بلومبرغ: أبوظبي تدرس تقديم سلّة حوافز لجذب صناديق التحوط

المسؤولون في الإمارة يعكفون على صياغة برنامج حوافز رسمي يشمل دعم نمط الحياة والتأشيرات

time reading iconدقائق القراءة - 20
مباني إدارية في سوق أبوظبي العالمي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
مباني إدارية في سوق أبوظبي العالمي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يعكف المسؤولون في أبوظبي على توفير حزمة جديدة من الامتيازات أملاً في المساعدة في دفع المدينة إلى مصاف أكبر المراكز المالية في العالم، بدءاً من مساعدة المتعاملين على قبول أطفالهم في المدارس التي يرغبون فيها، إلى ضمان العضوية في الأندية الاجتماعية الوطنية.

في حين أن رأسمال الثروة السيادية للمدينة والبالغ 1.5 تريليون دولار سيظل عامل الجذب الرئيسي لمديري صناديق التحوط الذين يقصدون أبوظبي بشكل مباشر، يبحث المسؤولون صياغة برنامج رسمي سيقدم حوافز، بما في ذلك دعم نمط الحياة والتأشيرات، في إطار حزمة شاملة يستفيد منها خبراء المال الذين يتوافدون إلى المنطقة.

الرهان هو أن هذه الامتيازات، إلى جانب الإعفاءات الضريبية التي تقدمها المدينة، وطقسها المشمس، وميزة النطاق الزمني الذي يسمح للأشخاص بالتداول عبر ساعات العمل في آسيا وأوروبا وأميركا، ستساعدها على الاستمرار في جذب عمالقة صناديق التحوط من نيويورك ولندن وهونغ كونغ وسنغافورة.

قال أرفيند رامامورثي، الذي يقود التطوير في سوق أبوظبي العالمي، وهي المنطقة المالية الحرة في الإمارة: "نعمل على ترسيخ مكانتنا العالمية من خلال المضاهاة مع وجهات مثل هونغ كونغ وسنغافورة في الوقت الحالي. على المدى الطويل، نسعى إلى أن نكون على قدم المساواة مع لندن ونيويورك".

توجد بالفعل دلائل على أن بعض التحركات المبكرة للمدينة ناجحة، إذ تدير "بريفان هوارد آسيت مانجمنت" (Brevan Howard Asset Management) حالياً أموالاً من الإمارة أكثر مما تديره في أي مكان آخر على هذا الكوكب. كما أن "غولدمان ساكس" و"روتشيلد آند كو" و"مورغان ستانلي" من بين المؤسسات المالية العالمية التي تفتتح مكاتب لها في أبوظبي.

بلغ عدد الشركات التي تزاول أعمالها من المركز المالي 1825 شركة حتى نهاية العام الماضي، بزيادة قدرها الثلث عن عام 2022. قال سوق أبوظبي العالمي إنه المركز المالي الأسرع نمواً في المنطقة على مدى عامين متتاليين. أضاف رامامورثي: "نوفر رؤوس الأموال للشركات والمستثمرين، ونقدم ما يفوق الدعم المالي، ونوفر المجتمع أو البيئة الداعمة. نوفر موارد مالية كبيرة يمكن الاعتماد عليها".

دبي تقدم مزايا مماثلة

تقدم دبي، التي تُعتبر منذ فترة طويلة مركز المال والأعمال الفعلي في الشرق الأوسط، مزايا مماثلة. وكما هو الحال في أبوظبي، تمكنت المنطقة المالية الحرة في دبي من جذب صناديق التحوط من خلال توفير الحوافز، بما في ذلك تخفيض رسوم التراخيص.

بدأ صندوق التحوط "ميلينيوم مانجمنت" (Millennium Management) الذي أسسه رجل الأعمال الأميركي إيزي إينغلندر نشاطه في دبي خلال الآونة الأخيرة، وأصبح لديه الآن أكثر من 70 موظفاً، وفقاً لشخص مطلع على الأمر، طلب عدم الكشف عن هويته لأن تداول هذه معلومات غير متاح للرأي العام.

قال شخص آخر مطلع على الأمر، إن صندوق "بالياسني أسيت مانجمنت" (Balyasny Asset Management) يهدف خلال العام المقبل إلى مضاعفة موظفيه الذي يبلغ عددهم 12 شخصاً في دبي. تتنقل شخصيات بارزة تعمل لدى الصندوق، إلى المدينة، بينهم ماركو مينولي مدير محفظة أسهم الشركات التي تقدم خدماتها إلى المستهلكين.

قوائم انتظار طويلة

لم يكن نجاح دبي بلا ثمن. فقد أصبحت قوائم الانتظار لدخول المدارس والانضمام إلى النوادي الاجتماعية في المدينة طويلة، ويمكن أن يستغرق الحجز في بعض المطاعم أسابيع، والطرق الرئيسية مزدحمة بشكل دوري.

اشتكى أحد المسؤولين التنفيذيين مؤخراً أن الخروج من مواقف السيارات في الحي المالي قد يستغرق ساعة خلال فترة الذروة. ومن المرجح أن يزداد الأمر سوءاً، حيث يتوقع صناع السياسات أن يرتفع عدد سكان دبي إلى 5.8 مليون نسمة في عام 2040 من أكثر من 3.5 مليون نسمة حالياً.

في المقابل، تُعتبر الشوارع ومراكز التسوق في أبوظبي أقل ازدحاماً نسبياً. بدأت المطاعم تمتلئ، على الرغم من سهولة الحصول على الحجوزات، في الوقت الحالي. لهذا السبب يتطلع مسؤولو المدينة إلى اغتنام هذه اللحظة لتقديم حزمة جديدة من امتيازات نمط الحياة على أمل جذب المزيد من المستثمرين.

