انتعاش الصفقات في البنوك الأميركية ينقصه شيء ما

لولا التحديات أمام شركات الملكية الخاصة في التخارج من الاستثمارات لزاد التحسن في نشاط الخدمات المصرفية الاستثمارية

شعار شركة "ريديت" على شاشة خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك
شعار شركة "ريديت" على شاشة خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك المصدر: غيتي إيمجز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتعش عقد الصفقات! أو هذا ما يبدو عليه الوضع على الأقل بعد أن أعلنت أكبر 5 بنوك استثمار في الولايات المتحدة أن رسوم عمليات الاندماج والاستحواذ وجمع التمويل ارتفعت 27% خلال الربع الأول من 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

لكن على خلاف ما هو ظاهر للعيان، فالتعافي متفاوت، والتوقعات المتفائلة لعدد من المديرين التنفيذيين في البنوك الأميركية تعوّل على عودة شركات الملكية الخاصة إلى الساحة.

شهد "بنك أوف أميركا" التعافي الأقوى، وأعلن يوم الثلاثاء ارتفاع إيرادات الخدمات المصرفية الاستثمارية 35% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي. كما سجل "مورغان ستانلي"، الذي أعلن نتائج أعماله الثلاثاء أيضاً، النمو الأضعف بين البنوك الخمسة، إلا أن حصيلة رسومه ظلت مرتفعة بنسبة 16% عن العام الماضي. كذلك شهدت بنوك "سيتي غروب" و"غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان"، والتي أعلنت نتائج أعمالها في وقت سابق، نمواً بعد عامين من النشاط الضعيف.

رغم ذلك، لم تصل كل القطاعات إلى أوج نشاطها، فكان أداء أسواق الدين هو الأقوى، وتعافت مبيعات الأسهم بشكل جيد، إلا أن عقد الصفقات ما يزال يواجه صعوبات، لا سيما في ظل سكون شديد في الملكية الخاصة.

وبالنظر إلى الصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا، وموجة الانتخابات المقبلة، التي تشمل انتخابات الرئاسة الأميركية، واتجاهي التضخم وأسعار الفائدة، فهناك أسباب كثيرة لاستمرار قلق التنفيذيين والمستثمرين.

إقبال الشركات على الاقتراض

مثل اقتراض الشركات في سوقي السندات والديون القوة الدافعة الكبرى لإيرادات الخدمات المصرفية في الربع الأول، بعد أن بدأ 2024 بتوقعات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة عدة مرات، ما خفض تكلفة تمويل الديون، وأدى إلى طوفان من عمليات إعادة التمويل.

قادت الشركات الكبرى ذات التصنيف من الدرجة الاستثمارية إصدار السندات، غير أن الشركات المصنفة دون الدرجة الاستثمارية، الأعلى مخاطرةً (ومن بينها شركات كثيرة تملكها صناديق ملكية خاصة) استبدلت أيضاً الائتمان الخاص الأعلى كلفة والقروض القديمة بسندات أقل سعراً وقروض تمويلية.

اقرأ أيضاً: ارتفاع النفقات والرسوم بالربع الأول يضغط على سهم "بنك أوف أميركا"

شهد مقرضو الائتمان الخاص انتعاشاً خلال الثمانية عشر شهراً الماضية أو نحو ذلك، إلا أنها كانت فترة جمود للقروض التقليدية التي تباع إلى صناديق الاستثمار المشتركة وشركات استثمار – أو تشارك فيها- من خلال سندات قروض مضمونة (Collateralized loan obligations)، ومع وصول أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها، أُعيد افتتاح سوق سندات القروض المضمونة، ما يخلق طلباً على القروض الجديدة.

قال دنيس كولمان، المدير المالي في "غولدمان ساكس"، يوم الاثنين إن سوق القروض المشتركة عاد أخيراً للعمل بأقصى طاقته، ولقوته خلال الربع الأول من العام الجاري، وأضاف أن "إعادة التمويل مثلت فعلياً الأغلبية العظمى من النشاط. استأثرت إعادة تمويل هياكل رأس المال المعتمدة على الائتمان الخاص بالجزء الأكبر من ذلك، في ظل زيادة جاذبية الأسعار في سوق القروض المشتركة الأوسع نطاقاً".

بوجه عام، ارتفعت رسوم أسواق الديون في الخدمات المصرفية الاستثمارية بنحو 50% في البنوك الخمسة مجتمعة، مقارنة بالربع الأول من 2023، وكان "سيتي غروب" في المقدمة، مع صعود إيراداته 62%.

تراجع الطروحات الأولية

عانت الإدراجات الجديدة في أسواق الأسهم ندرة شديدة تماثل القروض التمويلية، إلا أن السوق شهدت انتعاشاً نسبياً في ضوء الطروحات الأولية الكبرى التي كان من بينها اكتتابات "ريديت" (Reddit) و"غالدرما غروب" (Galderma Group) و"آمير سبورتس" (Amer Sports).

