التوترات الجيوسياسية ترخي بظلالها على سوق الأسهم الأميركية

ارتفع "مقياس الخوف" في وول ستريت إلى مستويات شوهدت آخر مرة في أكتوبر

مبنى بورصة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية
مبنى بورصة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عانت وول ستريت من تصاعد المخاطر الجيوسياسية التي أدت إلى انخفاض الأسهم، وحفزت الهروب إلى عناصر السوق الأكثر أماناً، مثل السندات والدولار. في وقت ارتفعت أسعار النفط.

شهدت الأسهم أسوأ يوم لها منذ يناير، بعد تقرير إخباري أفاد بأن إسرائيل تستعد لهجوم إيراني على أهداف حكومية. تم إطلاق ما يصل إلى 40 صاروخاً من الأراضي اللبنانية، وتم اعتراض بعضها، حسبما كتب الجيش الإسرائيلي في منشور على موقع "إكس" (تويتر سابقاً). وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه يتوقع أن تهاجم إيران إسرائيل "عاجلاً وليس آجلاً"، مشيراً إلى أن رسالته إلى إيران هي أن "لا تفعل ذلك".

ارتفع "مقياس الخوف" في وول ستريت (VIX) إلى مستويات شوهدت آخر مرة في أكتوبر.

وبالنسبة لمات مالي من "ميلر تاباك"، كان المستثمرون راضين أكثر مما ينبغي بشأن القضايا الجيوسياسية.

وأشار مالي إلى أنه "نظراً لأن أسواق الذهب والنفط قد حددت تأثيراً ملموساً على السوق من هذه الأزمة، فليس من المستبعد أن تتبع سوق الأسهم تلك الأسواق، وتشهد رد فعل كبيراً قريباً".

أفضل أسبوع للدولار منذ 2022

انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.5% يوم الجمعة، وقادت البنوك وشركات صناعة الرقائق الخسائر. وسجل المؤشر أكبر انخفاض أسبوعي له في عام 2024.

وانخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات سبع نقاط أساس إلى 4.52%. كما لفت أندرو برينر، "نات آليانس سيكيوريتيز" (NatAlliance Securities)، إلى "تغطية مراكز مكشوفة ضخمة" وتثبيت أسعار الفائدة، قبل موجة متوقعة من إصدار الديون من قبل البنوك بعد إعلان الأرباح.

اقرأ أيضاً: أسعار النفط تقلص المكاسب رغم مخاوف من هجوم إيراني على إسرائيل

وسجل الدولار أفضل أسبوع له منذ سبتمبر 2022. واستقر خام برنت فوق 90 دولاراً. وتجاوز الذهب مستوى 2400 دولار للأونصة قبل أن يمحو مكاسبه.

من جهتها، ارتفعت سندات الخزانة بشكل حاد، بعد أسوأ يومين في السوق منذ فبراير، حيث وصلت العائدات إلى أعلى مستوياتها منذ عام حتى الآن، بعد أن تغلبت قراءات التضخم على توقعات تخفيض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام. وانخفضت عوائد السندات لأجل عامين يوم الجمعة، بعدما تجاوزت لفترة وجيزة 5% هذا الأسبوع.

تخفيف التعرض للأصول الخطرة

وقال فؤاد رزاقزادة من "سيتي إندكس" و"فوركس دوت كوم" إن "المخاطر كانت من خارج القائمة يوم الجمعة"، مضيفاً أن "المستثمرين خففوا تعرضهم للمخاطر قبل عطلة نهاية الأسبوع، خوفاً من أن تنخفض الأصول الخطرة في حالة حدوث شيء ما".

ستعني المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران تصعيداً كبيراً للصراع في الشرق الأوسط، وستؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، وفقاً لمحللي "كومرتس بنك"، بمن فيهم كارستن فريتش.

وأدت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وكان آخرها في الشرق الأوسط، ولكن بما في ذلك الهجمات على البنية التحتية للطاقة الروسية من قبل أوكرانيا، إلى تحفيز النشاط الصعودي في سوق خيارات النفط. وفي الأيام الأخيرة، كان هناك ارتفاع في خيارات الشراء، أي التي تربح عندما ترتفع الأسعار، مع قفز التقلبات الضمنية.

يقول خوسيه توريس من "إنترآكتيف بروكيرز" (Interactive Brokers) إن التطورات الأخيرة توضح كيف أن معنويات المستثمرين وتقييمات الأسهم المرتفعة معرضة للصراعات الجيوسياسية والتضخم المستمر وأسعار النفط.

وأشار إلى أن "المستثمرين تراجعوا عن توقعاتهم بشأن بداية دورة التيسير النقدي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، مع احتمال أن تحل العوامل الجيوسياسية محل بنك الاحتياطي الفيدرالي كأحد أكبر المؤثرين على تقلبات السوق".

