المصدر: Black Tomato

استرح وسافر حول العالم.. نصيحة لمواصلة مسيرة مهنية ناجحة

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يُظهر الملايين من الأمريكيين هوسًا بوظائفهم ويقلقهم الادخار، ويخافون من ألا يكون لديهم المال الكافي عندما يتقاعدون، لكن النصيحة التي يقدمها الخبراء لهؤلاء الأشخاص مدهشةً بعض الشيء، إذ ينصحونهم بأخذ إجازة من العمل لشهور أو سنوات، والتجوّل حول العالم والاستمتاع.

تستند نصيحة أخذ إجازة للاسترخاء، في منتصف مسيرتك المهنية، إلى منطق يأخذ المستقبل بعين الاعتبار، فازدياد متوسط الأعمار يعني زيادة مدة المسيرة المهنية وبالمحصلة زيادة الفترة اللازمة للتقاعد، لذلك لا بد أن تعتني بحياتك أولاً؛ لتتمكن من تحمّل مسيرة مهنية طويلة، فالمسيرة المهنية التي تمتد لـ40 عامًا وتنتهي بعمر 60 أو 65 تختلف كثيرًا عن المسيرة المهنية التي تمتد لـ50 عامًا وتنتهي بعمر 70 أو 75.

وزع وقت تقاعدك

وتعلق على هذا الشأن، "ليندا غراتون" (Lynda Gratton)، البروفيسورة في "كلية لندن للأعمال" (London Business School)، المؤلفة المشاركة لكتاب "100 عام من الحياة: العيش والعمل في عصر الأعمار الطويلة (The 100-Year Life: Living and Working in an Age of Longevity)، قائلة: "إن العمل منهك حقًا، ونحتاج لفترة راحة، فلماذا لا ترغب بأخذ بعض الوقت من التقاعد في نهاية العمر وتوزيعه على الفترة الممتدة في منتصف حياتك؟".

يشار هنا إلى أنّ هذا النوع من إجازات التفرّغ- التي تمنحك الفرصة لتعيد شحن قوتك وأفكارك في منتصف مسيرتك المهنية- ليس فكرة جديدة، فهذه الإجازة ما زالت مطبقة في الوسط الأكاديمي، غير أنّ المعظم لا يمكن أن يفكر في الاستقالة من وظيفته ليستمتع لسنة أو سنتين، وهذا ما تؤكّده "غراتون"، إذ لا يزال هذا النوع من الإجازات أمرا مستحيلا من الناحية المادية للأغلبية العظمى من العاملين.

أمّا بالنسبة لذوي الدخل المرتفع، والذين يعملون في مجالات مطلوبة كالتكنولوجيا، فتبدو هذه الفكرة منتشرة بينهم.

أطلقت شركة الإدارة المالية على الإنترنت، "ويلث فرونت" (Wealthfront Inc)، التي تتخذ من وادي السيليكون مقرًا لها، أداة تتيح للعملاء تقدير إذا ما كان بإمكانهم تحمّل تكاليف أخذ إجازة للسفر، حيث يحدّد العميل أن مدة الرحلة لأشهر أو حتى سنوات من أولوياته، إلى جانب الأهداف الأخرى مثل التقاعد أو شراء منزل.

هي حياة واحدة.. فلنستمتع بها

"كايل باريش" (Kyle Parrish) وزوجته "كايت" (Kate)، في الثلاثينات من العمر، وهما عميلان لـشركة "ويلث فرونت"، وقد عادا إلى سان فرانسيسكو في شهر نوفمبر 2018 من رحلة حول العالم مدتها 15 شهرًا، حيث زارا 25 دولة وجميع القارات ما عدا القارة القطبية الجنوبية.

وتمكّن الزوجان خلال الرحلة من تكوين صداقات بتكاليف منخفضة نسبيًا، إذ كانا يقيمان في منازل أهل المناطق التي زاراها، كما عملا في مزارع في سلوفينيا وباتاغونيا؛ حيث أن تكلفة الرحلة كانت 40 ألف دولار، واضطر "باريش" إلى الاستقالة من عمل جيد، حيث كان يعمل في قسم المبيعات لدى شركة "دروبوكس إنك" (Dropbox Inc)، التي تعمل في مجال الحوسبة السحابية ومقرها سان فرانسيسكو.

وأكّد الزوجان- في مكالمة هاتفية مع بلومبرغ- أنهما ليسا نادمين أبدًا، فقد قال "كايل": "تعيش حياتك مرة واحدة، وكإنسان تحتاج أن تتوقف بعض الوقت وتُجدد نشاطك".

إجازة السفر وحياة غنية بالتجارب

فيما يشير الشريك المؤسس لشركة "ويلث فرونت"، "دان كارول" (Dan Carroll)، البالغ من العمر 36 عامًا، إلى تغيّر توجهات العملاء، خاصةً الأصغر سنًا، قائلًا: "لم يعد التقاعد الهدف الأسمى، فنحن نسعى لعيش حياة غنية بالتجارب بدلًا من انتظار أن نبدأ حياتنا عند التقاعد".

أجرت الشركة استطلاعا لآراء عملائها، فوجدت أن أكثر من نصف عملائها وضعوا "أخذ إجازة للسفر" على رأس أولوياتهم قبل الأهداف الأخرى، ما عدا "الاستقلال المادي" و"التقاعد المبكر".

ولا يعد أخذ الإجازة للسفر أمرًا جنونيًا، خاصةً بالنسبة لجيل الألفية، فهذه الإجازة تمنح الموظفين قدرة أكبر لتحمّل العمل في وظائف لفترة أطول وأكثر استدامة، بحسب "جايمي هوبكينز" (Jamie Hopkins)، البروفيسور ورئيس برنامج الدخل التقاعدي في "الكلية الأمريكية للخدمات المالية" (American College of Financial Services)، كما أن وجود خطة لرحلة يمنح الموظفين صغار السن حافزًا إضافيًا للتوفير والعيش ضمن إمكاناتهم، وتسديد ديونهم؛ فهو حافز أكبر من حلم التقاعد بعد عدة عقود.

ويقول "هوبكينز": "أنا لا أعلم كيف سيكون شكل التقاعد بعد 30 أو 40 عامًا"، ففي الوقت الذي سيصبح به جيل الألفية في الـ60 من عمرهم، قد تكون التكنولوجيا غيّرت طبيعة حياة العمل، وربما قد أدى التقدم في مجال الطب إلى زيادة متوسط عمر الإنسان بشكل جذري.

كيفية تصميم البرنامج

إن العيش في باريس لمدة سنتين- في منتصف الـثلاثينات من العمر- من شأنه جعل أمر تحمل نفقات أهدافك على المدى البعيد أصعب بكثير، كدراسة أبنائك في الجامعة مثلًا.

وتحاول "ويلث فرونت" مساعدة عملائها في تقدير التكاليف المادية الفعلية لتحقيق أحلامهم في السفر، وتمكّنهم من تعديل نفقات رحلتهم، حسب الطلب، والوقت الذي سيمضونه بعيدًا عن العمل، مع أخذ التكاليف الأخرى بعين الاعتبار (كالاستمرار بتسديد قرض سكني)، أو الإيرادات (كجمع الإيجار)، أثناء تمضية الإجازة.

وتقوم أداة "ويلث فرونت"- بعد ذلك- بإجراء عملية حسابية وإخبار عملائها إذا ما كانت خطط سفرهم "مريحة" أو "منطقية" أو "لا يمكنهم تحملها"، فمثلًا، إذا كان العميل يبلغ من العمر 32 عامًا ويتقاضى 250 ألف دولار في السنة، ويوجد في حساب توفيره 100 ألف دولار، ويقوم بالتوفير بمعدل 20 بالمئة من راتبه، في هذه الحالة، تقدّر الشركة أنّ بإمكانه تحمل نفقات رحلة مريحة لمدة سنتين، وتكون تكلفة الشهر الواحد 3 آلاف دولار، وهذا على فرض أنه سيحافظ على نفس الراتب ونسبة التوفير بعد الرحلة.

وبالطبع، فإنّ هذين العامين، اللذين سيمضيهما العميل دون دخل، فضلًا على الخسارة المترتبة عن فقدان الإيرادات التي يحصل عليها من إيداع هذه المدخرات، لن تكون بلا ثمن، إذ تقدّر شركة "ويلث فرونت" أن هذه الرحلة- التي تستغرق 24 شهرًا وتكلفتها 72 ألف دولار- ستقلل من إجمالي ثروة هذا العميل الافتراضي بعمر 65 بمقدار 1.1 مليون دولار، أي تقل مدخراته من 8.2 مليون دولار إلى 7.1 مليون دولار، غير أنّ هذا المقدار المتبقي كافٍ لتغطية جميع احتياجات العميل في سن التقاعد.

ومن ناحية أخرى، ترى الشركة أنّ هذا العميل لن يتمكن من تحمل نفقات رحلة مدتها 4 سنوات، لكن يمكنه تحمل نفقات رحلة مدتها 3 سنوات، إذا انتظر مدة عامين آخرين وواصل فيهما الادخار. وترى "كارول" من شركة "ويلث فرونت" أنّ العديد من العملاء لا يمكنهم تقدير إلى أي حدٍ يمكنهم أن يحلموا.

فعندما كانت عائلة "باريش" تتخيل رحلتها، لم تكن أداة "ويلث فرونت" موجودة، لكنهم قضوا 3 سنوات في التخطيط والتوفير، وساعد في ذلك أنهما قاما بالادخار للتقاعد بوقت مبكر، فقد بدأ "كايل" مع بدايات الـعشرينات من عمره في التوفير قدر المستطاع في خطة التقاعد المعروفة في الولايات المتحدة باسم "401 كيه" (401k)، وعندما حان الوقت لسفرهما كان قد جمع 150 ألف دولار، وأثناء رحلتهما كانا يوثقان كل ما ينفقان في جدول ليتأكدا من عدم المبالغة في الإنفاق.

