هل الصين مستعدة لنسخة "كاثي وود" الخاصة بها؟

كاثي وودز
كاثي وودز المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

باتت "كاثي وود" نجمة خارقة، ففي عام واحد فقط، استحوذت شركتها "أيه أر كيه مانجمنت" (ARK Investment Management) على ما يقرب من 40 مليار دولار من الأموال الجديدة، لتأتي في الترتيب خلف مجموعة "فانغارد"، و"أي شيرس" (iShares) التابعة لشركة "بلاك روك"، وكلٌّ منهما لديها مئات التمويلات.

في العام الماضي، كان أداء مؤسسة " أيه أر كيه إنفويشن" الرائدة التي تمتلكها وود ، التي تحمل أصول شركات تكنولوجية صاعدة من الجيل التالي مثل "تسلا"، و "سكوير" (Square Inc.) رائعاً.

قد تتخيَّل أنَّ الصين ستكون مستعدَّة لظهور نموذج "كاثي وود" الخاص بها في وقت يتخلى المضاربون اليوميون غير المشهورين في البلاد فيه عن الأسهم لصالح صناديق الاستثمار التعاونية، وكان الطلب قوياً لدرجة أنَّه في شهر يناير الماضي، حصل صندوق جديد على 237 مليار يوان من الاشتراكات بعد أن كان يسعى لجمع 15 مليار يوان (1.9 مليار دولار). بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ فلسفة "وود" الاستثمارية المتمثِّلة في التركيز العميق على الابتكارات المزعزعة للسوق، التي تعيد تشكيل الأسواق، تُعدُّ موسيقى تطرب لها آذان الصينيين. من وجهة نظرهم العالمية،

لا يتعلَّق الاستثمار في القيمة بمقاييس المحاسبة التقليدية، مثل: نسب السعر إلى الأرباح، ولكن فيما إذا كان يمكن لرأس مال صغير أن يتحوَّل إلى رأس مال ضخم، ومدى سرعة تحقيق ذلك.

نموذج غير موجود

ومع ذلك، لا يوجد في الصين نموذج "كاثي وود " الخاص بها. ولا تستطيع أيضاً إيجاده، وليس الآن تحديداً. ويعود ذلك إلى أنَّ اللاعبين في السوق يستمرون في التصرف مثل الهواة.

لنبدأ بمشاعر الميل لدي المستثمرين الأفراد. إذ تستثمر "وود" في مساحة متقلِّبة، إذ يمكن للعوامل الكلية للاقتصاد، مثل الارتفاع المفاجئ في عوائد السندات، أن تؤدي إلى إغراق خيارات أسهمها الاستثمارية. وعندما تكبر عائلتها (محفظة أصولها) المالية، فإنَّها تحتاج إلى أن يكون لدى أتباعها إيمان، أو البقاء معها سواء كانت الأوضاع في حالة جيدة أو سيئة، أو على الأقل عدم الإسراع للخروج بسرعة كبيرة، بشكل تفوق تدفُّقات الأموال الخارجة قدرتها على بيع الأسهم لتلبية عمليات الاسترداد.

هذا النوع من الانضباط صعب التحقق في الصين، وغالباً لا يدوم مدى اهتمام المستثمرين الأفراد أكثر من بضعة أيام، ووفقاً لاستطلاع حديث شمل مديري الصناديق التعاونية أجرته مجلة " كاشين " المالية، يحتفظ 30 % من المستثمرين بالاستثمار في الصندوق لمدَّة تقل عن شهر واحد؛ و21 % يتشبَّثون به لمدَّة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر.

مطاردة الزخم

لحسن الحظ، لم تعانِ " وود " من هذا النوع من عدم الإيمان حتى الآن في الولايات المتحدة، فقد شهدت مؤسسة "أيه أر كيه إنفويشن" الرائدة في الولايات المتحدة تدفقاً قياسياً بلغ 465 مليون دولار في 23 فبراير الماضي، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة " بلومبرغ ". لكنَّ ذلك كان ضعيفاً نسبياً، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الصندوق تراجع من مستوى الذروة الأخير. ومع صناديق الاستثمار المتداولة المتخصصة عالية الجودة، غادرت الأموال ببطء أكثر مما جاءت، إما بسبب الجمود أو بسبب رغبة شراء المستثمرين عند الانخفاض، وفقاً لمحللي "بلومبرغ إنتليجينس" "جيمس سيفارت"، و"إريك بالشوناس". واستشهدوا بصندوق "ويزدامتري جابان هيدجيد إكويتي فاند" (WisdomTree Japan Hedged Equity Fund) كمثال لذلك.

