وفيات حوادث الطرق بأمريكا ترتفع لـ42 ألف سنوياً

 حادثة تحطُّم قاتل في لونغ بيتش، كاليفورنيا، يونيو 2020
حادثة تحطُّم قاتل في لونغ بيتش، كاليفورنيا، يونيو 2020 المصدر: غيتي إيميجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما تفشى وباء "كوفيد-19" في الولايات المتحدة في مارس 2020، كانت حركة السيارات أقلّ بشكل كبير في المدن الكبرى، وبدأ الضباب في سماء لوس أنجلوس ونيويورك يتلاشى، مع انخفاض مستوى التلوث الصادر من أنبوب العادم، كما وفرت الشوارع السكنية الأكثر هدوءاً مجالاً للسير على الأقدام وركوب الدراجات.

ومع بقاء ملايين الركاب في منازلهم لأشهر عديدة، كان الباحثون في مجال السلامة يأملون أن يساهم انخفاض القيادة عموماً طوال عام 2020 في تراجع معدلات الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في الولايات المتحدة، وهي حالة أمل باهتة وسط عدد وفيات أكبر بكثير ممّا خلفه الوباء.

لكن الفائدة المرجوة لم تتحقق، فقد قالت مورين فوغل، مديرة الاتصالات في "المجلس الوطني للسلامة" (National Safety Council): "لقد رأينا العكس".

ارتفاع 8% على عام 2019

وحسب بيانات المجلس الوطني للسلامة الأولية، لقى 42,060 شخصاً مصرعهم على الطرق الأمريكية العام الماضي، أو ما يزيد بنسبة 8% على عام 2019.

وبجانب انخفاض الأميال التي تقطعها السيارات على الطرق بنسبة 13%، ارتفع المعدل السنوي للوفيات على الطرق الأمريكية بنسبة 24%، وهو أكبر ارتفاع يسجله "المجلس الوطني للسلامة" منذ عام 1924، حسبما قالت فوغل.

وعادة ما تسبق الأرقام الجديدة البيانات السنوية الرسمية التي تصدرها "إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة" (National Highway Traffic Safety Administration) في الربيع، التي تتضمن إحصائيات عن أسباب الاصطدام.

وتميل أرقام إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة، التي تراقب الطرق العامة فقط، لتكون أقلّ من المجلس الوطني للسلامة، الذي تحتوي بياناته على الممرات الخاصة ومواقف السيارات أيضاً، كما قالت فوغل. لكن بيانات كلتا الهيئتين كانت تسير بالتزامن مع الأخرى على مرّ التاريخ.

وأظهر تقرير البيانات المرورية الصادر عن "إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة"، الذي يعكس بيانات الربع الثالث من عام 2020، ارتفاعاً في معدل الوفيات أيضاً.

سلوكيات خطرة على الطرق

وقال الخبراء إن ارتفاع مستوى السرعة على الطرق الخالية هو السبب الرئيسي المحتمَل الكامن خلف ارتفاع معدلات الوفيات.

وتُظهِر بيانات شركة تحليلات حركة المرور "إينريكس" (Inrix) أن المناطق الحضرية الأكثر ازدحاماً في البلاد شهدت زيادة سنوية في متوسط ​​السرعات بمعدل 35%، فيما شهدت أيضاً توفيراً في وقت السفر بنسبة 40% وأكثر.

وقال بوب بيشو، محلل النقل لدى "إينريكس"، إن مثل هذه الأعداد قد تنتج أيضاً عن ظروف محلية متفاوتة، مثل مستويات النشاط الاقتصادي وممارسات إنفاذ القوانين وتصميم الطرق وسياسات الإغلاق لمواجهة الوباء.

وذكرت إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة أيضاً أن السائقين اتبعوا سلوكيات أكثر خطورة في النصف الأول من عام 2020، فقد خضع عدد كبير من ضحايا حوادث التصادم لفحوص وثبت تناولهم الموادّ المخدرة والكحوليات، كما أن عدد من يرتدون حزام الأمان أصبح أقلّ من السابق. وارتفع مستوى الاعتقالات بسبب السرعة والقيادة المتهورة في جميع أنحاء البلاد.

ويُعتبر هذا المزيج من العوامل معقَّداً، بخاصة أن بيانات "إينريكس" تشير إلى أن عام 2020 شهد انخفاضاً حاداً في إجمالي الاصطدامات. هذه هي النتيجة المنطقية لانخفاض القيادة بشكل عامّ، لكنها تؤكد أيضاً كيف يمكن أن تكون السرعة المميتة عاملاً في ارتفاع أعداد الوفيات.