نتائج البنوك الكبرى

مع انطلاق موسم الأرباح في وول ستريت، قدمت نتائج البنوك الكبرى أحدث نافذة للتعرف على أداء الاقتصاد الأميركي، وسط مسار أسعار الفائدة الملطخ بالتضخم العنيد.

أبلغ كل من "جيه بي مورغان تشيس" و"ويلز فارغو" عن صافي دخل الفوائد، أي الأرباح التي يحققونها من الإقراض، والتي تجاوزت التقديرات وسط زيادة تكاليف التمويل.

تجاوزت أرباح شركة "سيتي غروب" تقديرات المحللين، حيث استغلت الشركات الأسواق للحصول على التمويل، واعتمد المستهلكون على بطاقات الائتمان، وهي علامات على أن فترة طويلة من أسعار الفائدة المرتفعة ستفيد البنوك الكبرى.

اقرأ أيضاً: أسعار الذهب تنخفض بعد ملامسة الأونصة عتبة 2400 دولار

وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان" إن "العديد من المؤشرات الاقتصادية لا تزال مواتية"، مضيفاً: "مع ذلك، وبالنظر إلى المستقبل، فإننا نظل في حالة تأهب لعدد من القوى الكبيرة غير المؤكدة".

وأشار إلى الحروب والتوترات الجيوسياسية المتزايدة والضغوط التضخمية المستمرة وتأثيرات التشديد الكمي.

خفض الفائدة هذه السنة

في غضون ذلك، لم تفعل أحدث البيانات الاقتصادية سوى القليل لتغيير الرغبة في المخاطرة يوم الجمعة، مع انخفاض معنويات المستهلكين وارتفاع توقعات التضخم.

قال لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، إنه يتوقع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين على الأكثر هذا العام، وأنه سيكون من الصعب على البنك المركزي كبح التضخم.

اقرأ أيضاً: رئيس "بلاك روك": هدف الفيدرالي للتضخم "يصعب تحقيقه"

وأضاف فينك لشبكة "سي إن بي سي" إن وصول معدل التضخم إلى ما بين 2.8 و3%، سيكون "إنجازاً وربحاً"، رغم أنه أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.

من جهتها، حذرت شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management Co) من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يعود إلى رفع أسعار الفائدة إذا ارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة، مع تفضيلها شراء السندات في أسواق أخرى.

وقال موهيت ميتال، كبير مسؤولي الاستثمار للاستراتيجيات الأساسية في شركة "بيمكو"، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" إنه "إذا بدأ التضخم في الظهور مرة أخرى، فهناك احتمال أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، بدلاً من إجراء أي تخفيضات".

أخبار "فيد سبيك"

كما راقب المتداولون أحدث أخبار "فيد سبيك" (تصريحات رؤساء البنوك المركزية في أميركا). وأكد عدد كبير من المسؤولين يوم الجمعة أنه ليس هناك حاجة ملحة لخفض أسعار الفائدة، مشيرين إلى استمرار ارتفاع التضخم، وسوق العمل القوية.

وشملت التعليقات سوزان كولينز من بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، وكذلك ماري دالي من سان فرانسيسكو. وكرر رافائيل بوستيتش من أتلانتا وجهة نظره بشأن خفض أسعار الفائدة مرة واحدة قرب نهاية العام، وأشار جيفري شميد من مدينة كانساس سيتي إلى أنه يفضل اتباع نهج "صبور" في التخفيضات.

وفي حين أن تحول التوقعات حول توقيت ووتيرة التخفيضات الأولى من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من التقلبات في العائدات على المدى القريب، تعتقد رئيسة مكتب الاستثمار في "يو بي إس" سوليتا مارسيلي أن النقطة الأكثر أهمية هي أن البنك المركزي الأميركي لا يزال مستعداً لبدء التيسير هذا العام.

اقرأ أيضاً: بايدن يتوقع بدء تخفيض أسعار الفائدة بحلول نهاية السنة

مع احتمال ضعيف بأن يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، تحتفظ مارسيلي بنظرتها الإيجابية بشأن السندات عالية الجودة.

وقالت مارسيلي: "نحن نواصل تفضيل السندات عالية الجودة في محافظنا العالمية، ونوصي المستثمرين بالحصول على عوائد جذابة قبل انخفاض أسعار الفائدة هذا العام". وأضافت: "نحن نحب تلك التي تتراوح مدتها بين سنة واحدة وعشر سنوات، وكذلك السندات المستدامة". واختتمت قائلة: "نعتقد أيضاً أنه يجب على المستثمرين التفكير في التعرض النشط للدخل الثابت لتحسين التنويع".