سباق صعود المعادن.. هل العالم على أعتاب طفرة مستمرة في الأسعار؟

قفزات متواصلة في أسعار النحاس
قفزات متواصلة في أسعار النحاس المصدر: بلومبرغ
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من الصعب تحديد الدورات الفائقة للسلع؛ فبالنسبة لمعظمنا، وكما قال قاضي المحكمة العليا الأمريكية "بوتر ستيوارت" ذات مرة عن المواد الإباحية، فإننا نعرف واحدة عندما نراها. إلا أنَّ ذلك لم يمنع مجموعة "غولدمان ساكس" ونظرائها من ترسيخ موقفها والمراهنة على التأثير المشترك للدعم المالي، والاقتصاد الأكثر ملاءمة للمناخ، وسنوات من الاستثمار المقتصد.

وفي العديد من المواد الأساسية، حدثت بالتأكيد ارتفاعات مثيرة للإعجاب منذ مارس أو أبريل 2020، وذلك بفضل انتعاش الطلب، وانخفاض أسعار الفائدة، وتأثير الاضطرابات الوبائية. أما بالنسبة لمخزونات النحاس، فهي أقل مما كانت عليه منذ سنوات، كما توجد جرعة من المضاربة المالية. ومع ذلك، فإن السوق الصاعدة ليست بالضرورة بداية لعقود طويلة من مكاسب السلع.

على سبيل المثال، من الواضح أن الدورة الفائقة الصديقة أكثر للبيئة لن تبدو مثل الدورة الأخيرة، والتي استمرت من أواخر التسعينيات ويمكن القول إنها بلغت ذروتها بعد أكثر من عقدٍ بقليل.

وسوف يتضاءل دعم أسعار النفط مع تحوُّلنا نحو إزالة الكربون الحقيقية، حتى لو تقلّص العرض في الوقت الحالي. وسيحدث الشيء نفسه للفحم، مع توجّه شركات تصنيع الصلب نحو الطاقة النظيفة. وفي الواقع، لن يصل أي منها إلى المستويات المرتفعة السابقة.

وما من شكٍ في أن أكبر شركات التعدين تستفيد الآن؛ حيث أصبحت شركة "أنغلو أمريكان" يوم الخميس أحدث شركات التعدين الكبيرة المتنوعة، التي تفوقت على تقديرات أرباح العام بأكمله بعد أن تعافت من انقطاع الإمدادات. وتجاوز النحاس للتو حاجز 9,500 دولار للطن المتري للمرة الأولى منذ عام 2011؛ كما ارتفع النيكل المكوِّن للبطاريات، الذي ساعدته أيضاً الآمال في تعزيز الاقتصاد الصديق للبيئة، بنسبة 80% عن أدنى مستوياته في مارس الماضي.

وتصمد العقود الآجلة لخام الحديد في سنغافورة عند ما يقرب من 170 دولاراً، أي ضِعف العام الماضي. وحتى النفط يتحدى الاتجاه الهبوطي (والطلب الذي أضعفته الجائحة) ويُسجِّل أكثر من 60 دولاراً للبرميل.

وقد بدأت آثار تلك الحماسة تظهر على الوجه الملوَّثُ بالفحم الذي يُضرب به المثل، مع مظاهر تأميم الموارد في أماكن مثل بيرو ومنغوليا المنتجتان للنحاس، حيث يطالب السياسيون بحصة أكبر من الفوائد؛ كما عادت أيضاً المخاوف بشأن نقص العمالة.

هل هي "دورة فائقة"؟

ولكن هل هي دورة فائقة أخرى تتسِّم بسنوات من الطلب القوي بشكل غير طبيعي، والتي يكافح المنتجون للوصول إلى مثيلتها، حيث لم تُسجل المئة عام الماضية سوى أربع دورات فائقة؟ ليس تماماً.

لنأخذ على سبيل المثال النحاس الذي يعد رائداً بشكل ما، والأساسي في حجج "غولدمان"؛ فعلى جانب الطلب، يشير مؤيدو الدورة الفائقة إلى زيادة قادمة في الطلب على مواد الاقتصاد الصديق للبيئة؛ حيث أشارت شركة "سيتي غروب" التي رفعت هدفها لمدة 6-12 شهراً إلى 10 آلاف دولار للطن الأسبوع الماضي، إلى انتعاش أفضل من المتوقع خارج الصين، وإلى إعادة ظهور محرك قوي للطلب للمرة الأولى منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ألا وهو: "إزالة الكربون". هذا وتتوقع شركة "غلينكور" (Glencore Plc)، وهي مُنتِجٌ رئيسي للمعدن الأحمر، أن تتضاعف مستويات الاستهلاك بحلول عام 2050، مما يتطلب مليون طن إضافي سنوياً، أي ضعف معدَّل الزيادة بين عامي 2010 و2019.