وأظهرت الأبحاث أنه كلما كانت السيارة تسير أسرع، زادت احتمالية مقتل شخص ما في حالة حدوث تصادم، مع تساوي العواقب الأخرى كافة أيضاً.

أصحاب البشرة السوداء أكثر تعرُّضاً للحواددث

ورغم أنه لا يزال من السابق لأوانه قول إن المجتمعات أو المجموعات الديموغرافية كانت الأكثر تضرراً من ارتفاع مستوى العنف المروري العام الماضي، تتسبب حوادث السيارات في مقتل أصحاب البشرة الملونة أكثر من غيرهم.

وأشار أوفر غريمبيك، المدير المشارك في "مركز أبحاث وتعليم النقل الآمن بجامعة كاليفورنيا في بركلي" (Safe Transportation Research and Education Center at U.C. Berkeley)، إلى أن العمال الميدانيين، وهم مجموعة من أصحاب البشرة السوداء والسمراء وأكثر الفئات تضرراً من "كوفيد-19"، سيكون دافعهم أكبر إلى لإقلاع عن القيادة في المقام الأول.

وأضاف: "الأشخاص الذين لا يتمتعون بالضرورة بامتيازات العمل من المنزل وما زالوا بحاجة إلى الخروج إلى الشارع، قد يتعرضون لمزيد من المخاطر المرورية أيضاً".

وكان غريمبيك يراقب تباين اتجاهات التصادم والموت في الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان منذ صيف 2020، ففي غضون سبعة أسابيع من تنفيذ أوامر المكوث بالمنزل في كاليفورنيا، انخفض معدل الحوادث التي تتسبب في إصابات طفيفة بنسبة 29%، فيما ارتفع معدل الحوادث المسببة للوفاة وإصابات بالغة بنسبة 14.6%، حسب تحليل غريمبيك لبيانات التصادم في ولاية كاليفورنيا.

وعلى الرغم من أن غريمبيك يعتقد أن السرعة هي العامل الأساسي وراء تلك الحوادث، فقد يكون للشعبية المتزايدة للمركبات الثقيلة مثل الشاحنات نصف النقل وسيارات الدفع الرباعي، فضلاً عن ارتفاع تسليم الشحنات، دور أيضاً.

كما يسلط التباين بين حوادث التصادم ومعدل الوفيات الضوء على نقطة عمياء في هندسة السلامة المرورية.

فقد قال غريمبيك: "على مرّ التاريخ، كان التفكير في الاصطدام أنه مجرد حادثة تصادم، وإذا استطعنا خفض إجمالي حوادث التصادم، فإننا سنخفض بالتالي معدلات الوفيات. لكننا نمتلك الآن دليلاً واضحاً على أن هذا ليس صحيحاً، وهذا يدل على أننا بحاجة إلى التركيز على القضاء على الحوادث التي تؤدّي إلى إصابات مميتة وبالغة".

مطالب بتدخُّل رئاسي

وردّدت الجماعات المناصرة هذا الشعور، داعية الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير النقل بيت بوتيغيغ للعمل على خفض معدلات الوفيات على الطرق.

وقالت ليا شاهوم، مديرة "فيجن زيرو نيتورك" (Vision Zero Network)، وهي مجموعة معنية بالسلامة في الشوارع، في بيان: "لسنا بحاجة إلى مزيد من الأفكار والصلوات على أرواح الـ42,060 شخصاً الذين لقوا مصرعهم العام الماضي في حوادث مرورية كان يمكن التصدي لها، بل إننا بحاجة إلى قادة منتخَبين لاتخاذ إجراءات وتنفيذ استراتيجيات ثبتت قدرتها على إنقاذ الأرواح في شوارعنا وأرصفة المشاة وممرات الدراجات".

وفي بيان أُرسِلَ بالبريد الإلكتروني، وصفت روبن هاتشيسون، نائب الأمين المساعد لسياسة السلامة في وزارة النقل الأمريكية، السلامة بأنها "أولوية قصوى" للوكالة.

وقالت: "يجب أن نعمل على عكس هذه الاتجاهات. إن الركائز الأساسية لتصميم الطرق والمركبات والتشريعات والتغيير السلوكي وتثقيف العامة كلها عوامل حاسمة لجهودنا الرامية إلى خفض معدلات الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية".