شركات التأمين ترفع الأقساط بحجة ازدياد دعاوى التكسب

لا يجد المدافعون عن المستهلكين رابطاً ملموساً بين مزاعم ارتفاع التكاليف القانونية وزيادة أقساط شركات التأمين

لوحة إعلانية تروج لخدمات التقاضي
لوحة إعلانية تروج لخدمات التقاضي المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتذرع شركات التأمين بأسباب شتى لتبرر رفعها لأقساط التأمين، ومن ذلك التضخم الذي كان أحد أبرز الأسباب منذ بدأت الأسعار ترتفع في 2021، وازدياد عدد حوادث السيارات الناتجة عن انشغال السائق بالهاتف، وتغير المناخ الذي يتسبب بازدياد الكوارث الطبيعية التي تدمر المنازل. أما السبب القائم دائماً فهو التحايل في مطالبات التعويض.

لكن هنالك مبرر جديد بات في صدارة الأعذار وهو "التضخم الاجتماعي"، وهو مصطلح يشير بشكل عام إلى ارتفاع التكاليف القانونية.

قالت مجموعات تعمل في هذا القطاع إن هناك إساءة استخدام للنظام القانوني، إذ دفع محامون وأطراف خارجية تسعى لتحقيق أرباح، لارتفاع في عدد الدعاوى القضائية المكلفة بشكل متزايد. ظهر مصطلح "التضخم الاجتماعي" في إعلانات أرباح شركات التأمين نحو 130 مرة خلال العام الماضي، وأكثر من 550 مرة في الفترة من 2020 إلى 2023، وذلك مقارنة مع أقل من 80 مرة خلال الأعوام الأربعة السابقة.

أشار قادة بعض كبرى الشركات مثل "أميركان فاينانشال غروب" (American Financial Group) و"هارتفورد فاينانشال سيرفسز" (Hartford Financial Services) و"ترافلرز" (Travelers) إلى أن الدعاوى القضائية كانت عاملاً يؤخذ في الاعتبار عند اتخاذ قرارات رفع الأسعار. أشار كريستوفر سويفت، رئيس "هارتفورد" التنفيذي، خلال مؤتمر عبر الهاتف في فبراير، إلى أن هذا هو "واقع مجتمعنا اليوم، أليس كذلك؟ التضخم الاجتماعي، أو إساءة استخدام النظام القانوني، أياً كانت التسمية".

أين المشكلة؟

لكن حتى فيما تتعاني الشركات الأميركية للتأمين على الممتلكات والحوادث بسبب سنوات من صافي خسائر الضمان، يعارض بعض المدافعين عن حقوق المستهلكين والخبراء القانونيين فكرة أن النظام القانوني هو السبب.

وقالوا إن ليس هنالك بيانات تؤكد وجود ارتباط مباشر بين أسعار التأمين والدعاوى القضائية بدل ارتباط ذلك بالدورات التي يمر بها القطاع اعتيادياً، وأضافوا أنه حتى لو كان عدد الدعاوى يزداد، فقد يكون بعضها مطالبات مشروعة من أناس لم يجدوا عن ذلك مناصاً.

قال كينيث كلاين، الأستاذ في كلية ويست كاليفورنيا للقانون الذي يمثل وجهة نظر المستهلكين في اجتماعات الرابطة الوطنية لمفوضي التأمين، إن شركات التأمين "تشعر وكأنها تحت حصار من المحامين. لكن البيانات لا تدعم ذلك".

اقرأ أيضاً: مؤسسات أميركية تعهد إلى شركات التأمين بإدارة برامج التقاعد

للتدليل على أن الدعاوى القضائية ترفع التكاليف، تشير شركات التأمين إلى دور صناديق التحوط وشركات الاستثمار المباشر والأطراف الخارجية الأخرى التي توفر الأموال على نحو متزايد للدعاوى القضائية مقابل حصة من التعويضات، وهي ممارسة تُعرف باسم تمويل الدعاوى القضائية.

كما قالت شركات التأمين إن المحامين يتمادون بترويج خدماتهم، وقد استند تقرير في هذا القطاع إلى أبحاث تثبت أن أعداد الإعلانات التي تروج للخدمات القانونية في الولايات المتحدة ارتفع بأكثر من 30% من 2017 إلى 2021. قال شون كيفيليغان، الرئيس التنفيذي لمعهد معلومات التأمين، وهي مجموعة تعمل في القطاع: "كانت الدعاوى القضائية مساراً تود أن تسلكه بعد أن تجرب المسارات العادية أولاً"، لكن الدعاية تشجع الناس على اللجوء للقضاء.

حيل المحامين

بالإضافة لذلك، قال بعض المخضرمين في قطاع التأمين إن المحامين يتلاعبون بعواطف المحلفين ليحصلوا على تعويضات ضخمة. قال معهد الإصلاح القانوني في تقرير نُشر في 2022 إن ما يُسمى "الأحكام النووية"، أي التي تقضي بدفع تعويضات تفوق 10 ملايين دولار، أصبحت أكثر شيوعاً.

