مُدن المستقبل تستهدف جذب الشباب "العاملين عن بُعد"

المطورون في بنتونفيل، أركنساس، حريصون على تعزيز جاذبية المدينة الصغيرة للعاملين عن بُعد
المطورون في بنتونفيل، أركنساس، حريصون على تعزيز جاذبية المدينة الصغيرة للعاملين عن بُعد المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

نشرت شركة "كومون" (Common) التي تُقدِّم خدمات لتَشارك السكن في الولايات المتحدة، في شهر أغسطس من العام الماضي، طلباً لتلقي العروض من المدن الأمريكية الراغبة باستضافة "مراكز عمل عن بُعد".

وهذه المراكز عبارة مجمعات مكاتب وشقق تستهدف جيل الشباب الرقمي ممن يمكن أن يوصفوا بـ"الرُحَّل". وأعلنت الشركة مؤخراً، عن خمسة فائزين في هذه المنافسة.

والفائزون من المدن التي قدَّمت عروضها، سينتقلون إلى مرحلة ورشة العمل التي تجمع مطوِّرين من مدن نيو أورلينز، وبنتونفيل في ولاية أركنساس، وأوغدن في ولاية يوتا، وروكي ماونت في ولاية نورث كارولينا، وروتشستر في ولاية نيويورك.

أما الجائزة فهي تتمثَّل في حصولهم على خبرات في التصميم، وقيام فريق شركة "كومون" بالتسويق لمراكز أعمالهم الجديدة.

وتراهن شركة "كومون" بشكل كبير على أسلوب العمل عن بعد، وهي التي تدير مساحات للسكن، والعيش المشترك في تسع مدن أمريكية، ومضى على عملها في المجال 6 سنوات حالياً.

وتشعر الشركة بالثقة في استمرارية أسلوب العمل هذا الذي تزايدت شعبيته لسنوات، وتؤمن أنَّ المدن التي تستعد للانتعاش الاقتصادي سوف تقوم باستيعاب حشود الناس التي تعمل من المنزل بشكل مستمر. وقالت الشركة، إنَّ هذه الخطة سبقت تفشي جائحة كورونا، وإنَّ العمل على بناء مرافق العيش والعمل لن يبدأ قبل أن ينحسر فيروس (كوفيد-19).

مدن المستقبل هي تلك التي تستطيع جذب السكان

وتختلف هذه المدن الخمس التي قدَّمت عروضاً ناجحة، اختلافاً كبيراً من ناحية الجغرافيا، والطبيعة السكانية، والثقافية. وما يجمعها هو انخفاض تكلفة المعيشة، والاهتمام بالتنوع في عمليات التوظيف، وقدرتها على البقاء بعيداً عن الأذهان، والأبصار خلال المحادثات الحالية العديدة حول مستقبل المدن بعد (كوفيد-19).

ويقول براد هارغريفز، الرئيس التنفيذي لشركة "كومون": "لم نكن نرغب في الذهاب إلى مكان يوجد فيه أصلاً مشهد تقنيٌّ وإبداعيٌّ واضح المعالم، ولم نرغب في اتخاذ خيار واضح. فلم نرغب، على سبيل المثال، في الذهاب إلى مدينة أوستن في ولاية تكساس، العامرة أصلاً بالعاملين عن بعد، التي ربما ستواجه أزمة إسكان خاصة بها خلال السنوات المقبلة".

وأضاف: "إنَّ ما أثار حماستي فعلاً هو أنَّ مدينة نيو أورلينز هي التي تستطيع توظيف الأشخاص وجذبهم، وليس الشركات".

وتعدُّ مدينة نيو أورلينز أكبر وأشهر مركز مدني على قائمة شركة "كومون"، وهي نفسها تأمل في توسيع قاعدة إيراداتها من السياحة، وتوسيع نطاق جذبها للعاملين في مجال التكنولوجيا.

