دروس للعالم.. من عاصمة السيارات الكهربائية في الصين

07:00 مساءً 28 يوليو 2021 حدثت فى 11:20 مساءً 20 أبريل 2022
السيارات الكهربائية الصغيرة التي تنتجها شركة " إس إيه آي سي -جي إم-وولينغ أوتومبيل" تطغى على ما عداها من مركبات في أحد المواقف المحاذية للرصيف في مدينة ليوزهو الصينية يوم 17 مايو 2021 المصدر: بلومبرغ

لدى زيارتك مدينة ليوزهو جنوبي الصين، أوَّل ما ستلاحظه وستستمتع به هو الهدوء. فهدير محرِّكات السيارات، وأنظمة نقل الحركة فيها الذي يميز الحياة اليومية في معظم المدن الكبرى حول العالم، يكاد يكون مفقوداً في هذه المدينة.

السبب في ذلك، هو كثرة السيارات الكهربائية التي استحوذت على 30% تقريباً من مجمل السيارات المباعة في ليوزهو خلال العام الماضي، وفق ما تقوله شركة "وايز إنفورميشن تكنولوجي" (WAYS Information Technology)، وهي شركة استشارية مقرّها في غوانزو. هذه النسبة تشكِّل أكثر من خمسة أضعاف المتوسط في الصين، مما يجعل المدينة، ذات الكثافة السكانية البالغة 4 ملايين نسمة، العاصمة الحقيقية لأكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم.

واحدة من أفضل المدن

على الصعيد العالمي، تسير هذه المدينة الصينية على نهج العاصمة النرويجية أوسلو في اختراقها لعالم المركبات الكهربائية. والأمر لا يتوقَّف عند هذا الحد فحسب؛ بل إنَّ جودة الهواء والماء تجعل من مدينة ليوزهو واحدة من أفضل المدن في بلد يعتبر عنواناً للتلوث الخانق.

هذا العائد الأخضر يعدُّ مكافأة غير متوقَّعة للجهود التي بذلتها سلطات المدينة في جعل ليوزهو مركزاً لتصنيع السيارات الكهربائية، وكذلك للجهود الحثيثة للتغلُّب على المخاوف المتعلِّقة بالمدى، والموثوقية، وسلامة البطارية، التي أعاقت انتشار السيارات الكهربائية حول العالم.

لقد عملت السلطات مع شركة صناعة السيارات المحلية "إس إيه آي سي-جي إم-وولينغ أوتومبيل" (SAIC-GM-Wuling Automobile)، التي كانت سيارتها الكهربائية الصغيرة الرخيصة الأكثر مبيعاً في الصين لمعظم الأشهر التسعة الماضية، متفوِّقةً بذلك على "تسلا". ومن خلال هذا التعاون، أطلقت السلطات أيضاً مجموعة كبيرة من الحوافز، من تجارب قيادة شاملة إلى مواقف مجانية للسيارات، وعشرات الآلاف من نقاط الشحن، لتشجيع المواطنين على شراء السيارات الكهربائية.

مثل هذا النهج، ربما يوفر مخططاً نموذجياً للمدن الأخرى حول العالم، التي تحاول إقناع السائقين بالتخلي عن السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، لتلبية الأهداف الطموحة لخفض الانبعاثات.

برغم أنَّ الحكومات من ألمانيا إلى الولايات المتحدة تدعم مشتريات السيارات الكهربائية، ما تزال المبيعات متخلِّفة كثيراً عن مبيعات السيارات التقليدية، باستثناء عدد قليل من المدن في دول أوروبية، مثل النرويج والسويد.

وربما تكون استراتيجية ليوزهو مفيدة أيضاً بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات الراسخة، مثل "جنرال موتورز"، و"فولكس واغن"، التي تضخُّ عشرات المليارات من الدولارات في رهانات كبيرة توضِّح أنَّ المستقبل كهربائي. وقد أشارت "بلومبرغ لأبحاث تمويل الطاقة الجديدة" (BloombergNEF) إلى أنَّ مركبات الطاقة الجديدة شكَّلت ما يقل قليلاً عن 4.5% من مبيعات سيارات الركاب حول العالم خلال العام الماضي.

