منتجعات ما بعد الولادة تجذب أثرياء أميركا

المراكز الجديدة تقدم خدمات للأمهات والآباء الجدد ممن يبحثون عن بديل للتعافي في المنزل بعد الولادة

في مركز "بورام بوتسناتال ريتريت" في مدينة نيويورك، تتلقى أم جديدة إرشاداً من عاملة في المركز
في مركز "بورام بوتسناتال ريتريت" في مدينة نيويورك، تتلقى أم جديدة إرشاداً من عاملة في المركز المصدر: بورام بوتسناتال ريتريت
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بمجرد أن وضعت أيرا ريدونديز مولودها في مطلع ديسمبر، وقد أبصر النور قبل موعد ولادته المفترض بخمسة أسابيع، ذهبت من فورها إلى مركز "فيلدج بوستناتال ريتريت" (Village Postnatal Retreat Center) في سان فرانسيسكو.

تلقّت ريدونديز، التي تعمل في مجال الموارد البشرية في شركة برمجيات ناشئة، خلال الليالي الست التي أمضتها فيه تدريباً على الإرضاع وتعلمت كيفية إنعاش الرضع الذين يتعرضون لتوقف التنفس أو القلب، كما حصلت على جلسة تدليك.

كما انضم إليها زوجها في المنتجع، حيث تمكنا من الاستغراق بالنوم طوال الليل فيما كان ابنهما يبيت في غرفة رعاية المواليد التي تقع في نهاية الردهة المجاورة وتخضع لإشراف متخصصين. وتمكنا من العودة إلى المركز بعد أن اضطرا للمغادرة ليصطحبا رضيعهما إلى مشفى في منتصف مدة إقامتهما حين عانى من بعض المضاعفات.

في ردهة الأطفال الرضع داخل مركز "فيلدج بوستناتال ريتريت سنتر" في سان فرانسيسكو، هناك أسرّة أطفال هزازة جاهزة لحديثي الولادة
في ردهة الأطفال الرضع داخل مركز "فيلدج بوستناتال ريتريت سنتر" في سان فرانسيسكو، هناك أسرّة أطفال هزازة جاهزة لحديثي الولادة المصدر: بلومبرغ

قالت ريدونديز: "مهم جداً أن تعلم أنك لست وحدك وأن تحصل على مثل هذا الدعم. بالنسبة لي، هذا لا يقدّر بثمن".

فكم كانت تكلفة هذه التجربة؟ نحو 6300 دولار، وهو ثمن يفوق بكثير مقدرة الأسر الأميركية المتوسطة. لكن مزيداً من المنتجعات الفاخرة لرعاية النفساوات تُفتتح في أنحاء الولايات المتحدة، وتجد زبائناً بين الأمهات الجدد من الطبقة الثرية الباحثات عن بديل للتعافي من النفاس في المنزل.

تستفيد تلك المؤسسات الناشئة من الندرة النسبية لخدمات الدعم لمرحلة ما بعد الولادة في الولايات المتحدة، كما أنها تسلط الضوء على فجوة في إتاحة تلك الخدمات.

رعاية متخصصة

تتلقى الأمهات الجدد ثلاث وجبات يومياً في غرفهن ودعماً على مدار الساعة في الإرضاع الطبيعي، إضافةً لتدريب عملي على مهارات رعاية الأطفال مثل تقميط الرضع وغسلهم وذلك لقاء 1050 دولاراً في الليلة في مركز "بورام بوستناتال ريتريت" (Boram Postnatal Retreat) في مدينة نيويورك، .

وتسهّل الأسرّة الخاصة بالمستشفيات نقل المواليد الجدد بين غرف آبائهم والحضانة، فيما تتيح الكاميرات الموجهة نحو كل رضيع للأب والأم متابعة طفلهما من خلال شاشة.

مصنعو منتجات رعاية الأطفال يعانون أثر تراجع إنجاب الأميركيات

يمكن لنزلاء "سانو بوستناتال ريتريت" (Sanu Postnatal Retreat) في تايسونز بولاية فرجينيا، قرب واشنطن العاصمة، أن يمكثوا لما يبلغ 12 أسبوعاً للتعافي والتعلم مقابل 1045 دولاراً لليلة واحدة.

كما يستقبل مركز "أهما آند كو" (Ahma & Co) الآباء بفريق من الدايات والمعالجين والمتخصصين في رعاية حديثي الولادة مقابل 1650 دولاراً لليلة الواحدة اعتباراً من 15 مارس في "والدورف أستوريا مونارك بيتش ريزورت آند كلَب" (Waldorf Astoria Monarch Beach Resort & Club) في دانا بوينت بولاية كاليفورنيا.