وفي حين أنَّ الطلبات جاءت من مطوِّرين لديهم مواقع معينه في المدينة لاستهدافها، إلا أنَّ جميعهم حصلوا على شكل من أشكال التأييد من قادة المدينة؛ فمثلاً جاء عرض شركة "فريم وورك ديفيلوبمينت" لبناء "نولا وورك ستايل" في حي وسط مدينة نيو أورليانز بعد تطوير المشروع مع منظمة التنمية الاقتصادية الإقليمية بالمدينة، الذي تضمَّن مذكرة دعم من عمدة المدينة لاتويا كانتريل.

ويقول ديفيد هيشت، مؤسس شركة "فريم وورك": "تركِّز إدارة العمدة والمدينة كلها على التنويع الاقتصادي، وتنمية الاقتصاد. فما أثار حماستي فعلاً هو أنَّ مدينة نيو أورلينز هي التي تستطيع توظيف الأشخاص وجذبهم، وليس الشركات".

أما مدينة بينتونفيل، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 50 ألف نسمة، وتقع في شمال غرب ولاية أركنساس، فهي تشتهر بكونها مقر شركة "ولمارت" العالمية، وهي أيضاً جزء من محاولة إقليمية لتحفيز انتقال العمال عن بُعد إلى شمال غرب مدينة أركنساس مقابل منحهم 10 آلاف دولار ودراجة مجانية.

تسمي مدينة بنتونفيل نفسها عاصمة ركوب الدراجات الجبلية في العالم، وبعد تلقِّيها لأكثر من 25 ألف طلب للحصول على المنحة، يخطط مجلس شمال غرب أركنساس للإعلان عن الفائزين في الجولة الأولى في شهر فبراير، البالغ عددهم 25 شخصاً. كما يمكن أن يشكِّل المبنى الذي يحمل العلامة التجارية "كومون"، والمصمم للعاملين عن بُعد الذي قدَّمته شركة "بلو كرين" نقطة جذب أخرى.

"روكي ماونت"

وبالانتقال للحديث عن مدينة "روكي ماونت"، فقد عانت هذه المدينة التي عرفت نوعية التبغ الذي تنتجه في الماضي-وكونها الموطن الأول لفرع مصرف "بيبولز ناشيونال بنك"- من فقدان الوظائف، وهجرة الأدمغة، وانتقال العديد من الشركات إلى مدينة رالي، عاصمة الولاية التي تقع على بعد نحو 100 كم إلى الغرب.

وقال إيفان كوفينغتون تشافيز، مدير التطوير في شركة "كابيتول برودكاستينغ"، التي قدَّمت عرضاً لشركة "كومون": "كانت الشركات التي اتخذت من مدينة روك ماونت مقرَّاً لها قد بدأت في التفكير في الانتقال إلى مدينة رالي منذ السبعينيات والثمانينيات". وبعدما ضرب إعصار فلويد المدينة الواقعة على ضفاف النهر في عام 1999، "دمَّر ذلك بشكل أساسي أيّ فرصة لإعادة بناء هذه الشركات" على حدِّ قول تشافيز.

ولكن يبدو أنَّ عمليات الهجرة إلى الخارج خلال السنوات القليلة الماضية بدأت تصبح عكسية، فبعد نقاشٍ مثيرٍ للجدل، انتقلت دائرة إدارة السيارات التابعة للولاية من مدينة رالي إلى مدينة روكي ماونت العام الماضي، ومع وجود خطة لتطوير محلج قطن سابق عمره 200 عام لتصبح مركز عمل عن بعد، تأمل شركة "كابيتول برودكاستينغ" في تغيير حظ المدينة ومواصلة جذب سكانٍ جدد، وتشجيع السكان الحاليين على البقاء.

جذب المواهب والعقول يحدد مستقبل المدن

وهذا الأمر هو ما تحاول أن تفعله مدينة روتشستر أيضاً، وذلك بعد التلاشي البطيء لشركة التصوير العملاقة "إيستمان كوداك" منها، التي كانت توظِّف أكثر من 60 ألفاً من السكان المحليين، عندما كانت في أوجها في عام 1982.

