هل تقدّم لنا الأجهزة التي نرتديها حول معصمنا معلومات أكثر من اللازم؟ المصدر: متحف جورج إيستمان للتصوير الفوتوغرافي

يدرك معظم الناس ما هي ظاهرة العلاج الوهمي "بلاسيبو"، إذ يمكن تحسين مستوى الرفاه بمجرد تقديم معلومات إيجابية للأشخاص. مع ذلك؛ يمكن أن يحدث العكس أيضاً عند تقديم بيانات سلبية من شأنها جعل الناس يشعرون بالسوء تجاه حالتهم الصحية.

هذا هو الوهم المرضي أو "نوسيبو" (nocebo) التي تعني باللغة اللاتينية: "سأُضِر"، وهي عكس "بلاسيبو" (placebo) التي تعني: "سأرضى". وثمة فرصة كبيرة كي يكون لديك "نوسيبو" المقيّد حول معصمك.

اقرأ أيضاً: "غوغل" تنافس "أبل" بإتاحة مزايا جديدة لربط الأجهزة

تشير موجة من أدوات التكنولوجيا الصحية -بدءاً من أجهزة تتبع اللياقة البدنية إلى ساعة "أبل"- إلى أنَّ مئات الملايين من الناس يرتبطون بأجهزة التغذية التي تقدّم لهم المعلومات التي يريدونها في الوقت الفعلي. هذه الأجهزة مصممة لقياس خطواتك، والتشجيع على ممارسة المزيد من التمارين، وإعطاء تحديثات يومية عن صحتك العقلية والجسدية. من هذا المنطلق، تطلب منك "أبل"، "إنهاء حلقات التمرين" -وهي ثلاث دوائر ملونة تستخدمها الساعة لمراقبة التقدّم الذي أحرزته- ثم تخبرك شركة "غارمن" (Garmin) عندما تكون صحتك "ممتازة".

اقرأ المزيد: شركة ناشئة لإنتاج أجهزة قابلة للزراعة في أدمغة البشر تتفوق على إيلون ماسك

هدايا رائجة

الجدير بالذكر أنَّ هذه الساعات تُصنّع من أجل تقديمها كهدايا شعبية، ولا بدَّ أنَّها كانت هدية مناسبة لأعياد الميلاد في الأسابيع الماضية. فقد استحوذت موديلات مختلفة من ساعات "أبل" على أربعة من أكثر عشرة عناصر شعبية قد بيعت في تخفيضات "الجمعة السوداء" (Black Friday) في نوفمبر، بحسب موقع "بيزنس إنسايدر" (Business Insider) الأمريكي.

مع ذلك، هناك أيضاً سبب وجيه للتفكير ملياً فيما إذا كنت أنت- أو أحد الأحباء- ستستفيد حقاً من مراقبة وضعك الصحي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، والأهداف التعسفية التي تقدّمها إحدى الخوارزميات، والإشعارات المنتظمة التي تخبرك بأنَّك مجهد أو منهك أو لائق، أو ببساطة "غير منتج".

في الواقع، أظهرت الأبحاث التي أجريت بشأن تأثير "نوسيبو" -الذي وضع مفهومه للمرة الأولى في عام 1961- أنَّ الشعور بالألم قد يزداد عند نقل المعلومات والتفاصيل. وقد أظهر المرضى الذين يشتبه في إصابتهم بارتجاج في المخ ضعفاً في الأداء الإدراكي العصبي عند لفت الانتباه إلى تاريخ هذه الإصابة المؤلمة، كما أنَّ التركيز يتداعى عند تقديم بيانات غير سارة. وفي بعض الأحيان، قد يؤدي التغيير بلون إشارة معينة مرتبطة بالصحة إلى الشعور بعدم الراحة.

الثقة في البيانات

يبدو أنَّ تأثير "النوسيبو" آخذ في التسلل الآن إلى الحياة اليومية في ظل وجود المزيد من الأجهزة المربوطة بأجساد الأشخاص، مما يعني أنَّ الناس يثقون بشكل أكثر في البيانات لتوجيه عاداتهم.