يقول المشغلون إن هنالك طلب على خدماتهم. بيّنت إستر بارك، مؤسسة مركز "أهما" ورئيسته التنفيذية، إن هناك أربعة آلاف شخص على قائمة الانتظار بمركزها. كما أن مستثمرين قد أبدوا اهتماماً بالمركز أيضاً.

في أواخر العام الماضي، أنهى "أهما" جولة تمويل استثماري مبكرة بمئات الآلاف من الدولارات وفاز بمجموعة من الداعمين من الولايات المتحدة، بينهم "دورم روم فَند" (Dorm Room Fund) و"جنرال كاتاليست" (General Catalyst)، ومن كوريا الجنوبية، بينهم شركتا "في إن تي جي" (VNTG) و"ذا فينتشرز" (TheVentures).

شعبية متزايدة

يشير ازدياد شعبية الدايات، وهن نساء متخصصات في تقديم الدعم المعنوي والإرشاد خلال الحمل والولادة ومرحلة ما بعد الولادة، إلى مستوى اهتمام الزبائن بالخدمات ذات الصلة.

إن سوق الدايات ومدربي الولادة في طريقه لتحقيق إيرادات عالمية تبلغ 25.7 مليار دولار في 2033، بارتفاع 79% من 2023، وفقاً لشركة الأبحاث "فيوتشر ماركت إنسايتس" (Future Market Insights). كما يبين تحليل للقطاع في الولايات المتحدة أجرته "آي بي آي إس وورلد" (IBISWorld) نمو الإيرادات بثبات خلال السنوات الأخيرة.

أزمة رعاية الأطفال تطيل غياب الأميركيات عن سوق العمل

وقالت دارسي ساورز، وهي داية وخبيرة تسويق تساعد أخريات على بدء نشاطهن كدايات: "كان المجتمع فيما مضى يسد الحاجة" لدعم الأمهات الجدد. أضافت: "هذا لا يحدث الآن، لذا أمامك فرصة لبدء نشاط لسد هذه الفجوة". قالت ساورز إن الدخل وعدد العاملين في وكالتها لتوفير خدمات الدايات في مرحلة ما بعد الولادة في منطقة دوفر بنيو هامشير ارتفعت ثلاثة أمثال خلال السنوات الخمس الأخيرة.

هذا الشهر، يبلغ متوسط الحجوزات في مركز "بورام" في نيويورك نحو ثمانية حجوزات كل ليلة، بارتفاع 48% عن العام السابق. قالت بورام نام، مؤسسة المركز، إن الإيرادات من الشراكات مع الشركات ارتفعت إلى مثليها منذ 2022. عملت بورام سابقاً في قطاع الضيافة وقررت أن تبدأ نشاطها هذا جزئياً بسبب رحلة تعافٍ صعبة بعد ولادة طفلها الثاني بعملية قيصرية.

تغطي شركات مثل "إيزي نوك" (EasyKnock)، التي تعمل في شراء المساكن نقداً، إقامة منسوبيها في مركز "بورام" بالكامل، فيما تقدم شركات أخرى، مثل "كيه كيه آر آند كو" (KKR & Co)، تخفيضاً على فاتورة الإقامة.

مراكز حول العالم

رغم أن الفكرة جديدة في الولايات المتحدة، إذ إن "بورام" وهو أول هذه المراكز باشر نشاطه في 2022، فإن منتجعات تقديم رعاية النفساوات شائعة في عديد من دول آسيا.

في كوريا الجنوبية، تتجه ثماني من كل 10 أمهات جدد إلى "جوريوون" (joriwon)، وهو المصطلح الكوري لمركز تقديم رعاية ما بعد الولادة، بعد أن يلدن، حيث يمكنهن الحصول على وجبات ودروس لرعاية الأطفال وأشكال أخرى من التدليل مثل جلسات التدليك والعناية بالوجه.

موظفات شركة يابانية يزدن إنجاباً بعدما حظرت العمل ليلاً

في تايوان، يتزايد إنفاق الآباء على فترات الإقامة في مراكز ما بعد الولادة الفاخرة، التي تُعتبر مزيجاً بين الفنادق الفخمة والأجنحة الخاصة في المستشفيات. كما أن هنالك خيارات أقل تكلفةً.

