تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا شديد الوضوح في جورجيا

زعيم ملياردير في تبليسي يردد أصداء خطاب موسكو وهو ينتقد "حزب الحرب العالمي"

منظر عام لمدينة تبليسي المضيفة لبطولة العالم للرجبي تحت 20 سنة 2017، عشية المباراة النهائية بين إنجلترا ونيوزيلندا، في 17 يونيو 2017 في تبليسي، جورجيا
منظر عام لمدينة تبليسي المضيفة لبطولة العالم للرجبي تحت 20 سنة 2017، عشية المباراة النهائية بين إنجلترا ونيوزيلندا، في 17 يونيو 2017 في تبليسي، جورجيا المصدر: بلومبرغ
Marc Champion
Marc Champion

Marc Champion is a Bloomberg Opinion columnist covering Europe, Russia and the Middle East. He was previously Istanbul bureau chief for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يدور كثير من الجدل حول ما يحمله المستقبل لأوروبا والدول المجاورة لها إذا نجح غزو روسيا لأوكرانيا. غير أننا نعرف جانباً من الإجابة على أقل تقدير، نظراً لأنها تتحقق أمامنا في جورجيا.

فهذه الدولة الصغيرة في منطقة القوقاز هي التي أفصح الرئيس فلاديمير بوتين أولاً عن استعداده لاستخدام القوة فيها، حتى تستعيد روسيا مجال نفوذها وسيطرتها. ولم تزل بداية تلك الحرب مسألة مثيرة للجدل سوف أتطرق لها في وقت لاحق، بيد أن ما حدث منذ ذلك الحين لا ينبغي أن يثير أي خلاف.

في مساء الإثنين، ألقى رجل الأعمال الجورجي بيدزينا ايفانيشفيلي، الذي كون ثروته المليارية في روسيا، خطاباً يتهم فيه "حزب الحرب العالمي" بمحاولة منع بلاده من تأكيد حريتها وسيادتها.

هذا الحزب هو ذاته الذي استخدم منظمات المجتمع المدني غير الحكومية لإِشعال ثورة الزهور في جورجيا عام 2003، بحسب إيفانيشفيلي، الذي يدير بلده حالياً من منصب غير منتخب بوصفه رئيس "حزب الحلم الجورجي" الحاكم. وقد وضعت تلك الانتفاضه في السلطة حكومة وصفها الرجل بأنها كانت "دمية" أغرقت البلاد في براثن الجريمة والقمع، ثم دفعتها في حرب مع روسيا عام 2008. وبعد ذلك دفعت هذه المؤامرة العالمية غير واضحة المعالم دولة أوكرانيا إلى حربين مع موسكو في عامي 2014 و2022.

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا تتبادلان قصف منشآت تكرير نفط وغاز

أضاف إيفانيشفيلي في خطابه أن هؤلاء أنفسهم يحاولون حالياً الإطاحة بحكومته من السلطة، وفرض قيم أجنبية مثل حقوق المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً، لأنه يرفض فتح جبهة ثانية ضد روسيا.

وبحسب إيفانيشفيلي، ينبغي التعامل مع المنظمات غير الحكومية، وكذلك محاكمة أعضاء حكومة الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي الموجود حالياً في السجن بتهم يقول محاموه إنها ملفقة، على جرائم لم يحددها.

قال الباحث الخبير في منطقة القوقاز توماس دي وال يوم الثلاثاء، إن ذلك "كان خطاباً في غاية الخطورة سيصيب كل من يهتم بجورجيا بالقشعريرة حتى العظام".

الانحياز لموسكو وقانون العملاء الأجانب

كذلك كان الخطاب بمثابة إعلان من إيفانيشفيلي عن انحيازه لموسكو في المواجهة مع الغرب، مستخدماً نفس اللغة المضطربة والتي تعكس جنون العظمة، المندفعة من أفواه القادة الروس يومياً.

ورداً على ذلك الخطاب، كتبت مجموعة من 67 دبلوماسياً جورجياً من الحاليين والسابقين في رسالة مشتركة: "من الواضح تماماً أن إيفانيشفيلي وحزب (الحلم الجورجي) قد غيرا وجهة السياسة الخارجية من الغرب إلى روسيا".

حتى الآن، أقنع إيفانيشفيلي الحكومة مرتين باقتراح قانون بشأن العملاء الأجانب يشبه إلى حد كبير ذلك القانون الذي تستخدمه روسيا لقمع أي منظمة غير ربحية تتلقى منحاً من خارج البلاد ولا تسير على خط الكرملين. مثل هذه القوانين، التي تهدف إلى قمع المجتمع المدني، هي الوسائل التمهيدية التي يستخدمها المستبدون المحتملون وهم يتطلعون إلى إزاحة جميع المؤسسات التي ربما تهدد عملية إحكام قبضتهم على السلطة.