قال غاو يي، نائب رئيس فرع ليوزهو للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وهي أكبر هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين: "في البداية، كانت هناك مخاوف كثيرة بشأن المركبات الكهربائية، مثل السلامة أو سهولة عملية الشحن الكهربائي". وأضاف في مقابلة: "ما فعلناه هو التأكُّد من أنَّ مواطنينا يشعرون بالراحة تجاه إمكانية استخدام المركبات الكهربائية. لقد أدرك الناس مدى اقتصادية وسهولة السيارات الكهربائية، ومدى نظافة هوائنا بعد تزايد عدد المركبات الكهربائية على الطرق".

حملة ترويج استمرت 10 أشهر

كانت الخطوة الأولى لمدينة ليوزهو هي تقديم المركبات الكهربائية للسكان الحذرين. ففي عام 2017، نفَّذت " إس إيه آي سي-جي إم-وولينغ أتومبيل"، وهي مشروع مشترك بين العملاق الأمريكي "جنرال موتورز"، و" إس إيه آي سي موتور" المدعومة من الدولة، و"غوانغزي أتومبيل غروب" (Guangxi Automobile Group)، حملة مجانية دامت 10 أشهر لاختبار القيادة. ومن هذا المنطلق، أخذ أكثر من 15 ألف شخص سيارات "باوجون إي 100" في جولات تجريبية، لتحصل الشركة بذلك على ما يصل إلى 12 ألف تعليق.

كانت التجربة ناجحة جداً، لدرجة أنَّ الأماكن المتاحة نفدت في غضون دقائق فقط. والنتيجة كانت أنَّ 70% ممن شاركوا في اختبار قيادة هذه المركبات، اشتروا منها.

ثم درست "وولينغ" احتياجات السكان وعادات القيادة، وصمَّمت سيارة "باوجون إي 100" للتنقلات اليومية لمسافة تقلُّ عن 30 كيلومتراً (19 ميلاً). تأتي هذه السيارة الصغيرة ذات المقعدين -حوالي نصف طول سيارة "تسلا موديل إكس"، وتشبه سيارة "سمارت" (Smart)- بسعر مماثل يبلغ حوالي 5 آلاف دولار. وهذا لا يساعد في خفض سعر ملكية السيارة فحسب؛ بل يخفِّض أيضاً تكاليف التشغيل، مثل التأمين.

حوافز إضافية

هناك حوافز إضافية متاحة لمستخدمي السيارات الكهربائية، إذ يمكن للسائقين جني مكافآت نقدية تصل إلى 1000 يوان (160 دولاراً) سنوياً للقيادة لمسافة تصل إلى 10 آلاف كيلومتر.

يقول هوا يونغ، المسؤول عن الترويج للمركبات الكهربائية في اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، إنَّه جنى 500 يوان في العام الأول من حصوله على سيارة كهربائية، و400 يوان في العام التالي، في حين أنَّ غاو قال، إنَّه استطاع جني الحد الأقصى من المكافأة سنوياً.

كذلك، سمحت السيارات الصغيرة -الموجودة في كل مكان في ليوزهو- للحكومة بإنشاء 15 ألف موقف إضافي للسيارات حول المدينة. كما يدل حجم هذه السيارات على أنَّها يمكن أن تتناسب مع أماكن وأراضٍ، لم تكن صالحة للاستخدام من قبل، مثل الرصيف.

هذا ما جذب انتباه عامل البنك تشانغ جياجنغ، الذي قال، إنَّ تكلفة استخدام سيارته "باوجون إي 100" تكاد تكون غير ملحوظة. يدفع الرجل البالغ من العمر 30 عاماً، حوالي 0.1 يوان، أو سنتين أمريكيين فقط، لشحن كل كيلومتر، كما يتمتَّع بمكان توقُّف مجاني بلا حدود في مواقف السيارات الكهربائية، أو ساعتين مجاناً في مواقف السيارات العادية. وأشار إلى أنَّه بالكاد يقود سيارته الأخرى "سوبارو" الرياضية.