وتشير تقديرات غاري لي، مؤسس "مامي غايد" (MamiGuide)، وهي منصة إلكترونية ضخمة لخدمات الولادة في تايوان، إلى أن الإيرادات السنوية لهذا القطاع تبلغ 12 مليار دولار تايواني جديد (382 مليون دولار أميركي).

على النقيض، فإن غالبية الأمهات الأميركيات يلدن في مشافي ويعدن إلى منازلهن بعد فترة قصيرة. قبل الجائحة، كانت الأمهات اللاتي يلدن ولادات طبيعية يمكثن في المستشفيات ليومين في المتوسط. فيما توصي أكبر مؤسسة متخصصة لأطباء التوليد وأمراض النساء في البلاد مقدمي الخدمات باستدعاء الأمهات لمتابعة شاملة في موعد لا يتجاوز 12 أسبوعاً بعد الولادة، لا تحصل نصفهن تقريباً على رعاية دورية ما بعد الولادة.

الوضع في أميركا

إن الولايات المتحدة هي أيضاً الدولة الوحيدة عالية الدخل في العالم التي تخفق في ضمان منح إجازة للأمهات الجدد. في تحليل للرعاية التي تحصل عليها الأمهات في 11 دولة عالية الدخل أجراها "كومنويلث فَند" (Commonwealth Fund) في عام 2020، لم تخفق أي دولة سوى الولايات المتحدة في ضمان حصول الأمهات الجدد على زيارات منزلية من ممرضات أو قابلات يغطيها الضمان الاجتماعي على مستوى البلاد.

ارتبط انخفاض مستويات الدعم الاجتماعي بارتفاع عدد حالات الاكتئاب ما بعد الولادة، فيما ارتبط نقص الدعم في الرضاعة بنتائج أضعف في الإرضاع الطبيعية.

نفاد دعم قدره 24 مليار دولار يهدد رياض الأطفال الأميركية

لا تقدم مراكز النقاهة الفاخرة خدمات طبية، ما يعني أنها لا تُقدم رعاية صحية فعلية، لكنها تضم عاملين بينهم قابلات وممرضات ومساعدين طبيين حاصلين على ما يكفي من التدريب ليدركوا متى ينبغي على نزيلة أن تسعى للحصول على رعاية طبية.

في "فيلدج بوستناتال ريتريت سنتر" في سان فرانسيسكو، يقدم العاملون تعليمات للأمهات حول كيفية قياس ضغط الدم بأنفسهن باستخدام جهاز آلي لقياس الضغط، كما يوصون بالتواصل مع مقدم خدمات طبية إذا كانت النتيجة خارج النطاق الطبيعي.

وقالت لوري زيفيرين، النائبة الأولى للرئيس لتحسين العدالة الصحية في "كومنويلث فَند"، الذي يجري أبحاثاً عن الرعاية الصحية: "يمكن لتجربة ما بعد الولادة أن تكون موحشة جداً. يُتوقع حالياً من الناس أن يعودوا إلى منازلهم بدراية عن التعامل مع رضيع حديث الولادة وعن كيفية الإرضاع وعن سبل التعرف على إشارات وأعراض المضاعفات بأنفسهم. لكن حين يمر الناس بهذه التجارب قد لا يعرفون مع من ينبغي أن يتواصلوا".

أهمية الدعم

يُرجّح أن الآباء الجدد ممن يختارون الإقامة في أماكن مثل "أهما" و"فيلدج" لديهم موارد مالية تمكنهم من الاستعانة بالقابلات ومدربات الإرضاع وغير ذلك من خدمات الأمومة، ويشغلون وظائف تتيح إجازات لرعاية الأطفال.

لكن حتى الأميركيين المكتفين مادياً قد يفتقرون لهذا النوع من الرعاية الشاملة والفهم الاجتماعي لتحديات الأبوة والأمومة الجديدة، سواء كانت معنوية أو جسمانية، فيما أنها تعتبر أمراً اعتيادياً في بلدان أخرى.

في الثقافة الصينية على سبيل المثال، يعتبر الحصول على شهر للراحة والتعافي في المنزل أمراً طبيعياً. في المكسيك ودول أخرى في أميركا اللاتينية، هناك فترة تعافي مدتها 40 يوماً تُعرف باسم "كوارِنتِنا" تتدخل فيها الشبكة الاجتماعية للأم لتقديم العون في المهام المنزلية. أما في الولايات المتحدة، فهناك عادةً تركيز على تعافي الأمهات سريعاً.