أعلنت البنوك الخمسة الكبرى ارتفاعاً بنسبة 74% في الرسوم، وزادت إيرادات "بنك أوف أميركا" و"مورغان ستانلي" من سوق الأسهم بأكثر من الضعف مقارنة بالربع الأول من العام الماضي. رغم ذلك، ما تزال الرسوم الإجمالية لجمع التمويلات عبر الأسهم أدنى من معظم الفصول في 2019، وأقل كثيراً عن مستوى النشاط المنتعش في 2020 و2021.

اقرأ أيضاً: إيرادات "مورغان ستانلي" من التداول وإدارة الثروات تفوق التوقعات بالربع الأول

يري الرئيس التنفيذي في "مورغان ستانلي"، تيد بيك، أن الخبر السار هنا أن مبيعات الأسهم جاءت من مختلف القطاعات الصناعية و"وادي السيليكون". فيما مثلت شركات الملكية الخاصة مصدراً مهماً للنشاط لم يدرجه "بيك" على قائمته، إذ ما زالت تلك الشركات تواجه صعوبات في التخارج من الاستثمارات، ورد الأموال إلى مموليها.

انخفاض الإيرادات من الملكية الخاصة

مثلت شركات الملكية الخاصة نحو 30% من رسوم الخدمات المصرفية عن الأسهم والسندات والاندماج والاستحواذ خلال العقد الماضي تقريباً. ويفسر غيابها عن الساحة سبب عدم ارتفاع رسوم الاندماج والاستحواذ.

شهد "غولدمان ساكس" وحده نمواً جيداً في إيرادات خدمات الاستشارة، حيث ارتفعت 24% خلال الربع الأول، فيما انخفضت الإيرادات في "سيتي غروب" و"جيه بي مورغان" و"مورغان ستانلي" بما يتراوح بين 17% و28%.

رجحت الرئيسة التنفيذية لبنك "سيتي غروب"، جين فريزر، خلال مؤتمر الإعلان عن الأرباح الجمعة الماضية، أن يعود الرعاة الماليون- وهو اسم آخر يطلق على شركات الملكية الخاصة- ليمثلوا ما بين 20% إلى 30% من رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية بمرور الوقت، وأضافت أن "الرعاة الماليين لديهم سيولة تقدر بمبلغ 3 تريليونات دولار، ولديهم الحافز لاستثمارها".

اقرأ أيضاً: "سيتي غروب" يخفض تصنيف أسهم التكنولوجيا الأميركية مع اتساع صعود السوق

يعلق ديفيد سولومون الرئيس التنفيذي لبنك "غولدمان ساكس" آماله أيضاً على الرعاة الماليين والضغط الذي يمارسه عليهم مستثمروهم للشروع في رد مزيد من المال، وقال يوم الاثنين إن "نشاط الرعاة ما يزال ضعيفاً، لكن يمكنني القول إنه يتزايد بلا شك". وأشار إلى زيادة عدد المحادثات مع صناديق الاستثمار تلك مقارنة بأي فترة خلال 2023، رغم ذلك، فهي ما تزال عند مستوى أقل من المعتاد.

تأثر عمليات الدمج والاستحواذ

كان المدير المالي لبنك "جيه بي مورغان"، جيريمي بارنوم، التنفيذي الوحيد الذي بدا متحفظاً وحذراً، وقال إن أسواق الأسهم والسندات كانت في وضع مواتٍ للصفقات خلال الربع الأول من العام الجاري، والأرجح أن ذلك قد دفع إلى تقديم موعد جزء كبير من النشاط بدلاً من إجرائه في وقت لاحق من العام.

وعن عمليات الاندماج والاستحواذ، التي لا تقتصر أهميتها على رسوم عقد الصفقات فقط، بل وتمتد أيضاً إلى نشاط سوقي الأسهم والسندات التي تصاحب الاستحواذات، أشار بارنوم إلى الأثر السلبي للبيئة التنظيمية الصارمة في الولايات المتحدة، والتأثير المحتمل للسياسة، وقال: "في نهاية المطاف، سنقاتل بشراسة لحماية حصتنا السوقية".

يجب على شركات الملكية الخاصة العودة إلى شراء الشركات وبيعها، فهو الغرض من تأسيسها في النهاية. قد يشهد الربع الثاني زيادة في عقد الصفقات، لكن في رأيي، ما يزال 2024 يبدو عاماً مليئاً بعقبات كبيرة أمام الرعاة الماليين وبنوك الاستثمار التي تعوّل عليهم. لذا؛ دعونا نؤجل الاحتفال إلى الوقت المناسب.