ذلك فضلاً عن الشركات الضخمة الأخرى التي ترعرع أربابها في مدينة روتشستر، كشركتيّ "زيروكس" (Xerox)، و"بوش أند لومب" (Bausch + Lomb)، مما قد شكَّل نواة قوية للوظائف التكنولوجية ذات الأجور الجيدة في غرب مدينة نيويورك، التي صمدت بشكل جيد خلال فترة التسعينيات.

وعلى الرغم من فقدها للعديد من وظائفها وسكانها منذ ذلك الوقت، لاتزال المدينة تحتفظ بقطاعيها التعليمي والثقافي القوي.

ويؤكِّد العمدة لوفلي وارن على جاذبية المنطقة لجيل جديد من العاملين في مجال التكنولوجيا، ومن المتوقَّع من المشروع الذي تمَّ تقديمه لشركة "كومون" من شركات "لاندرز مانيجمينت"، و"كونستانزا انتربرايزيز"، و"روب ساندز" أن يشمل سبعة مبانٍ على ضفاف نهر غينيسي.

أما في مدينة أوغدن بولاية يوتا، فقد قدَّمت شركتا "آواتريل ريالتي كابيتال"، و"باودر ديفيلوبمينت" عرضاً مشتركاً لإنشاء العديد من المباني للعمل عن بُعد في عدَّة مواقع وسط مدينة أوغدن، وفي منتجع "باودر ماونت" للتزلج خارج المدينة.

وقال العمدة مايك كالدويل في بيان، إنَّ بناء موقع فعلي لتجمُّع العمال عن بُعد، يمكن أن يعالج بعض الأمور التي ضاعت في عصر العمل عن بُعد.

وأضاف: "بالتأكيد كان للزيادة الفورية في العمل عن بُعد تأثير كبير على أعمالنا التي تعتمد على السفر للعمل، والعقارات، وتجارة التجزئة التقليدية، وشبكات الاتصالات، أو تتعامل معها، على الأقل على المدى القريب. إلا أنَّ هناك حاجة كبيرة للاحتفاظ بالجوانب الثقافية المهمة في المدينة، مثل الشعور بالانتماء، وفرص التدريب المهني المباشرة وغير المباشرة، وساحة المدينة الفعلية على سبيل المثال لا الحصر".

ولكن لا توجد أيّ تفاصيل حول مرافق العمل المشتركة التي ستوفّرها هذه المباني، أو عن عدد الوحدات التي سيتمُّ ملؤها في النهاية (على الرغم من أنَّ معظم التقديرات تتراوح بين 100 إلى 200 وحدة)، أو متى سيتمُّ فتح الأبواب لشاغليها (من المتوقَّع أن يبدأ بناء المركز الأول في نهاية عام 2021 أو بداية عام 2022).

وبالطبع يبقى أيضاً أن نرى؛ إذا كانت إحدى مشاريع التطوير هذه، سوف تنجح في جذب العاملين في مجال التكنولوجيا الذين يقال إنَّهم ينقلون أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم من وادي السيليكون إلى مواقع جديدة في تكساس أو ميامي.

ولكن مع ابتعاد المدن عن التنافس على الأعمال التجارية، والتنافس بدلاً من ذلك على جذب الموظفين الأفراد إليها، فإنَّ تقديم الوعد بالعيش في مجتمع من الخبراء أصحاب التفكير المماثل، وتقديم فرصة للتفاعل الشخصي مع زملائهم في مجال العمل، يمكن أن يشكِّل عامل جذب كبير جداً.

وقال هارغريفز أخيراً: "عندما تتأمَّل في كيفية قيام المدن بذلك، تجد أنَّ الأمر لا يتعلَّق فقط بإعطاء المال للعاملين، بل بتصميم بيئات يريد هؤلاء العيش فيها".