تحركات أسواق المال تعكس توقعات التضخم ورفع الفائدة

مشاة يمرون من أمام بورصة نيويورك في الولايات المتحدة
مشاة يمرون من أمام بورصة نيويورك في الولايات المتحدة المصور: مايكل ناجل / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اجتاحت الأسواق المالية حول العالم، موجة من توقُّعات المستثمرين لارتفاع معدَّلات التضخم الناتج عن سياسات التحفيز، فقد تدافع المتداولون إلى تسعير الأصول؛ بناءً على توقُّعات انتهاء العمل بأسعار الفائدة المنخفض في وقت مبكر عما كان متوقَّعاً من قبل.

ومع تصاعد توقُّعات ارتفاع التضخم زادت عمليات بيع سندات الخزانة، مما أدَّى إلى زيادة الفجوة بين عوائد السندات لأجل 5 سنوات، والسندات لأجل 30 عاماً ليصل الفارق إلى أوسع نطاق تمَّ تسجيله منذ أكتوبر 2014 وسط زيادة تقديرات الرفع المبكر عما كان متوقَّعاً للفائدة الأمريكية إلى مطلع أو منتصف العام 2023.

وانعكس ذلك على تسعير كافة الأصول بدءاً من أسواق الائتمان وصولاً إلى الأسواق الناشئة، الأمر الذي شجَّع المتداولون على شراء السلع، مما أدَّى لارتفاع أسعارها وسط توقُّعات ببدء دورة قوية ترتفع فيها أسعار السلع بما فيها النحاس.

آفاق النمو المستقبلي

وتشهد تداولات أسواق المال زخماً وسط احتمالات اقرار برامج تحفيزية للتخفيف من تداعيات الجائحة، وتوقُّعات ارتفاع معدلات التضخم، مما يرفع العائد الحقيقي الذي يمحو أثار ارتفاعات أسعار الأصول خلال الفترة الماضية، ويجعلها تعكس بشكل واضح آفاق النمو المستقبلي.

وفي المقابل، يترقب المتداولون بجميع أنحاء العالم احتمال تشديد الفيدرالي الأمريكي، وباقي البنوك المركزية لسياساتهم النقدية – على الرغم من استبعاد ذلك الاحتمال في المدى القريب – ولكنَّ وتيرة صعود عوائد السندات تثير مخاوف بشأن تأثير ذلك الارتفاع على إقبال المستثمرين على تحمُّل المخاطر والأوضاع المالية.

وكتب جون فيليس الخبير الاستراتيجي في "بي إن واي ميلون" في مذكرة للعملاء: "تتوقف المدة التي نقلق من كبح التداولات فيها على ما سنقوم به نحن".

وأضاف فيليس "على الرغم من تزايد مؤشرات منحنى العرض على ارتفاع التضخم، لن يراجع الاحتياطي الفيدرالي سياسته التحفيزية القائمة حتى أواخر العام 2022 على أقل تقدير، وقد يدفع ارتفاع العوائد قبل ذلك الموعد الفيدرالي للتحكُّم في منحنى العائد".

تباطؤ الائتمان

وارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بست نقط أساس لتصل إلى 1.3 % لتقوم أسواق المال بتسعير أوَّل زيادة في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في منتصف العام 2023 تقريباً مقابل مطلع العام 2024 في وقت سابق من فبراير الجاري.

وستكون أسواق الائتمان الأكثر عرضة للخطر؛ إذ سيمحو ارتفاع أسعار الفائدة الحكومية تقلُّص المخاطر بشأن أقساط ديون الشركات، فقد انخفضت عوائد سندات الشركات بنسبة 1.9 % تقريباً خلال العام الجاري وفقاً لمؤشرات بلومبرغ وباركليز.

ويزداد تباطؤ الائتمان خلال الجائحة الذي يقابله ارتفاع العوائد، فقد استغلت الشركات انخفاض أسعار الفائدة لجمع الأموال التي لن تضطر الى سدادها حتى يصبح فيروس كورونا من الذكريات البعيدة.

وقال مايك ريدل مدير محفظة بشركة أليانز غلوبل: "كانت السندات الحكومية الأمريكية والعالمية قصيرة الأجل، التي تتمتَّع بفائدة أقل بكثير عن طويلة الأجل تجارة رائجة خلال الصيف الماضي – كانت العديد من الأسواق تقوم بالتسعير وفق توقُّعات انكماش عالمي كبير- لكنَّ السندات الحكومية في كل مكان كان يتمُّ تسعيرها بناءً على توقُّعات حالة ركود كبيرة".

وأضاف ريدل: "الآن أصبح من الصعب بشكل متزايد تقييم السندات الحكومية على أنَّها غالية".

الأسواق النامية

وأثَّرت وتيرة ارتفاع عوائد سندات الخزانة على الأسواق الناشئة، فقد انعكس ذلك على تراجع عملات البيزو المكسيكي، والليرة التركية، والراند الجنوب إفريقي، بأكثر من 1 % يوم الإثنين.

وكتب بير هامارلوند كبير محللي الأسواق الناشئة في "إس إي بي"، ومقرُّها استوكهولم، في تعليقات عبر البريد الإلكتروني: "قد تحتاج البنوك المركزية في الأسواق الناشئة إلى رفع أسعار الفائدة لوقف الضغوط التضخمية التي سيتسبب فيها ضعف العملات". وأضاف أنَّ الاحتياطي الفيدرالي "عليه الإعلان للأطراف كافة في السوق، كيف سيخططون لمنع العوائد طويلة الأجل من الارتفاع بسرعة كبيرة".

وفي استراليا، عكست التداولات توقُّعات ارتفاع التضخم الناتج عن التحفيز لتصل إلى ذروتها بما يصعب على صانعي السياسة النقدية حول العالم تجاهل ما يحدث هناك.

وارتفعت عائدات السندات الاسترالية لأجل 10 سنوات بأكبر قدر منذ مارس 2020، بالتزامن مع ارتفاع عوائد السندات القياسية لمدة 3 سنوات لتفوق هدف بنك الاحتياطي الأسترالي بنسبة 0.1 %.

وكانت التحرُّكات في أوروبا أكثر هدوءً؛ فقد استقرت معدَّلات العائد على السندات الألمانية والايطالية بعد ارتفاعها بثلاث نقاط أساس.

وبعد ارتفاعات العائدات هذا العام، قد يكون هناك خطر كامن في تقديرات المستثمرين المبالغ فيها لآفاق تعافي الاقتصاد حتى مع إسراع الدول بتكثيف عمليات التطعيم.

وقال تشارلز ديبل، الذي يدير نحو 4.5 مليار يورو (5.5 مليار دولار) بشركة "ميديولانيوم"، ومقرُّها دبلن: "بجب أن يتوخى السوق الحذر بشأن توقُّعاته في هذا الصدد، فلا يزال هناك الكثير من الطاقة التشغيلية الفائضة، والعاطلين عن العمل الذين بحاجة إلى اعادة استيعابهم، أعتقد أننا وصلنا إلى النقطة التي تبدأ عندها الأصول التي تحمل مخاطرة في الحذر".