الحل في الاهتمام بالمرأة.. حكومات تفشل في تحقيق مستهدفات زيادة المواليد

كما يرجح أن يقيم الأثرياء من البالغين في مناطق بعيدة عن أسرهم، ما يزيد صعوبة الاعتماد على الأجداد أو الأشقاء في تقديم الرعاية في الأسابيع التي تلي الولادة.

وقالت بارك من مؤسسة "أهما": "ثمّة مشكلة ضخمة في الولايات المتحدة في الطريقة التي نعامل بها الأمهات. لا ينبع ذلك من طريقة إدارة نظامنا الصحي حالياً فحسب، بل يتأتى من طريقة تنظيم مجتمعنا أيضاً".

خضعت بعض الأساليب لتعديلات لكي تجذب الأميركيين. فيما تمتد الإقامة في مراكز "جوريوون" في كوريا الجنوبية عادةً إلى 21 يوماً أو أكثر، فإن فترة الإقامة ما بعد الولادة في الولايات المتحدة تكون عادةً أقصر من ذلك. تشترط أغلب المراكز إقامة لا تقل مدتها عن ثلاث ليالي على الأقل، ويبلغ متوسط فترة الإقامة في مركز "بورام" بين خمس وسبع ليالي.

هناك أيضاً رعاية فردية أكبر. ففي مراكز "جوريوون"، يمكن للأمهات إرضاع أطفالهن جماعياً. أما في الولايات المتحدة، فإن هذه الجلسات تكون في الأغلب فردية، ويمكن للأزواج والشركاء أن يحضروا هذه الجلسات في الولايات المتحدة، وهو ما لا يحدث دوماً في بلدان أخرى.

في الردهة المخصصة للآباء في مركز "فيلدج بوستناتال ريتريت سنتر" في سان فرانسيسكو، يمكن للأمهات والآباء الجدد أن يستمتعن بالقراءة والاستجمام وتناول بعض المشروبات
في الردهة المخصصة للآباء في مركز "فيلدج بوستناتال ريتريت سنتر" في سان فرانسيسكو، يمكن للأمهات والآباء الجدد أن يستمتعن بالقراءة والاستجمام وتناول بعض المشروبات المصدر: بلومبرغ

خيارات متنوعة

يحرص أصحاب المنتجعات على الإعلان عن خيارات مختلفة للنزلاء كي يقبلوا على تحمل التكلفة الكبيرة. يمكن للأسر أن تضيف فترة إقامتها في مركز "فيلدج" إلى قائمة هدايا المولود، التي درج الأميركيون على اقتراحها على الأهل والأصدقاء، كما أن الفاتورة المفصلة عند انتهاء مدة الإقامة قد تساعد الآباء في الحصول على تعويض من شركة التأمين لخدمات مثل تقديم الدعم للإرضاع.

يأمل المشغلون بأن القطاع في الولايات المتحدة سيشبه في نهاية المطاف نظيره في كوريا الجنوبية، حيث توجد خيارات اقتصادية لمراكز التعافي ما بعد الولادة، وأخرى فاخرة، وما بين هذا وذاك. لكن بغض النظر عن مستوى الإضافات، فإن الحكومة عادةً تدعم جزءاً من التكلفة.

الخزانة الأميركية: فشل نظام رعاية الأطفال يعيق تعافي الاقتصاد

وترى نام إمكانيةً لتحقيق هذا في الولايات المتحدة، وهي تذكرّ بعلاجات الخصوبة، التي كان الحصول عليها منذ عقد أصعب بأشواط، كما كان قلة من أصحاب الأعمال يقدمون دعماً مادياً لموظفيهم في ذلك. لكن، رغم أنها ما تزال بعيدة عن متناول يد كثير من الناس، فإن هذه العلاجات أصبحت متاحة لشريحة أوسع.

على سبيل المثال، أظهر استبيان من شركة "ميرسر" (Mercer) الاستشارية للقوى العاملة أن نحو 36% من كبرى الشركات، أي التي تضم 20000 موظف أو أكثر، غطت تكلفة الإخصاب في الأنابيب لموظفيها في 2015. بحلول 2020، بلغت تلك النسبة 42%.

قالت نام: "تطلّب الأمر أكثر من عشر سنوات تقريباً لإحداث تغيير... أعتقد أن المسار الذي نسلكه يبدأ بأن يدفع الناس تكلفة كبيرة من مالهم الخاص في ظل محدودية في الدعم أو الفهم أو الوعي كي نصل إلى مرحلة انخراط الشركات والحكومات على مستوى الولايات".