قال بيل روسو، الرئيس التنفيذي لشركة أوتوموبيليتي" (Automobility) الاستشارية في شنغهاي: "إذا قمت بصنع سيارات كهربائية مناسبة وتكلفتها معقولة، فإنَّها ستحل محل الدراجات والدراجات البخارية، أو أي شيء آخر يمكنهم استخدامه في التنقل".

وأضاف: "عادة ما تفتقر المدن الصينية الأصغر حجماً إلى خيارات النقل العام، ويمكن للسيارات الكهربائية ذات الأسعار المعقولة أن توسِّع نطاق وجود الأشخاص في المدينة، عبر توسيع نطاق تنقل السكان".

في ظلِّ إمكانية شحن السيارات من خلال مقبس منزلي عادي، تمكَّنت "وولينغ" من تثبيت نقاط الشحن في جميع أنحاء ليوزهو، مقابل جزء بسيط من تكلفة البنية التحتية للمركبات الكهربائية النموذجية. وبالتالي، أصبح هناك الآن حوالي 30 ألف منفذ شحن في المدينة.

وهناك محاولة جذب أخرى للمشترين، إذ يمكن قيادة السيارات الكهربائية في ممرَّات مخصصة للحافلات، وهو امتياز يوفِّر الكثير من الوقت خلال أوقات الذروة، وفي الاختناقات المرورية.

عصر السيارات الجديد

على عكس الغرب، كان دافع ليوزهو الرئيسي لتبني فكرة السيارات الكهربائية، هو تعزيز صناعة السيارات المحلية، التي تسهم في حوالي نصف الناتج الصناعي للمدينة. فقد جعلت الصين السيطرة على العصر الجديد للسيارات أولوية وطنية، واستطاع الصنَّاع المحليون للسياسة الاستفادة من هذا التركيز، فقد حصلوا على الدعم والتمويل من بكين.

وبرغم أنَّ هذه الاستراتيجية لا يمكن تكرارها في أيِّ مكان آخر، إلا أنَّها تؤتي ثمارها بالنسبة إلى ليوزهو. فقد ارتفع الإنتاج الصناعي للسيارات بنسبة 64% في الربع الأول على خلفية الطلب المتزايد على المركبات الكهربائية، الذي تضاعف بمقدار يزيد على ثلاثة أضعاف.

تتمتَّع ليوزهو بالعديد من المنافع البيئية، فهي تحتفظ بالصناعات الثقيلة القديمة -مصانع الصلب تستمر في الانتشار في الأفق، وتنبعث منها أعمدة الدخان الأبيض، لكن في الوقت ذاته، احتلت جودة مياه نهر ليوجيانغ الذي يتدفق عبر المدينة، ويوفِّر الحلزون المائي المستخدم في الحساء المحلي الشهي، المرتبة الأولى بين أنهار الصين الداخلية العام الماضي. كما أنَّ جودة الهواء اليومي كانت ممتازة بنحو 97% من الوقت طيلة عام 2020، مقارنة بـ 76% فقط في العاصمة بكين.

تخطط ليوزهو لتقديم المزيد من الدعم لقطاع المركبات الكهربائية، من خلال التشجيع على توطين سلاسل الإمداد، ودعم الابتكار التكنولوجي والصادرات. والهدف من ذلك هو مضاعفة إنتاج صناعة السيارات إلى 500 مليار يوان بحلول عام 2030، وفق ما قاله مو تشونيان، نائب رئيس الفرع المحلي لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات.

يقول جوكن سيبرت، العضو المنتدب لشركة "جي إس سي أوتوموتيف" (JSC Automotive) في سنغافورة، إنَّ توجيه الأفراد نحو السيارات الكهربائية دون أمر رسمي، يمثِّل تحدياً. تحاول السلطات الإقليمية في غوانغزي، وهي المنطقة المحيطة بمدينة ليوزهو، توسيع نطاق الاستراتيجية لتشمل مدناً أخرى، بما فيها أجزاء أخرى من الصين.

وأضاف سيبرت: "يجب أن تدعم المدن المركبات خفيفة الوزن والصغيرة القادمة إلى المدينة، إذ يمكن لهذه المركبات أن تتناسب مع الأماكن المختلفة، كما أنَّها

لا تستهلك الكثير من الطاقة. هذا ما يجب أن يكون عليه المستقبل".