طموحات النمو في الصين تهدد مكاسب المناخ العالمية

تسلق سلم التنمية بكل ما يتطلبه من مصانع الصلب والأسمنت والمصانع والطرق والسيارات والطائرات يستهلك كثير من الكربون

محطة كهرباء ووجينغ في شنغهاي، الصين
محطة كهرباء ووجينغ في شنغهاي، الصين المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

صدرت بيانات انبعاثات الكربون لعام 2023 للتو، لكن بإمكاننا بالفعل التنبؤ باتجاه الأمور هذا العام.

أفادت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي أن التلوث الناتج عن الاحتباس الحراري العالمي سجل رقماً قياسياً جديداً وارتفع بنسبة 1.1% العام الماضي. ومعظم هذه النتيجة كان بسبب الصين تقريباً. فلو أبقت بكين ميزانية الكربون الخاصة بها ثابتة، أو خفضتها على غرار الدول مرتفعة الدخل الأخرى التي وصل التلوث لديها الآن إلى أدنى مستوياته منذ 50 عاماً، لتقلصت البصمة المناخية العالمية بنحو 155 مليون طن متري، بدلاً من زيادتها بـ410 ملايين طن.

إذا كنت تريد معرفة كيف تسير الأمور هذا العام، يمكنك النظر إلى خطة النمو التي قدمها مجلس الشعب الوطني الصيني. فهدف النمو بنسبة 5% في 2024 الذي أعلنت عنه البلاد يوم الثلاثاء ويعد تكراراً لهدف العام الماضي لا يتضمن على الإطلاق التصدي لارتفاع الانبعاثات العالمية لكنه يضع صعوبات في الطريق المتبع لتجنب زيادتها.

هدف الصين المتفائل للنمو بـ5% يفتقر إلى "خطة محددة"

وهذا لأن البصمة الكربونية لبلد ما يمكن تلخيصها في ثلاثة عوامل، وهي النمو الاقتصادي، وكثافة استهلاك الطاقة ضمن هذا النمو، والكثافة الكربونية في تلك الطاقة. وكان أداء الصين أسوأ بكثير من المعتاد في هذه العوامل الثلاثة، والسبب الرئيسي في ذلك هو طريقة اتخاذ المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني للسياسات التوجيهية.

هناك طريقة للنظر في العلاقة بين التلوث والنمو الاقتصادي وهي السؤال عن عدد أطنان الغازات الدفيئة اللازمة لإنتاج مليون دولار من الناتج الاقتصادي. وعلى الرغم من عقود من التحسن التدريجي، فإن هذا الرقم يبلغ نحو 462 طناً في الصين، وهو يعادل تقريباً ضعف رقم الولايات المتحدة البالغ 246 طناً، وما يقرب من أربعة أضعاف رقم الاتحاد الأوروبي البالغ 137 طناً.

سلم التنمية في الصين

الجزء الأكبر من هذه الغازات الدفيئة يعود إلى مسألة التنمية. فعلى الرغم من أن الصين على وشك بلوغ مستويات الدول الغنية من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها كانت دولة منخفضة الدخل منذ جيل تقريباً. ولا شك أن تسلق سلم التنمية، بكل ما يتطلبه الأمر من مصانع الصلب والأسمنت والمصانع والطرق والسيارات والطائرات، يستهلك الكثير من الكربون. ومع ذلك، يزيد مستوى الكربون في الصين بنسبة 60% عن نظيره في الهند البالغ 284 طناً، والذي يعتبر المتوسط العالمي تقريباً، بالتالي فإن الصين تمثل استثناءً واضحاً.

الصين مهددة بفقدان أهدافها الرئيسية للطاقة والمناخ لعام 2025

إذا جمعنا هذه الأرقام مع هدف النمو الاقتصادي، فسيكون بإمكاننا بالفعل رؤية أن الصين لن تبلغ ذروة التلوث هذا العام ما لم يصبح اقتصادها أكثر كفاءة في تحويل الكربون إلى نمو.

مثل هذا المسار يبدو غير مرجح، خاصة أن الصين لا تستهدف كثافة انبعاثاتها الكربونية بشكل مباشر، لكن المقياس وثيق الصلة بكثافة الطاقة خُفض تصنيفه إلى دون ما كان يتوقعه العديد من المحللين. وبعد فشل الصين في تحقيق هدفها المتمثل في خفض استهلاك الطاقة بنسبة 2% خلال العام الماضي، أعلنت عن هدف طموح آخر لعام 2024 يوم الثلاثاء وهو 2.5% فقط، وهذا أضعف بكثير من نسبة التشديد البالغة 4% التي توقعتها "إيه إن زد غروب هولدينغز" (ANZ Group Holdings).

ربما يعتبر بعض المستثمرين، الذين يسترجعون ذكريات متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.8% المسجل منذ 1990، هدف النمو البالغ 5% أمراً مخيباً للآمال. لكن في الحقيقة، ستضطر الحكومة لتعزيز جهودها لتحقيق نمو بهذه السرعة. وكان البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي يتوقعان نمواً بنسبة 4.5% لهذا العام، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي متوسط نمو قدره 4% خلال الخمسة أعوام حتى 2027. ويقول مايكل بيتيس، أستاذ المالية في كلية غوانغهوا للإدارة بجامعة بكين، إن معدل النمو يجب أن يتراوح بين 2% و3%.

تحسين كفاءة استهلاك الكربون

هذه المستويات المنخفضة ستكون كافية لبلوغ الانبعاثات الكربونية في الصين ذروتها، لكن هذا لن يحدث بوتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي المقررة لهذا العام. ولتقليل انبعاثاتها، ستحتاج الدولة إلى تحسين كفاءة استهلاك الكربون لتقترب من أسرع مستوى سُجل منذ تولى الرئيس شي جين بينغ مقاليد الحكم.

الصين تستهلك وقوداً أحفورياً أكثر في 2023 رغم جهود التحول الأخضر

ربما يبدو هذا المنظر المحبط مفاجئاً عند مقارنته بحقيقة أن الصين أنشأت حوالي ثلاثة أخماس إجمالي توربينات طاقة الرياح ونفس الحصة تقريباً من الطاقة الشمسية حول العالم خلال العام الماضي. تعد الطاقة النظيفة التي تولدها هذه المعدات كابحاً هائلاً لانبعاثات البلاد، لكنها ليست قوية بما يكفي للتغلب على تأثير هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي، خاصة عندما يكون تصنيع المعادن والزجاج لكل هذه التكنولوجيا النظيفة الجديدة مساهم رئيسي في البصمة الكربونية المتنامية للصين.

البنية الاقتصادية للصين

تكمن المشكلة الأساسية في البنية الاقتصادية. ففي معظم الدول، خاصة تلك الغنية نسبياً مثل الصين، يسبق نمو الناتج المحلي الإجمالي زيادة استهلاك الطاقة. تضع الحكومة والبنك المركزي القواعد الأساسية للعرض والطلب، ويستجيب النشاط الاقتصادي بشكل طبيعي، والنتيجة تكون استهلاك الطاقة ورقم الناتج المحلي الإجمالي.

يبدو أن الصين تتبع أسلوباً معاكساً، إذ يحدد المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني هدف الناتج المحلي الإجمالي واستهلاك الطاقة، ويحدد المسؤولون الإقليميون النشاط لتحقيق النتيجة المرجوة. فمن السهل التحكم في الصناعات الثقيلة الملوثة، لذا يُعتمد عليها كأداة لإدارة الطلب بنفس الطريقة التي تعتمد بها الدول الأخرى على أسعار الفائدة للبنوك المركزية.

صعود قياسي لانبعاثات الكربون رغم انتشار الطاقة المتجددة

أولى كبار المسؤولين في بكين اهتماماً كبيراً لخططهم الرامية لجعل بلادهم ليست غنية فقط، بل أيضاً نظيفة ومستدامة، حيث يسعون لـ"بناء صين جميلة" وتشجيع "التناغم بين الإنسان والطبيعة"، على حد ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية عن تصريحات شي في مؤتمر داخلي العام الماضي.

من المحتمل بشكل متزايد أن تفشل تلك الطموحات، كما قال مركز بحوث الطاقة والهواء النظيف، وهو مركز أبحاث لشؤون المناخ، الشهر الماضي. إذ يبدو أن إصرار بكين على التركيز على تحقيق نتائج تتعلق بالمناخ، فيما تكتفي الحكومات الأخرى بالحديث الفارغ، مجرد مزيداً من الأكاذيب بمرور الأعوام. فالدولة التي لا تستطيع السيطرة على إدمانها على الكربون لا يمكن الوثوق بها كدولة رائدة في مجال المناخ.