هل يغير هوس الـ"سكوتر" مشهد التنقل في المدن المزدحمة؟

مواطنون يستخدمون السكوتر في أحد شوارع مدينة سانتا مونيكا بكاليفورنيا
مواطنون يستخدمون السكوتر في أحد شوارع مدينة سانتا مونيكا بكاليفورنيا المصور: ROBYN BECK/AFP VIA GETTY IMAGES
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهد قطاع التكنولوجيا منذ عام 2018 نمواً كبيراً لشعبية خدمات "بيرد" (Bird) و"لايم" (Lime) و"سكِب" (Skip) و"سبِن" (Spin) و"سكوت" (Scoot)، التي تتيح جميعها تأجير السكوترات الكهربائية، وانتشرت وسيلة النقل الجديدة هذه على امتداد شوارع وأرصفة المدن حول العالم.

تسمح هذه الشركات الناشئة للركاب بتحديد مواقع السكوترات وركوبها باستخدام تطبيق خاص، ليتركوها ثم يذهبون في سبيلهم، حالما يصلون إلى وجهتهم. ويعد بعض سائقي السيارات والمشاة السكوتر وسيلة خطيرة لا بد من إيقافها، في حين يرى بعض مخططي المدن أنَّ هذه السكوترات تمثِّل مستقبل النقل إلى جانب الدراجات الهوائية.

ما سبب انتشار السكوتر؟

في كثير من الأحيان لا تكون السيارات أسرع وسيلة للتنقل في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، بسبب الازدحام، ولذا توجَّهت العديد من المدن إلى خدمات مشاركة الدراجات الهوائية والمسارات المخصصة لها،لأنها خيار أفضل للرحلات القصيرة، وطريقة لتقليل انبعاثات الكربون.

وفي هذا السياق، يمثل السكوتر الكهربائي (الذي لا يكلف أكثر من دولارين للرحلة الواحدة) شكلاً جديداً من هذه الخدمة، فبعض المستثمرين الباحثين عن نجاحات كتلك التي حققتها تطبيقات خدمة حجز السيارات- مثل "أوبر تكنولوجيز إنك" و"ليفت إنك" (Lyft Inc)- يتوجهون إلى الاستفادة من هوس السكوتر بضخ الأموال في شركات مثل "بيرد" و"لايم"، مما يثير التنافس على الريادة في هذا المجال بين العلامات التجارية في مدينة تلو أخرى. وتسعى "أوبر" و"ليفت" بدورها أيضاً لمواكبة الركب بإطلاق خدمات سكوتر منافسة.

خدمات السكوتر منتشرة في 40 مدينة أمريكية

بدأت شركة "بيرد" على يد مسؤول تنفيذي سابق عمل في "أوبر" و"ليفت"، لتدير اليوم خدمات السكوتر فيما يقارب 40 مدينة أمريكية، في حين تعمل شركة "لايم" في 23 مدينة؛ فقد أثارت تلك الشركة رواجاً لهذه الوسيلة في أواخر 2017، فور انطلاقتها في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، وانتشرت السكوترات بين ليلة وضحاها في كل مكان تقريبًا.

في المقابل، لاقى وجود العشرات من وسائل النقل، المتروكة على قارعة الطريق في المدينة، ردة فعل معاكسة من أشخاص اشتكوا من هذه الفوضى، مما دفع بعض المدن للحدِّ من عدد السكوترات التي تسمح بها، إلا أنَّ عددها لا يكاد يتجاوز الـ1000 في معظم مدن الولايات المتحدة التي تتيح تشارك وسائل النقل، في حين بلغ عدد سائقي "أوبر" و"ليفت" 45 ألفاً في سان فرانسيسكو عام 2017، وفقاً للمدعي العام في المدينة.

قوانين بريطانيا تعدُّه مركبة تتطلب رخصة قيادة وضريبة وتأمين

توسعت شركة "بيرد" عام 2018 لتصل إلى كلٍّ من فرنسا وإسرائيل، كما بدأت "لايم" توفير خدماتها في فرنسا وألمانيا وإسبانيا، علاوة على انتشار السكوتر بشكل أكبر في أجزاء من الصين، التي تُعد رائدة في هذا المجال منذ وقت مبكر.

ولم تتمكن أيَّة شركة من اقتحام سوق المملكة المتحدة؛ بسبب القوانين الصارمة التي تعدُّ السكوتر مركبة تتطلب رخصة قيادة وتخضع للضريبة والتأمين، وحتى في حال توافر الرخصة والشروط الأخرى، لا تسمح الجهات التنظيمية البريطانية باستخدام السكوتر، لأنه لا يتماشى مع "القواعد الخاصة بالمركبات العادية"،

ولا يمكن التهرب من ذلك باستخدام السكوتر على الرصيف مثلاً، بسبب قانون من القرن التاسع عشر ينص على تخصيص الرصيف للمشاة السائرين على الأقدام فقط.

