توصية موقع "وايركَتر" قد تكون نقمة على أصحاب المتاجر

الموقع ساهم في اشتهار مقلاة صينية من متجر صغير بات غير قادر على مجاراة أعداد الطلبيات الهائلة

المقلاة الصينية الشهيرة (في الوسط) وقطرها 35 سنتيمتراً في "ووك شوب"، وهو متجر عمره 57 عاماً في حي "تشاينا تاون" في سان فرانسيسكو
المقلاة الصينية الشهيرة (في الوسط) وقطرها 35 سنتيمتراً في "ووك شوب"، وهو متجر عمره 57 عاماً في حي "تشاينا تاون" في سان فرانسيسكو المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت إنترنت العصر الحديث إيذاناً بعالم فيه خيارات تكاد تكون لا تحصى للمستهلكين، إذ عودت جيلاً من المتسوقين عبر الإنترنت على أن يتوقعوا أسعاراً منخفضة، وشحناً سريعاً، وسياسات استرجاع متساهلة، وسرعة استجابة من خدمات العملاء. ونظراً لصعوبة أن تختار من تشكيلة واسعة من منتجات لا يمكنك رؤيتها ولمسها، فقد أدت الإنترنت أيضاً لظهور سلسلة مواقع إلكترونية للتزكيات.

يُعد موقع "وايركَتر" (Wirecutter)، الذي اشترته صحيفة "نيويورك تايمز" مقابل 30 مليون دولار في 2016، أكبر هذه المواقع بلا منازع، إذ يعِد بتحديد أفضل الخيارات لشاشات التلفزيون المسطحة أو عصارات الحمضيات، ثم يقدّم للقراء رابطاً واحداً ليدخلوا إلى الموقع المختار.

تحظى الشركة صاحبة أفضل منتج بزيادة في المبيعات، ويحصل الموقع على عمولة، ويتمتع المستهلك بأفضل ماكينة لصنع القهوة بالتنقيط أو أفضل جهاز رياضة يوضع تحت المكتب في العالم أو ما سوى ذلك بعد شحن المنتج إلى منزله خلال 48 ساعة، فيكون الجميع راضين.

قصة تحذيرية

لكن تزكية "وايركَتر" قد تكون نقمة أيضاً. طبيعي أن يتجنب المستهلكون الذين يُقال لهم إن ثمّة منتج واحد مثالي أي بديل، كما أن مستوى الطلب الذي قد توجِّهه منصة مثل "نيويورك تايمز" نحو شركة ما قد يكون طاغياً، فليس كل من يبيع منتجاً عبر الإنترنت مستعداً لتحقيق النجاح على مستوى الإنترنت، أو أن يكون مهتماً بذلك.

إليكم على سبيل المثال قصة أفضل مقلاة تقليدية صينية في عالم التجارة الإلكترونية، حسب تقييم "وايركَتر". بدأ الأمر في 2017 حين زارت كاثي إرواي متجراً صغيراً اسمه "ووك شوب" (Wok Shop) بناءً على توصية صديق خلال رحلة إلى سان فرانسيسكو.

تجاذبت إرواي أطراف الحديث مع صاحبة المتجر تاين تشان، التي شرحت لها بصبر طريقة إعداد المقلاة الصينية قبل استخدامها الأول والعناية بها. كانت المقلاة المصنوعة من خليط من الفولاذ والكربون، ولذلك فهي خفيفة ومتينة، كما أنها مزودة بمقبض خشبي قابل للفصل، وكان ثمنها نحو 40 دولاراً، أي أقل من المنتجات المنافِسة. خرجت إرواي من المتجر ومعها مقلاة جديدة ملفوفة بورق جرائد، وبدأت تستخدمها للطهي في منزلها.

تاين تشان، صاحبة متجر "ووك شوب"، تراجع الطلبيات على كمبيوتر المتجر في 25 مارس 2024
تاين تشان، صاحبة متجر "ووك شوب"، تراجع الطلبيات على كمبيوتر المتجر في 25 مارس 2024 المصدر: بلومبرغ

أفضل مقلاة صينية

بعد بضع سنوات، كلّف موقع "وايركَتر" إرواي بتقييم المقالي الصينية واختيار منتج واحد فقط ليكون النموذج المثالي في هذه الفئة، وفقاً لنظام الموقع المعتاد. جرّبت 14 نوعاً من المقالي الصينية، واختبرتها بأن استخدمتها في طهي الطعام بعدة طرق هي القلي السريع والقلي العميق والسلق والطهي بالبخار. لكنها كانت تعود دوماً إلى المقلاة التي اشترتها من "ووك شوب".

اقرأ أيضاً: لماذا لا يزال شراء الملابس عبر الإنترنت أمراً صعباً؟

قالت إرواي: "كانت فيها كل المواصفات بالنسبة لي، من حيث الهيكل والمقبض والتصميم. كانت مريحة وخفيفة بما يكفي. كانت الاختيار الأفضل بالنسبة لي". نُشر تقييم إرواي على "وايركَتر" في 5 يناير 2023، معلناً أن مقلاة "ووك شوب" كانت "أفضل أداءً من كل المقالي الأخرى في شتى النواحي".

صداع الطلبيات

لم يكن ترشيح "وايركَتر" المرة الوحيدة التي لاقى فيها "ووك شوب" بعض الشهرة، إذ نال المتجر تقديراً من برنامج "أميركاز تِست كيتشن" (America’s Test Kitchen) ومجلة "نيويورك" وموقع محبي الطعام "سيريوس إيتس" (Serious Eats) وعدد من مؤلفي كتب الطهي أيضاً.