يسيطر حزب "الحلم الجورجي" على البرلمان، لكنه تراجع عن محاولة تمرير ذلك القانون في مارس من العام الماضي، بعد أن أثار مشروع القانون احتجاجات حاشدة في الشوارع. ولم يكن من قبيل المصادفة أن روسيا كانت في ذلك الوقت في حالة تراجع في أوكرانيا، حيث كانت تتعافى من هزيمتين كبيرتين في ساحة المعركة، وبدت مضغوطة وعاجزة عن التماسك حتى كقوة إقليمية.

وحالياً، تكرر الحكومة في تبليسي تلك المحاولة، وقد أثار ذلك احتجاجات كبيرة وانتقادات رسمية من حلفاء جورجيا الغربيين. فقال الاتحاد الأوروبي إن القانون لا يتوافق مع انضمام جورجيا إلى عضوية الاتحاد، التي تظهر استطلاعات الرأي أن نحو 80% من الجورجيين يريدونها. وأعربت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن خيبة أملهم في رسالة، وحذروا من أن هذا التحول في السياسة قد يضطر الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات.

اقرأ أيضاً: "الشيوخ الأميركي" يوافق على حظر استيراد اليورانيوم الروسي

فما الذي حدث في جورجيا؟ كان ساكاشفيلي، وهو محامٍ تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، يعمل فعلاً في منظمة غير حكومية، وقاد ثورة الزهور إلى السلطة في عام 2003. وكانت جورجيا في ذلك الوقت دولة فاشلة، تسيطر على معظم أراضيها عصابات إجرامية، وقد اقتطع الانفصاليون الموالون لروسيا ثلاث مناطق منها وسيطروا عليها.

صعود إيفانيشفيلي وتحول سياسة جورجيا

لم يظهر إيفانيشفيلي، الذي عاد مؤخراً من روسيا، أي إشارة لمعارضة تلك الثورة، بل أنه مول بعض إصلاحات ساكاشفيلي. فهذا الزعيم الشاب الجديد، على الرغم من كل إخفاقاته، استعاد بسرعة إقليماً واحداً من الأقاليم المفقودة، وقلص الفساد بشكل جذري، وحصّل الضرائب، مخلفاً وراءه دولة فاعلة وقابلة للاستثمار.

لم تنشأ أي عداوة بين الرجلين حتى عام 2008. كان حلف شمال الأطلسي قد قرر لتوه رفض خطط انضمام جورجيا وأوكرانيا، لكنه قدم وعداً طويل الأجل، ما اعتبره بوتين تجاوزاً على فنائه الخلفي.

بدأ الجيش الروسي في تجهيز مستودعات الوقود والبنية التحتية للسكك الحديدية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما المنطقتين من جورجيا اللتين بقيتا تحت سيطرته. وعندما بدأ بتزويد أوسيتيا الجنوبية بدبابات وجنود بدون علامات في أغسطس، قام ساكاشفيلي بمحاولة كارثية لتوجيه ضربة استباقية.

أصبح ساكاشفيلي أول زعيم جورجي يتنحى، ويسمح بانتقال سلمي للسلطة عندما خسر الانتخابات في عام 2012. ولفترة من الوقت، بدا أن إيفانيشفيلي، و"حزب الحلم الجورجي"، ربما يطرح مساراً أقل اندفاعاً نحو الاندماج في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الذي تريده الغالبية العظمى من البلاد، بالإضافة إلى مزيد من الحماية لسيادة القانون.

غير أن البلاد، بدلاً من ذلك، تراجعت على مؤشرات الفساد والحرية. وتعرض معارضو الحكومة للضرب أو إطلاق النار عليهم. وفي هذه المرة، عندما ضغط إيفانيشفيلي من أجل قانون المنظمات غير الحكومية القمعي، كانت روسيا قد تحولت إلى الهجوم في أوكرانيا، وتستولي على أراضيها مع نفاد ذخيرة كييف على الجبهة. وبدلاً من التراجع من جديد في مواجهة المظاهرات الواسعة، خرج إيفانيشفيلي الآن ليعلن أنه صاحب قانون العملاء الأجانب، وأن الغرب هو عدوه.

وبذلك، يتحدى رجل جورجيا القوي إرادة معظم السكان، بينما يحجب الحقيقة عبر مغازلة الجورجيين ذوي النزعة المحافظة بالهجوم على حقوق المثليين. كذلك، لاريب في أنه سيحظى بتأييد موسكو، التي تحتفظ بقوات في أبخازيا وفي أوسيتيا الجنوبية، التي تبعد حوالي ساعتين بالدبابات عن العاصمة. والنتيجة أنني لا أعرف أدنى معرفة ماذا سيحدث بعد ذلك، ولكن تأثير نجاح بوتين عسكرياً في أوكرانيا واضح بالفعل، إذ إنه يحول أحلام السكان في الدول المجاورة لروسيا إلى كوابيس.