لسوء الحظ، تشير الدلائل إلى أنه في الوقت الحالي، ما يزال الطلب على النحاس يأتي من جميع الأماكن المعتادة. وعلى حد وصف "فيفيك دار" من "كومنولث بنك أوف أستراليا"، فإن التحول ليس مستداماً أو سريعاً كما يجب أن يكون من أجل تكرار الأسعار التي تفوق الاتجاه السائد، والتي سببها إلى حد ما تسارع الصين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ حيث تثبت نظرة على التحفيز السائد بعد الجائحة صحة هذا القول.

وترى "بلومبرغ إن إي إف" أن الحكومات وافقت على ما يقرب من 1 تريليون دولار من الدعم الاقتصادي الصديق للمناخ، أي ما يقرب من 7% من إجمالي التحفيز المتعهد به استجابة لكوفيد-19. وستحصل القطاعات كثيفة الكربون على 8٪، دون أن يتم تحديد الرصيد. علاوةً على ذلك، ستعود السياسة النقدية الصينية إلى طبيعتها في نهاية المطاف أيضاً.

ماذا عن نقص المعروض؟

يتوقف الجزء الآخر من حجة الدورة الفائقة على العرض، خاصة مع النحاس، حيث يجادل المضاربون على الصعود بوجود عجز هيكلي عميق في المستقبل.

وبالتأكيد فقد أحجمت شركات التعدين، التي ما زالت تكفّر عن خطايا الطفرة الأخيرة، عن توسيع أنشطتها الاستكشافية، حيث كان النحاس أقل بكثير من السعر الذي يشجع على الاستكشاف، وتأثير ذلك مرئي بالفعل.

وقد خلص تحليل "إس آند بي غلوبل" (S&P Global) العام الماضي إلى اكتشاف 224 مستودعاً للرواسب النحاسية بين عام 1990 وعام 2019؛ في حين تم اكتشاف 16 مستودعاً للرواسب فقط في السنوات العشر الماضية، وواحداً فقط منذ عام 2015.

ولكن هذا لا يعني وجود ندرة حادة في الاستثمار خلال الثمانينيات والتسعينيات التي سبقت طفرة العِقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كما توجد مشاريع ستبدأ على مدار السنوات القادمة، بدءاً من توسع منجم "أويو تولجوي" التابع لشركة "ريو تينو" (Rio Tinto) في منغوليا، وصولاً إلى منجم "كويلافيكو" التابع لشركة "أنغلو" في بيرو، حيث ما زالت هذه المشاريع على المسار المخطط له لبدء الإنتاج في عام 2022، على الرغم من نكسات كوفيد-19.

علاوةً على ذلك، وحتى بالنسبة للنحاس، فإن المشكلة تكمن في الموقع أكثر من الطلب. حيث توجد مناجم جديدة محتملة في أماكن غير مستساغة فقط، على سبيل المثال بابوا غينيا الجديدة، أو روسيا، أو باكستان.

سيكون مقياس ما إذا كانت شركات التعدين ترى طلباً مستداماً في المستقبل –وتعمل على الحصول على دعم المستثمرين– هو رغبتها في القيام ببعض هذه الحفريات التي طالما خيمت عليها المخاطر السياسية. وإحدى الشركات الجديرة بالمتابعة هي شركة "كاسكابل" (Cascabel) في الإكوادور، والمملوكة لشركة "سولغولد بي إل سي" (SolGold Plc) التي تعتبر مجموعة "بي إتش بي غروب" (BHP Group Plc) مساهماً رئيسياً فيها.

وكل هذا يعني أسعاراً أعلى مما شهدناه خلال السنوات الأخيرة؛ وإذا كان الطن الهامشي من النحاس يأتي من توسعات منخفضة الدرجة في المناجم الموجودة في أماكن سهلة، أو من مناجم عالية الجودة في أماكن صعبة، فإنه لن يكون رخيصاً بحسب تصريح "بي إتش بي" الأسبوع الماضي.

إلا أن الأسعار الصحية هي شيء، والدورة الفائقة هي شيء آخر تماماً.