ماذا بعد؟

ولا بد من الإشارة إلى الخطر الوحيد الذي لا يمكن لـشركة "ويلث فرونت" مساعدة العملاء بخصوصه، فقد تقف عطلة تمتد لسنوات عائقًا في وجه مسيرة العملاء المهنية. ويعرف الآباء الذين انقطعوا عن أعمالهم للبقاء في المنزل والعناية بأطفالهم مدى صعوبة العودة إلى سوق العمل.

وعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى مستويات متدنية جدًا، لكن ليس هناك ما يضمن استمرار هذا الحال، فيمكن أن تستقيل من وظيفة ذات دخل مرتفع وفي مجال يكثر الطلب عليه، ومن ثم تعود لتجد الاقتصاد يعاني من ركود والوظائف شحيحة. وربما قد يساعدك أن تعمل في قطاع لا يعارض أصحاب العمل فيه وجود فترات انقطاع عن العمل في مسيرتك الذاتية.

ففي مجال الإعلانات، يقول "آندرو ويند" (Andrew Wind)، البالغ من العمر 38 عامًا: "لحسن حظي أنني شخص مثير للاهتمام"، حيث أنّه بدأ التخطيط لرحلته في عمر الـ33 قبل أن يحصل على وظيفة مدير إبداعي براتب مكنّه من توفير المبلغ الذي كان يحتاجه وهو 40 ألف دولار.

تواصلنا مع "ويند" بعد مرور 3 أشهر على رحلته، التي تمتد لمدة سنة، حيث كان في ميونخ بألمانيا، وأخبرنا عبر الهاتف أن رحلته تنتهي بعد 9 أشهر، ولا يزال أمامه العديد من النشاطات، فهو يريد زيارة 30 دولة و45 مدينة، كما يجب عليه الانتهاء من تأليف كتاب وبعض المسرحيات وحلقات تجريبية لمسلسل تلفزيوني، وفي الوقت نفسه يريد ممارسة اللغة الفرنسية والإسبانية في المحادثة، وعلّق: "أنا أنجز المهام بشكل أفضل وأسرع أثناء السفر".

ويتوقع أن يصبح موظفًا أفضل بعد الرحلة، هذا على فرض أنه سيعود للعمل في مجال الإعلانات، أو أنه سيعود إلى الولايات المتحدة، إذ يقول لنا حينها: "حتمًا ستكون لدي الرغبة في أن أعمل بجد، وأبدأ الفصل التالي من مسيرتي المهنية".

القرار الأفضل

ولم تكن الرحلة عائقًا في وجه عائلة "باريش" عندما عادت إلى سان فرانسيسكو، بل كانت دعامةً كبيرة لمسيرتهم الذاتية في البحث عن عمل، إذ ساعدتهم على كسر الجمود أثناء التواصل. وقد تمكّن كلا الزوجين- خلال 6 أسابيع فقط- من إيجاد عمل جديد وبدخل أعلى مما كانا يحصلان عليه قبل الرحلة.

وقال "كايل": "لقد كانت الرحلة أفضل شيء قمنا به في مسيرتنا المهنية، فقد عدنا ونحن على قناعة تامة أننا نريد إكمال المسيرة، لقد اخترنا أن نأخذ قسطًا من الراحة لبعض الوقت".

ويعد معظم الأمريكيين هذا النوع من إجازات التفرّغ الطويلة شيئا لا يمكن تخيله حتى، على الأقل إلى أن يتقدّموا بالسن قليلًا، ويصبح برنامج "ميديكاير" (Medicare) والضمان الاجتماعي فاعلين.

وأظهرت الدراسة التي أجراها "مركز أبحاث التقاعد" (Center for Retirement Research) في "كلية بوسطن" (Boston College)، على بيانات عام 2016، أنّ نصف الموظفين الأمريكيين عرضة لخطر عدم توافر دخل كاف عند التقاعد، أي بنسبة أعلى من نسبة عام 1989 التي بلغت 30 بالمئة.

وبسبب الأزمة الاقتصادية فإن جيل الألفية متأخر عن معظم الموظفين الأمريكيين الذين يكبرونهم بالعمر، فوفقًا لتقديرات "الاحتياطي الفيدرالي" (Federal Reserve) في سانت لويس، فإن الأمريكي المولود في ثمانينيات القرن العشرين يحصل على ثروة عائلية أقل بنسبة 34 بالمئة من التي كانت تتمتع بها الأجيال السابقة في نفس العمر.

وبالرغم من ذلك، تمكن عدد من الموظفين الشباب من تغيير هذه التوجهات، إذ سددوا قروضهم الدراسية، وبدأوا بالتوفير بشكل أكبر في وقتٍ مبكر، كما أن أقصى درجات الرفاهية- بالنسبة للعديد من جيل الألفية، المهووسين بالعمل- هو الحصول على الوقت.