هل تنجح تكساس في تشكيل وادي سيليكون جديد منافس لكاليفورنيا؟

مركز التكنولوجيا في ولاية تكساس
مركز التكنولوجيا في ولاية تكساس المصدر: بلومبرغ
Stephen Mihm
Stephen Mihm

Columnist at Bloomberg (http://bloomberg.com/opinion). Author of A Nation of Counterfeiters; Crisis Economics (with Nouriel Roubini). Sleep-deprived father of three.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل تعتبر تكساس بالفعل منافساً جاداً لكاليفورنيا كوجهة للتكنولوجيا الفائقة؟، يشير النزوح المتزايد للشركات الكبرى مثل "أوراكل" و"هيوليت باكارد إنتربرايس" و"سبيس-إكس" التابعة لـ"تسلا ، وغيرها، إلى أن هناك شيئا ما يرتبط بهذه الفكرة. ومع ذلك، يشير المشككون إلى أن الكثير من الأماكن الأخرى قد حاولت أن تصبح وادي السيليكون الجديد ولكنها لم تقترب من ذلك أبداً.

وقد تكون ولاية تكساس مختلفة، ليس بسبب نقل المقرات البارزة الأخيرة إليها، فعلى عكس مراكز الابتكار المحتملة الأخرى، رعت الولاية صناعة التكنولوجيا الفائقة بهدوء لعدة عقود. وإذا نافست تكساس كاليفورنيا في نهاية المطاف، فستكون العواقب وخيمة ليس فقط بالنسبة للصناعة، ولكن بالنسبة للسياسة الأمريكية أيضاً.

لنعد قليلاً إلى الوراء. في أوقات مختلفة من تاريخ الولايات المتحدة، ظهرت مناطق عديدة كتجمعات لازدهار الابتكار الصناعي، ونتجت عنها شركات جديدة قوية بمبالغ هائلة من الثروات. تجذب "تجمعات الاختراع" هذه كتلة كبيرة من الشركات والمواهب التي تعتمد غالباً على المؤسسات المتخصصة في تدريب الأجيال القادمة من العمال ورجال الأعمال.

لا شيء يدوم إلى الأبد

يتناسب وادي السيليكون مع هذا النموذج، ومثلما لاحظت مارغريت أومارا في سردها المُسلي لتاريخ المنطقة، أدى التقارب الحاسم بين المواهب الهندسية، ورأس المال الاستثماري، والمؤسسات التعليمية، والأموال الحكومية إلى إطلاق العنان لموجات من الابتكار، بنت كل منها على سابقتها فولّدت طفرات اقتصادية أكبر من أي وقت مضى.

لكن لا شيء يدوم إلى الأبد. فقد ولى زمن مجد مدينة هارتفورد بولاية كونيكتيكت التي كانت قوة عالية التقنية في أواخر القرن التاسع عشر عندما سيطرت على الهندسة الدقيقة والأجهزة. عانت مراكز الابتكار والاختراع الأخرى من نفس المصير، فقد كانت فيلادلفيا رائدة في إنتاج الأدوات الآلية، وكانت ديترويت قبلة صناعة السيارات، وآخرين أيضاً.

وإذا فقد وادي السليكون مكانته البارزة، فمن شبه المؤكد أنه سيفسح المجال لعدة تجمعات في تكساس، وهي الولاية الأكثر ارتباطًا بتيد كروز الآن، وعقوبة الإعدام والنفط الخام. ورغم استبعاد فكرة أن تتحول تكساس مركزاً رائداً للابتكار بدلاً من كاليفورنيا، إلا أنه لا يمكنك سوى إلقاء نظرة فاحصة على ما حدث في الزمن البعيد.

نماذج تاريخية

وكما جادل أحد رواة تاريخ التكنولوجيا الفائقة في تكساس، فلقد بزغ فجر عصر جديد في عام 1930 الذي جلب أخباراً عن أكبر اكتشاف نفطي في الولايات الـ 48 بالجنوب على الإطلاق، وهو ما سمي ببقعة "جوينير سترايك" Joiner Strike في شرق تكساس. كما شهدت أيضاً تأسيس شركة "جيو فيزيكال سيرفيس" Geophysical Service لاستخدام الموجات الصوتية في التنقيب عن النفط، والتي سرعان ما أصبحت معياراً صناعياً. نمت الشركة بسرعة وتوسعت في مجال الكشف عن الغواصات خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي عام 1951، أصبحت الشركة "تكساس إنسترومنتس" Texas Instruments ، وصارت واحدة من عمالقة عصر الكمبيوتر. وبعد ثلاث سنوات، أصبحت "تكساس إنسترومنتس" أول شركة تصمم وتصنع وتسوق ترانزستورات السيليكون، ثم طورت أول دوائر متكاملة أو رقائق كمبيوتر بعد ذلك بسبع سنوات، لتكون هذه هي اللبنة الأساسية لكل شيء بدءاً من آلات الحاسبات المحمولة حتى أجهزة الكمبيوتر. وازدهرت ونمت "تكساس إنسترومنتس" بشكل أكبر في دالاس، حتى بعد أن أصبح وادي السيليكون الرائد المرئي في تكنولوجيا الحوسبة، بل وصارت حالياً أكبر شركة مصنعة للرقائق التناظرية في العالم.

ويتعلق جزء من أسباب مسيرتها تلك بجامعة "رايس" في هيوستن، والتي تستمر في أداء دور رئيس في دفع الابتكار التقني بالولاية، تماماً مثلما تفعل جامعة "ستانفورد" مع وادي السيليكون. وفي الواقع، انتقل العديد من اللاعبين الأوائل في وادي السيليكون إلى كاليفورنيا بعد تخرجهم من جامعة "رايس"، مشكلين ما سُمي أحياناً بـ "مافيا رايس".

ظل وادي السيليكون

وكان من المناسب لجامعة "رايس" أن تلعب دوراً رئيساً في الخطوة التالية لصعود تكساس، ففي عام 1961، تبرعت الجامعة بأكثر من ألف فدان من الأراضي لبناء ما أصبح يعرف باسم مركز "جونسون" للفضاء، ما أدى إلى إغراق مدينة كانت في السابق مقاطعة، بعلماء صواريخ حقيقيين. ومثل وادي السيليكون، حيث أثبتت العقود الحكومية والاتصالات ضرورة لوقوف المنطقة على قدميها، أدت ريادة هيوستن في سباق الفضاء إلى إطلاق مجموعة من الصناعات ذات الصلة.

حدث كل ذلك بشكل تدريجي للغاية، وبشكل غير محسوس تقريباً، حيث بقيت تكساس ظلاً لوادي السيليكون المزدهر، ولكن مع ازدهار الولاية، ازدهر نظام الجامعات العامة. وسرعان ما ظهرت الجامعة الرائدة في أوستن، وبدأت الشركات الناشئة بالانتشار في كنف الجامعة، وكذلك على طول الطريق السريع 35 الذي يربط أوستن شمالاً بدالاس، وجنوباً بسان أنطونيو. وارتبط هذا الممر بهيوستن التي كانت مزدهرة في تلك الفترة بالفعل.

محاولات اللحاق بالركب

تلاشت بعض الشركات التي حددت المشهد التقني في تكساس بتلك الحقبة المبكرة، فعلى سبيل المثال خضعت شركة "تاندي" Tandy Corp ، للمنافسة وأعادت تسمية نفسها "راديو شاك" Radio Shack Corp. للتركيز على البيع بالتجزئة، بعد أن ساعدت في أوج مجدها في إطلاق عصر الكمبيوتر الشخصي من خلال جهاز الكمبيوتر المحمول"تي آرإس- 80" TRS-80، وتلاشت أيضاً شركة "كومباك كمبيوترز"Compaq Computers Corp. . إلا أن شركات أخرى دامت أكثر من هؤلاء، فتأسست في أوستن مجموعة من الشركات الناشئة الناجحة، بما في ذلك شركة مايكل ديل التي بدأت في التسويق المباشر لأجهزة الكمبيوتر الشخصية للمستهلكين ولا تزال عملاقة حتى اليوم.

وبحلول عام 2000، انحسرت معركة التفوق التقني بين ولايتي كاليفورنيا وتكساس، إلا أن ولاية تكساس ذات النجمة الواحدة في علمها، كانت لا تزال تحاول اللحاق بالركب في تلك المرحلة. وبينما بلغ إجمالي صادرات كاليفورنيا من المنتجات العالية التقنية في ذلك العام ما يقدر بـ53 مليار دولار، جاءت تكساس في المرتبة الثانية بقيمة 25 مليار دولار. ومع ذلك، فلقد تفوقت ولاية تكساس على كاليفورنيا في عام 2014 وتولت مرتبة متقدمة منذ ذلك الحين.

كاليفورنيا لا تزال في الصدارة

وتشير المقاييس الأخرى إلى أن كاليفورنيا تواصل التمسك بزمام القيادة. وبالعودة إلى عام 2000، كانت كاليفورنيا الولاية الأولى في مجال البحث والتطوير والاستثمار، واستثمار رأس المال في المشروعات، بالإضافة إلى عدة مقاييس مستقبلية واعدة. بينما احتلت تكساس المتخلفة عن الركب، المرتبة السادسة في البحث والتطوير قبل 20 عاماً. ومنذ ذلك الحين، قفزت تكساس إلى المركز الثالث، لكن لا تزال كاليفورنيا تحتل الصدارة. وأعتقد أن النقل المتزايد لمقرات الشركات يمكن أن يغير المعادلة. فالشركات التي تتخذ هذه الخطوة ليست مجرد لاعبين صغاراً، بل هي شركات ضخمة مثل "أوراكل" و"تسلا". بالتأكيد، ستبقى بعض عملياتهم في كاليفورنيا، ولكن لا تزال هذه الخطوة هامة للغاية.

ولا يعتبر انتقال هذه الشركات العملاقة خطوة فردية، حيث تعد تكساس الوجهة الأولى لعدد متزايد من الشركات التي تنتقل من ولاية كاليفورنيا، وقد ظلت كذلك لمدة تزيد عن 12 عاماً. فعلى سبيل المثال، غادرت 1800 شركة ولاية كاليفورنيا في عام 2019؛ ليتجه معظمها إلى تكساس، وقد تزامن ذلك الانتقال مع التحولات السكانية حيث غادر 42500شخصاً كاليفورنيا إلى تكساس، فيما يعتبر أكبر حركة لانتقال الأشخاص في البلاد.

تحول الولاية إلى الأزرق

ومن المتوقع أن يغير تدفق عمال التكنولوجيا المتعلمين جيداً والأثرياء، ومعظمهم يعتبر نفسه ليبرالياً، ولاية تكساس من عدة نواحي وليس من الناحية الاقتصادية فقط. فبمرور الوقت، يمكن أن يساعد العدد المتزايد من عمليات الانتقال في تحويل الولاية إلى اللون الأزرق لأول مرة منذ فوز الرئيس جيمي كارتر بها في عام 1976، ويمكن أن تمنح الولاية ثروتها من الأصوات الانتخابية إلى الديمقراطيين في الانتخابات المستقبلية. إذا حدث ذلك، فقد يدرك الجمهوريون متأخراً أن قوة قطاع التكنولوجيا تتجاوز بكثير منع الرئيس من استخدام تويتر.