدعوى جنائية.

مستشار موثوق يغدو عدواً للقصر

كان بالميرو أحد المساعدين المقربين جداً من الأمير ألبير، ومسؤولاً عن حسابات العائلة. وقد كلّفه الأمير بالتدخل في قضيتَي المبنى السكني ومفاوضات خط المروحيات، بحسب الوثائق.

من نيويورك إلى باريس.. أين يعيش أغنياء العالم؟

في نهاية عام 2021، نشر قراصنة رسائل إلكترونية تعود إلى بالميرو وغيره من الأشخاص شكلت أساساً للعديد من التقارير الإخبارية التي تصدرت عناوين الصحف في موناكو وفرسا. تزعم الرسائل أن بالميرو استخدم هو وغيره مناصبهم ليتدخلوا لصالح شركات تطوير عقاري، وقد نفى هؤلاء الأشخاص تلك المزاعم.

حثّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأمير ألبير على معالجة المسألة، بحسب شخصين مطلعين طلبا عدم الكشف عن اسميهما لأنهما غير مخولين بالحديث عن شؤون الدولة. أقال الأمير حينها بالميرو، ما تسبب بمواجهة حادة بين الطرفين، حيث اتهمت العائلة الأميرية بالميرو بإساءة إدارة أموالها، فيما رفع الأخير دعوى أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية للطعن في إقالته. وقد ردّ على ادعاءات العائلة الأميرية بوصفها "مشينة وظالمة وغير حقيقية".

تحقيق آخر يهدد اقتصاد البلاد

تجري "مجموعة العمل المالي" (فاتف)، وهي منظمة دولية تحقيقاً حول تقصير موناكو في التحقيق بجرائم مالية لذوي ياقات بيضاء وفي ملاحقتهم قضائياً. وقد تُقرر أن تدرج الإمارة على ما يُعرف باسم "القائمة الرمادية" للدول التي يتعين تشديد المراقبة عليها، ما يضعها في خانة دول مثل هايتي وسوريا وغيرها من دول متجهة للإخفاق. من شأن ذلك أن يؤثر على تدفق رؤوس الأموال إلى موناكو ويخضع الشركات والمستثمرين هناك إلى مزيد من التدقيق.

كانت مجموعة أخرى من المحققين سبق أن وجدت فجوات في الدفاعات التي تعتمدها موناكو ضد غسيل الأموال، فيما الإطار الذي تعتمده البلاد لمكافحة الفساد هو قيد المراجعة. على سبيل المثال، رفضت الإمارة أكثر من نصف طلبات ترحيل مطلوبين وردتها من حكومات أجنبية، بحسب المحققين، ووضعت "عراقيل كبرى وغير عادية" حين طلبت دول أخرى مساعدة في قضايا تتعلق بالمدينة الدولة.

يقول الأمير ألبير إنه طالب بلاده بتحسينات على هذا الصعيد.