تعليقاً على الأمر، تقول خبيرة اللياقة البدنية آلي سباغنولا: "الأمر يتعلق بالنوم بالنسبة إليَّ؛ لأنني سأستيقظ، وأشعر أنني بحالة جيدة جداً، ثم سألقي نظرة على نقاطي التي يمكن ألا تكون جيدة جداً في بعض الأحيان، ومن هنا يمكنني أن أقول، إنَّه سينتابني شعور سيئ بالفعل".

برغم أنَّ التدفق المستمر للبيانات من شأنه مساعدة الأفراد في تحسين وضعهم الصحي؛ فإنَّ سباغنولا تقول، إنَّها بدأت تدرك أنَّ العكس يمكن أن يكون صحيحاً أيضاً. وتوضح سباغنولا، التي تنتج مقاطع الفيديو عن الموسيقى، والكوميديا، واللياقة البدنية لأكثر من مليوني متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، أنَّ كل ما نحتاجه حقاً في بعض الأحيان هو الدعم الإيجابي.

أضافت خبيرة اللياقة البدنية: "هناك لحظة محددة أتحدث فيها إلى الكاميرا، وأقول: ينبغي أن أقدّم تطبيقاً يقول بشكل يومي: أنت رائع، وتشعر أنَّك رائع اليوم". هذه اللحظة أسهم في إنتاجها جهاز تعقب اللياقة البدنية "أو باند" (O Band)، وهو منتج حقيقي، لكنَّه لا يفعل شيئاً فعلياً سوى الوجود حول معصمك، فهو مجرد دعابة مزوَّدة برسالة جادة للغاية.

دور التواصل الاجتماعي

أصبح تأثير "نوسيبو" متأصلاً في وسائل التواصل الاجتماعي. فقد آثار تطبيقا "إنستغرام"، و"فيسبوك" الشعور بالقلق والاكتئاب لدى المستخدمين، بدلاً من تسجيل الدخول للشعور بالإلهام والتواصل، كما أنَّ ردود الفعل المستمرة المكونة من الزيارات، والإعجابات، وإعادة التغريد قوّضت ما ينبغي أن يكون تقديراً للإبداع. وتشير أبحاثها الخاصة إلى أنَّ "إنستغرام" يجعل الفتيات المراهقات يشعرن بسوء إزاء أجسادهن، بحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في سبتمبر.

لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو، إذ يضع المديرون التنفيذيون أصحاب النوايا الحسنة الذين يخترعون الأدوات والتطبيقات ثقة كبيرة في قدرة منتجاتهم على تحسين الحياة، ونادراً ما يتوقَّفون عن التفكير في الجوانب السلبية.

في أكتوبر، عندما أعلن عن تغيير اسم شركته، قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك": "أعتقد أنَّ التكنولوجيا يمكن أن تجعل حياتنا أفضل". وأضاف: "الحقيقة الأساسية الكامنة خلف التكنولوجيا في حياتنا، هي كيفية إسهامها في إعطائنا القوة للتعبير عن أنفسنا، والإقدام على تجربة كل ما يدور في العالم بثراء أكبر من ذي قبل".

حياة أفضل

كذلك، لدى "أبل" رؤية مماثلة تجاه أجهزتها الخاصة. فقد قال الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك في سبتمبر، عندما أعلن عن أحدث الأجهزة التي أطلقتها شركته، إنَّ ساعة "أبل"، "تشجعك على أن تكون نشيطاً، وأن تمارس تمارين رياضية بشكل أكثر. فهي تراقب صحتك، وتساعدك على عيش يوم أفضل".

إنَّه عالم اصطدمنا فيه بما هو غير متوقَّع، لذلك نريد أن نؤمن أنَّ التكنولوجيا بإمكانها تحذيرنا من الأخطار والمخاطر. لقد أصبحنا نعتمد على الأجهزة الموجودة حول معصمنا لمعرفة وضع صحتنا الجسدية والعقلية باستمرار، وهذا أمر ساذج بعض الشيء. حقاً؛ أحياناً كل ما نحتاجه هو أن يقال لنا: "إنَّنا رائعون".