و تتفهَّم شبكة (سي سي تي في) الإعلامية المملوكة للدولة الروح الصينية جيداً. ففي مقدمة افتتاحية في أواخر شهر يناير الماضي، اشتكت قناتها المالية من أنَّ المستثمرين المحليين كانوا يطاردون الزخم، ويتراجعون عند أي علامة على الهبوط . إنَّهم يطالبون بمديري الصناديق الناجحة، لكنَّهم يهينونهم على وسائل التواصل الاجتماعي بمجرد أن يتعثَّر أداء الصندوق. كما أعربت عن أسفها، لأنَّ الكثيرين

لا يبحثون في (أداء) أصول الصندوق، أو سجل مدير الأصول.

أزمة مديرين

المشكلة الثانية الكبيرة، هي المديرون الآخرون. فحتى في الولايات المتحدة، تعني نجومية شركة "أيه أر كيه" أنَّ السوق يضعها تحت المراقبة، وفي بعض الأحيان يقلَّد كل تحرُّك تقوم به "وود"، مما يجعل من الصعب عليها بدء وإنشاء استثمار جديد في الأصول. ووفقاً لشركة "مورنينج ستار " أجرت شركة "أيه أر كيه" 20 عملية شراء لأوَّل مرة عبر صناديق الاستثمار المتداولة الخمسة المدارة بنشاط منذ بداية العام. ومن بين هذه الأسماء العشرين الجديدة، شهد 14 اسماً ارتفاع أسعار أسهمهم بأكثر من 3.5 % في اليوم التالي للإفصاح الأول لشركة "أيه أر كيو" .

و قدَّم محللو "مورنينج ستار " مثالاً واحداً، ففي 20 يناير الماضي، بدأ صندوق

"إنوفيشن إي تي في" التابع لشركة "أيه أر كيه" في شراء أسهم شركة تصنيع الشاحنات الثقيلة "باكار" (Paccar Inc.) في اليوم التالي، بناء على الإفصاح المالي لشركة "أيه أر كيه"، وقفز سعر سهم شركة "باكار " بنسبة 7 % عند فتح التداول بالبورصة. واستغرق الأمر من شركة "أيه أر كيه" عشرة أيام تداول أخرى لإنشاء محفظة أصولها بالكامل من هذا السهم، ولكن بأسعار أعلى.

آفة التقليد

تخيّل فقط؛ كيف سيكون أداء "وود" في الصين ، إذ يسود التقليد في كلِّ ركن من أركان الاقتصاد. إذا كانت لديك فكرة جيدة، فسيقفز الجميع عليها دافعين أسهمك إلى تقييمات عالية غير مستدامة. وبالمثل، إذا كنت تبيع أسهماً حتى من أجل إعادة موازنة محفظة الأصول، فإنَّ السوق سيتخلَّص معك من هذه الأسهم. إنَّها صناعة خالية إلى حدٍّ كبير من الأفكار الأصلية، إلى درجة أنَّ الصين لديها نسختها الخاصة من قائمة ال 50 الكبار، وهي القائمة الشعبية للشركات الكبيرة في الولايات المتحدة في فترتي الخمسينيات والستينيات، التي عانت من عمليات بيع كبيرة مؤخراً.

ستكون الصين كابوساً لأمثال "وود"، إذ سيحصل مدير الأصول المتميز حتماً على كل الأموال. ولكن بحجم أموالها هذا؛ فإنَّها ستستغرق أكثر من يوم لبدء استثمارات جديدة في الأصول أو تعديل محفظته الاستثمارية. إنَّ السوق كله سيشاهد، ويقلِّد ببساطة تصرفاتها، وهذا من شأنه أن يقلل من عائداتها، الأمر الذي قد يؤدي في الصين إلى الإساءة اللفظية عبر الإنترنت، ونزوح المستثمرين الأفراد. وهذا هو السبب في أنَّ الصين لن يكون لديها نموذج "كاثي وود" الخاص بها.