يُعد قرار "بريفان هوارد" باتخاذ أبوظبي مقراً لأحد أبرز شركاتها العاملة في استثمارات المخاطر، أحد أبرز العلامات حتى الآن على الثقل المتنامي للمدينة. تدير الشركة التي تتخذ قرارتها وفق اتجاهات الاقتصاد الكلي، نحو 10 مليارات دولار من المنطقة المالية الحرة العالمية بالإمارة، وقد رفعت عدد كوادر فريقها المحلي إلى أكثر من 80 موظفاً.

توقع المؤسس المشارك للشركة، الملياردير آلان هوارد، أن تصبح أبوظبي مركزاً مالياً عالمياً. وقال هوارد في ظهور علني نادر نهاية العام الماضي: "يمكنك متابعة القرارات التي يصدرها بنك اليابان في بداية اليوم، وفي نهاية اليوم يمكنك أن تتابع تحركات بنك الاحتياطي الفيدرالي. لذلك فهذه ميزة مذهلة لأبوظبي، ولهذا السبب نحتاج أيضاً إلى مكتب تنفيذي هنا".

الترحيب بالأثرياء

بالإضافة إلى ميزة النطاق الزمني المواتي والشمس المشرقة طوال العام التي اجتذبت مجموعة كبيرة من المتعاملين إلى المنطقة، تُعد الإمارات أيضاً واحدة من الدول القليلة حول العالم التي ترحب بالأثرياء. فما يحدث في الإمارات يمثل تغييراً مقارنة بدول أخرى، حيث يخضع أصحاب المليارات في الغالب لإجراءات التدقيق.

من بين الأمثلة الواضحة على ذلك بريطانيا التي تُصلح نظامها الخاص بالمعاملة الضريبية التفضيلية للأجانب الأثرياء، وهي خطوة تستهدف أصحاب المليارات، لكنها من المحتمل أن تؤثر على المصرفيين من المستوى المتوسط أيضاً، ما قد يمهد الطريق لمزيد من التدفقات المالية إلى الإمارات التي لا تفرض ضرائب على الدخل الشخصي أو الأرباح الرأسمالية.

قال أندرو بير، مدير لدى" دي بي آي" (DBi)، وهي شركة استثمارية ومقرها في نيويورك: "مديرو صناديق التحوط مستاؤون من تشويه سمعة الرأسمالية، والإنفاق الحكومي المتهور، وارتفاع الضرائب في نيويورك ولندن. وفي المقابل، تقدم دبي وأبوظبي محفزات وعوامل جذب كبيرة".

يتوفر عامل آخر تحب المدينة الترويج له، وهو انخفاض معدل الجريمة نسبياً. قال أحد الوافدين الجدد، وهو مسؤول تنفيذي يساعد في جمع رأس المال للعملاء، بما في ذلك صناديق التحوط، إنه لا يغلق منزله أبداً. قال مسؤول آخر إن عشاق الساعات الفاخرة يمكنهم ارتداء ساعات "رولكس" الخاصة بهم والتجول في المدينة دون خوف من التعرض للسرقة.

تعديل السياسات

التعديلات الجوهرية في السياسات تشكّل أيضاً عامل دعم لكل من دبي وأبوظبي. فخلال فترة الجائحة، بدأت الإمارات في التخلي عن النموذج الاقتصادي المستمر منذ عقود، والذي يربط الإقامة بالعمل. في الماضي، كان الوافدون، الذين يشكلون 90% من سكان الإمارات، يُضطرون إلى المغادرة عندما تنتهي عقود وظائفهم.

إبان ذروة الأزمة المالية العالمية، على سبيل المثال، كثرت التقارير عن تخلي الكثيرين عن سياراتهم الفاخرة في مطار دبي للعودة إلى أوطانهم. وبعد عقد من الزمن، سجلت دبي أكبر انخفاض في عدد السكان بمنطقة الخليج حيث اضطر الوافدون إلى المغادرة وسط الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة.

سعى المسؤولون إلى أن تتخلص البلاد من هذه السمعة المرتبطة بالإقامة المؤقتة، وبدأوا في توسيع قاعدة المؤهلين لنيل التأشيرات "الذهبية" لمدة عشر سنوات، حيث يمكن الحصول عليها حالياً بوسائل تشمل شراء العقارات. وهو ما يشجع السكان على التفكير في البقاء لفترات أطول.

لنأخذ على سبيل المثال ميتيش باريك، الذي يُعد من أوائل المستثمرين بمجال صناديق التحوط الذين انتقلوا إلى دبي، وذلك في عام 2018 عندما أسس شركته الخاصة. وقام لاحقاً بدمج الشركة مع "شونفيلد استراتيجيك أدفيزرز" (Schonfeld Strategy Advisors).

كان يخطط دائماً للعودة إلى لندن في غضون سنوات قليلة، لكن باريك ينوي الآن البقاء في دبي. في الوقت نفسه، توسعت "شونفيلد"، التي يشارك بها في رئاسة قسم أعمال التداول وفق اتجاهات الاقتصاد الكلي وأدوات الدخل الثابت، حيث رفعت عدد فريق عملها إلى 28 موظفاً في دبي.

"الفرص مربحة للغاية، ولا يمكن تجاهلها"، وفقاً لـ أوستن سمارت، المدير لدى "تاي انترناشيونال" (Tighe international)، التي تساعد الشركات المالية على توظيف المديرين التنفيذيين في دول مجلس التعاون الخليجي الست. وأضاف: "ما تخسره سنغافورة وهونغ كونغ يصب في صالح دول الخليج".

تصنيفات

قصص قد تهمك