تشير بيانات من "تومسون رويترز" إلى أن متوسط التعويضات في قضايا الإصابة الشخصية ارتفع لأكثر من ثلاثة أمثاله من 2010 إلى 2020، إذ بلغ 125 ألف دولار دون إضافة أي تعويضات جزائية.

يحاجج المدافعون عن المستهلكين أن القطاع لم يثبت خللاً في المنظومة. كما قال بعض الباحثين إن الممولين الخارجيين قد يفيدون بالتخلص من الدعاوى التي لا أساس لها من الصحة، وذلك لأنهم على الأرجح لن يدعموا مطالبات فرص نجاح ضعيفة.

اقرأ أيضاً: تغير المناخ يتصدر مخاوف شركات التأمين مع تواصل حرب أوكرانيا

هذا إلى جانب أن أحكام المحلفين التي تقضي بتعويضات كبيرة لا تصمد دوماً عند الاستئناف. كما أن جانباً مما يحصل عليه من رفعوا الدعوى يكون عرضة لقوانين تحد من بعض أنواع التعويضات، أو من قدرة شركات التأمين على تغطيتها. بالنسبة للمحامين، فإن المشكلة الحقيقية تتمثل في ما يرون أنه تعنت شركات التأمين.

قالت جوان دوروشو، المديرة التنفيذية لـ"سنتر فور جاستس آند ديموكراسي" (Center for Justice & Democracy)، وهي مجموعة تدافع عن المستهلكين: "جانب كبير من المشكلة هنا، وهو ما نراه في أغلب الولايات التي تشهد ارتفاع أعداد الدعاوى القضائية فجأة، هو تصرفات شركات التأمين التي ترفض دفع المطالبات".

حالة فلوريدا

تشير شركات التأمين إلى فلوريدا كمكان تستشري فيه الممارسات التي تهدف لاستغلال القانون. إن ما يقرب من ثلاثة أرباع الدعاوى القضائية الخاصة بالتأمين على المنازل التي تُرفع على مستوى البلاد، والتي تسعى عادةً للحصول على تعويضات أكبر بعد وقوع الكوارث الطبيعية، تُرفع في الولاية التي تضم نحو 7% من المنازل في البلاد.

اقرأ أيضاً: 260 مليار دولار خسائر الكوارث الطبيعية في 2022

قالت شركة "بانكريت" (Bankrate) للأبحاث العام الماضي إن هناك 11 شركة تقدم خدمات تأمين في فلوريدا تعرضت للتصفية منذ 2017، وإن كثيراً من الشركات تقلص نشاطها في الولاية.

لكن أنصار القطاع قالوا إن سكان فلوريدا مسؤولون عن أكثر من نصف شكاوى المستهلكين الأميركيين التي يتبين فيها أن شركات التأمين عن المنازل هي المسؤولة عن الخطأ، وهو ما يشير إلى أن كثيرين يرفعون دعاوى لأنهم لا يجدون طريقة أخرى للحصول على التعويض.

منازل ساحلية في مدينة نابولي بولاية فلوريدا
منازل ساحلية في مدينة نابولي بولاية فلوريدا المصدر: بلومبرغ

نهج شركات التأمين

قال مارك غيستفلد، أستاذ القانون بجامعة نيويورك الذي يدرس الدعاوى القضائية المدنية وقطاع التأمين، إن تمويل الأطراف الخارجية وممارسات المحامين قد تؤدي لتضخيم التكاليف في بعض القضايا. لكن شركات التأمين لطالما اتبعت نهج تخفيض أقساط التأمين لاجتذاب مزيد من العملاء في فترات الرخاء، حين تكون العوائد الاستثمارية قوية والتعويضات معقولة نسبياً، ثم تزيد الأقساط حين تسوء الأحوال.

قال غيستفلد: "عليكم أن تنقضوا تفسير تاريخ الدورات هذا، وتبينوا لنا سبب أن هذه ليست مجرد بداية دورة أخرى".

اقرأ أيضاً: الأعاصير والوباء يكبدان "إيه آي جي" مطالبات بـ 545 مليون دولار في 3 أشهر

رفضت 10 من كبرى شركات التأمين، التي أشار رؤساؤها التنفيذيون إلى "التضخم المجتمعي" حديثاً، أو لم ترد على طلبات بتقديم بيانات عن تأثير الدعاوى القضائية على أنشطتها بعيداً عما أعلنه مسؤولوها التنفيذيون.

قال جيم ويتل، نائب رئيس "أميركان بروبرتي كاجوالتي إنشورانس أسوسيشن" (American Property Casualty Insurance Association)، وهي تكتل في قطاع التأمين، إن القصور في حفظ السجلات في نظام المحاكم يُصعّب جمع أدلة مباشرة عن تكلفة الدعاوى القضائية على شركات التأمين.

وأضاف أن الدعاية المتزايدة وتمويل الدعاوى القضائية و"الأحكام النووية" كلها تبرز المشكلة، وهي أن المحامين والممولين يعتبرون النظام القضائي "مربح، وهم يزيدون ربحيته". لكن لا تتوقع الحصول على أرقام ملموسة. قال: "إن كنت تسعى لبيانات عملية تربط بين هذه الأمور، فستجد ذلك مستحيلاً".