في الوقت الحالي، لا تعمد معظم خدمات المشاركة على تصنيع السكوترات، بل تشتريها- بدلاً من ذلك- من الشركات الصينية المصنِّعة لها، مع بعض التعديلات التي تطلبها وتتفاوت فيما بينما. وقد حاولت شركة "لايم" منذ انطلاقتها تمييز نفسها باختيار تصاميم سكوتراتها بنفسها، في وقت أعلنت فيه "أوبر" عن خطط لضم الدراجات الهوائية والسكوترات إلى خدمة المشاركة على تطبيقها، وهي تخطط لصنع سكوتراتها بنفسها في سان فرانسيسكو أيضًا.

هل الهوس بالسكوتر مؤقتاً؟

يعتقد المستثمرون أن الأمر قد يكون مربِحاً، إذ تتجاوز قيمة شركة "بيرد رايدز إنك" ومنافستها الرئيسية "لايم" المليار دولار لكل منهما؛ لكن الشكوك التي تحيط بهذه الشركات مبررة؛ فهي قد تكون هوساً مؤقتاً يزول تأثيره بعد فترة، وحتى إن لم يحصل ذلك واستمرَّ نجاح السكوترات، يجب أن يكون لدى شركاتها رأسمال يكفي لاستيعاب التكاليف التي تتجاوز شراء أساطيل المركبات، وتشمل الصيانة وشحن البطاريات بشكل يومي.

كما أنه ما من سبب وجيه يدفع المستخدمين للإخلاص لشركة واحدة، إذ ستقل هوامش الربح بشدة، في حال تنافست الشركات بخفض أسعارها. من جانب آخر، صرَّحت شركة "لايم" أنَّ بإمكانها أن تجني إيرادات من خلال الإعلانات، لكن دون أن تثبت ذلك حتى الآن بالتجربة.

قد ينتهي الأمر بالسكوتر كأحد الخيارات التي توفِّرها خدمات النقل المتكاملة، التي توفر جميع الوسائل، بدءاً من تأجير السيارات لأمد قصير ومشاركة الدراجات وصولاً إلى حجز السيارات وتذاكر القطارات، الأمر الذي يجعل جميع الشركات الحديثة متأخرة عن ركب "أوبر" التي تبدو كأنَّها تتحرك بالفعل في هذا الاتجاه، ويبقى الباب مفتوحًا للتساؤل عن تأثير لوائح وأنظمة المدينة على اقتصاد السكوتر.

منذ البداية، أوضحت كلٌّ من شركتي "بيرد" و"لايم" أنهما سارتا على خُطى شركات حجز السيارات التي تجاوزت بعض حكومات المدن، بإطلاق خدماتها من دون إذن صريح، لتتبع الشركتان بعد ذلك إستراتيجية "طلب السماح، وليس الحصول على تصريح".

ونتيجة لذلك، واجهت شركتا مشاركة السكوتر بعضاً من عمليات الحظر، أو أوامر الإيقاف، والكف عن العمل في عددٍ من المدن، وسارعت الجهات التشريعية إلى تنظيم عمل هذه الشركات بطلبات التصاريح والسماح بعدد محدد من المركبات، ومنح الامتيازات الحصرية والسماح للسكوترات بالوقوف في المناطق المخصصة لها فقط.

أعداء السكوتر

الإجابة تحتمل الإيجاب والنفي، إذ يواجه السكوتر بعض المشاكل ذاتها التي تواجهها شركات حجز السيارات، لا سيما من حيث كونها شركات ناشئة قوية تواجه الحكومات المحلية؛ لكن هناك اختلافات رئيسية؛ فمع انتشار تطبيقات حجز السيارات، اعترض قطاع سيارات الأجرة التقليدية على تفوُّق هذه الشركات المستحدثة، وغير المنظمة بشكل غير عادل، أما بالنسبة للسكوتر، فليس له أي أعداء.

علاوة على أنَّ اكتظاظ المدن، وتغيُّر المناخ جعلت بدائل السيارات خياراً أكثر شعبية لدى حكومات المدن، وبناءً على ما سبق، قد لا يكون هذا الجدال حول السكوتر أكثر من مجرد خطوة على طريق نموه ونجاحه.

هل هذا هو مستقبل النقل في المدن؟

من المبكِّر الحكم على ذلك، فلم يكن لخدمات مشاركة الدراجات الهوائية تأثير ثوري في معظم المدن الأمريكية، كما سيساهم الطقس- في العديد من الأماكن- في جعل السكوتر نشاطاً موسمياً في أفضل الأحوال، وستعيق ثقافة استخدام السيارات الراسخة في البلاد انتشار استخدام السكوتر، فعلى عكس أوروبا، لا يُعد ركوب الدراجة شيئاً يفعله الراشدون للتجوال في المدينة، ناهيك عن استخدام السكوتر.

في المقابل، يعتقد خبراء النقل أن الحكومات يمكنها تغيير هذا الموقف في المدن، من خلال تأمين المسارات الآمنة ومحطات الشحن المريحة ومساحات الوقوف المخصصة للسكوتر.