الاعتراف بوجود أزمة في الميزانية يشكل بداية مهمة في طريق الإصلاح المصدر: غيتي إيمجز

لم يكن صنع السياسة المالية في واشنطن يوماً أمراً بسيطاً أو مستقيماً، لكنَّه نادراً ما كان خرباً كما هو الحال الآن. في الأسبوع الماضي، أقرَّ مجلس الشيوخ مشروع قانون للبنية التحتية بقيمة 550 مليار دولار (وُصف أيضاً بأنَّه قانون بنية تحتية بقيمة تريليون دولار) لا يقتصر على البنية التحتية، وسيدفع مقابل هذه الاستحقاقات، ولكنَّه ليس كذلك.

ثم أقرَّ إطار عمل بشكل تمهيدي حافل من أجل ميزانية ضخمة جديدة تبلغ 3.5 تريليون دولار أمريكي، التي من المقرر أن تُكلِّف أكثر من 3.5 تريليون دولار أمريكي. ولم يجرِ دفع ثمنها أيضاً. يهدد الأعضاء التقدُّميون في مجلس النواب بقتل الاقتراح الأصغر، الذي يحظى بدعم من الحزبين، ما لم يتم تبني الاقتراح الأكبر، الذي لم يُعتمد أيضاً.

إغلاق الحكومة

هذا ليس كل شيء؛ إذ ينفد تمويل الإنفاق الحكومي "التقديري" (ليس هو نفسه الإنفاق "الإلزامي"، بوضوح) في تاريخ 30 سبتمبر المقبل. ولم يلوح في الأفق بعد الاتفاق على جميع قوانين اعتمادات العام بالكامل البالغ عددها 12. نتيجة لذلك؛ من المحتمل أن يجري تجميع إجراءات الإنفاق المؤقتة معاً، وإلا ستضطر الحكومة إلى الإغلاق.

مع ذلك، أفهم أنَّ الإغلاق في واشنطن ليس هو نفسه الإغلاق الافتراضي. في الواقع، لماذا تملك واحداً فقط؟ وهناك قيد منفصل على الإنفاق العام - وهو سقف مقنن للديون الحكومية - على وشك أن يصبح ملزماً.

تلجأ وزارة الخزانة بالفعل إلى المخالفات المحاسبية القياسية التي تسميها تدابير استثنائية حتى لا تخرق هذا الحد. هذا سينجح فقط لفترة محدودة، إذ بمجرد الوصول إلى سقف الدين، لا تستطيع الحكومة حتى الوفاء بديونها الحالية، ومن المرجَّح أن تحدث فوضى في الأسواق المالية.

هل تساءل الكونغرس الأمريكي يوماً ما الذي سيفعله دافعو الضرائب خلال هذه الفوضى؟ يتجادل المسؤولون المنتخبون حول الالتزامات الضخمة والمعقَّدة دون الاهتمام بالتفاصيل، أو كيفية الدفع مقابل تحقيق طموحاتهم، أو الآثار المترتبة على الميزانية على المدى الطويل.

على أحد المستويات، قد تقول، إنَّها مجرَّد سياسة كالمعتاد. فيما عدا ذلك، في عام 2021، لن تكون مجرَّد مليارات دولارات دافعي الضرائب على المحك؛ بل تريليونات الدولارات. بغضِّ النظر عن الانقسام حول قضايا يمكن أن يكون الكونغرس منقسماً حولها؛ فإنَّ البلاد مؤهلة بالتأكيد لعملية مدروسة وواضحة أكثر من ذلك.

ماذا يمكن أن يبدو ذلك؟

مما لا شكَّ فيه أنَّ الأمر يتطلَّب إجراء إصلاح شامل لأساسيات عملية ميزانية واشنطن. ستكون الأهداف بسيطة بما يكفي: اشرح بالضبط ما هو الإنفاق الجديد المقصود تحقيقه، إلى جانب ضمان تعظيم قيمة دولارات دافعي الضرائب، وكن واضحاً بشأن كيفية سداد الالتزامات الجديدة، والحكم على الآثار طويلة المدى للدين العام والاقتصاد، مع فعل كل هذا بشفافية.

على مرِّ السنين، اقترح الأعضاء الإصلاحيون العديد من المخططات مع وضع مثل هذه المبادئ الأساسية في الاعتبار، ولم يكتسب أي منها قوة دفع. سيجد أعضاء الكونغرس الأمريكي مثل هذه الضوابط غير ملائمة، ولن يواجهوا ضغوطاً كبيرة للتغيير. في الوقت الحالي، يفضِّلون القتال حول أشياء أخرى.

ومع ذلك، قد يكون من الممكن إجراء إصلاحات أكثر تواضعاً. إنَّ عدم الكفاءة المالية لواشنطن أمر متطرف للغاية، لدرجة أنَّ التعديلات الأصغر يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً.

خلال الشهر الماضي، على سبيل المثال، أعربت مجموعة من الممثِّلين عن الحزبين عن دعمها لحالة الأمة المالية السنوية - وهي جلسة استماع مشتركة للجنتي الميزانية في مجلسي النواب والشيوخ، إذ يقدِّم رئيس مكتب المساءلة الحكومية لمحة عامة عن المالية في البلاد.

اقتراح آخر من الحزبين، وهو قانون الميزانية المستدامة، من شأنه أن ينشئ لجنة وطنية جديدة معنية بالمسؤولية المالية والإصلاح. قد يحمل هذا قيمة أيضاً، لأنَّ حثَّ الكونغرس الأمريكي على الاهتمام بالمسألة سيكون تقدُّماً في حدِّ ذاته.

سقف الديون

كما أنَّ الإصلاحات الأضيق تستحق تنفيذها. ضع سقف الديون في أعلى هذه القائمة، وزيادة الإنفاق على التخطيط كما لو أنَّ سقف الدين غير موجود، ثم اللجوء إلى "تدابير خاصة" لتجنُّب أزمة ذاتية يمكن توقُّعها، وهذا قد يكون أكبر عبث منفرد في الممارسة المالية الحالية. الحل بالتأكيد ليس عبر تجاهل الديون المتزايدة. بل العكس تماماً. يجب أن تواجه تدابير الميزانية الآثار المترتبة على الديون - رفع السقف إذا كان من الممكن تبرير ذلك - عندما يجري الاتفاق على الاقتراض، وليس لاحقاً.

الأهداف الأكثر ذكاء، القائمة على الدين كنسبة من الدخل القومي، و مقابل الدين بالنسبة للأموال، من شأنها أن تعطي فكرة أفضل عمَّا إذا كانت زيادات الاقتراض ستكون حكيمة أو مفرطة.

من الصعب تخيُّل اتفاق كبير جديدة بشأن إصلاح العملية المالية في واشنطن اليوم. لكنَّ الخطوات الأصغر، ومجرد الاعتراف بأنَّ النظام يحتاج إلى إصلاح سيمثِّل شيئاً ما تكمن فيه الأهمية.

إذا كان هذا هو أكثر مما يمكن توقُّعه من المشرِّعين في البلاد أيضاً، فتخلوا عن كل أمل في الكفاءة المالية. فالاستناد إلى المزيد من الشيء نفسه، مما يزيد أو ينقص عن بضعة تريليونات، سيتبعه بفترة وجيزة الإفلاس الوطني.