لكن طوفان الطلبات تسبب بصداع لكل من تشان، التي لم تكن تشحن طلبيات المقالي من مركز تلبية طلبات شبيه بـ"أمازون"، وزبائنها الجدد، الذين كانوا معتادين على تجربة التسوق عبر الإنترنت الأقرب للسحر. بدأت تقييمات بنجمة واحدة تظهر على تقييمات "غوغل" و"يلب" (Yelp)، كما قال بعض الزبائن إنهم انتظروا بين شهرين وثلاثة أشهر من دون أن يتلقوا رسالة بالبريد الإلكتروني لتأكيد الطلبية أو الإشعار بشحنها.

اقرأ أيضاً: أصحاب متاجر فرنسية انتقلوا للإنترنت للتغلب على كورونا فقرروا البقاء هناك

وصف كثير من الزبائن كيف أنهم لم يجدوا من يجيب على محاولاتهم للاتصال هاتفياً بالمتجر ليتابعوا طلبياتهم، ولم يكن هناك جهاز للرد الآلي. لكن الأسوأ كان أن تجيب تشان على مكالماتهم، فقد كتبت إحدى المعلِّقات أن مالكة المتجر قالت لها: "هل ستعلمينني كيف أدير نشاطي؟ لقد ألغيت طلبك، فلتشتري المقلاة من مكان آخر".

قال آخرون إن تشان أخبرتهم أنهم ليسوا زبائنها الوحيدين، وإنها قالت لآخر إنه ليس مهذباً، ولآخر بأنها لا تعتبره أولوية. ذكر معلِّق آخر أنه سألها عن الضمان، فأجابته وفقاً لما جاء في تقييمه: "أنت تشتري مقلاة صينية وليس ألماسة، هذا سؤال غبي!".

تاين تشان تقف خارج متجرها في سان فرانسيسكو
تاين تشان تقف خارج متجرها في سان فرانسيسكو المصدر: بلومبرغ

نشاط مزدهر

حين هاتفت متجر "ووك شوب" ردّ موظف بعد رنّتين. ضحكت تشان، التي تبلغ من العمر 86 عاماً الآن، حين قرأت لها التقييمات. أخبرتني: "حسناً، ربما أتهكم قليلاً حين يشكك عميل بنا أو لا يثق بنا. لكنك تعلم أن هذا يأتي من تفاعل طرفين بنفس الطريقة".

قالت تشان، وهي ابنة لمهاجرين ونشأت في نيو مكسيكو وحصلت على تعليم جامعي، إنها شعرت بالإهانة بسبب بعض الزبائن الذين بدوا متفاجئين من أنها تتحدث الإنجليزية بطلاقة، وعبّروا عن تحفظهم تجاه المنتجات المصنوعة في الصين التي تبيعها، فيما كانت المقلاة الشهيرة مصنوعة في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: متاجر أمريكية قديمة تعود إلى الحياة.. ما القصة؟

أوضحت تشان أن نشاطها يزدهر. قالت: "لا أعلم إن كانت الزيادة قد جاءت من (وايركَتر). أنا متأكدة أنه ساعدنا. لا أنكر ذلك. أنا واثقة من أنه ساعدنا".

قالت إرواي إنها لم تكن تدرك أن هناك احتكاكاً متزايداً بين تشان وزبائنها. تتذكر إرواي أن مديرها تواصل معها مرتين بشأن بطء الشحن خلال الأشهر التي تلت النشر. أخبرها المحرر أن العدد الهائل من التقييمات السلبية أشار إلى أن "ووك شوب" قد أصيب بما يُسمى "تأثير (وايركَتر)"، أي أن التقييم الإيجابي جلب طلباً هائلاً يفوق قدرة التاجر.

أثر الطلب الإضافي

قال جايسون تشين، مدير التحرير في "وايركَتر"، إن الشركة تتواصل مع التجار قبل النشر عنهم، وذلك لتحذيرهم من الطلب الإضافي. أضاف تشين أن صانعي الحلوى الذين ينشر الموقع مواضيع عنهم في الدليل السنوي للشوكولاتة المعلبة، عرضة بشكل خاص لاستنفاد مخزوناتهم بالكامل.

اقرأ أيضاً: المتسوِّقون القلقون من التضخم يعرقلون ازدهار التجارة الإلكترونية

قال تشين إن "ووك شوب" أكد لـ"وايركَتر" مقدماً أنه قادر على التعامل مع حجم الطلب. قرر الموقع في نهاية المطاف أن يختار مقلاة أخرى كأفضل مقلاة. قالت تشين: "حين تتغير الأمور، يتغير الوضع. إنها مسؤولية كبيرة". أزال موقع "سيريوس إيتس" أيضاً منتج "ووك شوب" من قائمة أفضل اختياراته.

ما تزال إرواي مقتنعة باختيارها. لكن ربما يشكك شخص آخر يقرأ التقييم الجديد في ما إذا كان هناك فارق سحري فعلياً بين أفضل مقلاة صينية وثاني أفضل مقلاة صينية على الإنترنت. قال تقييم "وايركَتر" الجديد إن خياره الجديد "تميز بأداء مطابق تقريباً لخيارهم السابق من (ووك شوب)".

لكن في الوقت الحالي، فإن المقلاة الصينية من "سور لا تابل" (Sur La Table) المصنوعة من الفولاذ الكربوني ليست أفضل أداءً من سابقتها في معيار واحد، وهو أن مخزونها نفد أيضاً.