أنيل وسونيل فاراناسي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

كان بوسع أنيل وسونيل فاراناسي أن يقوما بأي أمر يريدانه. انتقل الأخوان المولودان في الهند إلى فرجينيا حين كان أنيل في عامه الثاني عشر، أما شقيقه فيكبره بعامين. أنهيا دراستهما الثانوية مبكراً، وكان أولهما في السادسة عشرة والآخر في السابعة عشرة.

اخترقا جهاز "إكس بوكس" ليديرا مزايداتهما على سبيل التسلية، كما جمعا أجهزة كمبيوتر بمواصفات خاصة وباعوها قبل التحاقهما بجامعة جورج مايسون، حيث تفوقا في كل شيء، من الكيمياء الحيوية إلى الاقتصاد وهندسة الكمبيوتر. بدا أنهما مستعدّان لمستقبل لامع في أحد المجالات المزدهرة مثل العملات المشفرة أو توصيل الطعام بتمكين من الهواتف الذكية.

كيف يمكن للإنترنت أن يجعلنا أكثر سعادة؟

لكن فضّل المراهقان التركيز على تحسين خدمات الإنترنت في المكاتب وشبكات "واي فاي"، فحين كانا في الجامعة أقاما شركة لتركيب أجهزة شبكات الإنترنت لصالح الشركات وأصبحت تشغل خمسين موظفاً وتخدم 100 عميل لدى تخرجهما. كونت هذه التجربة لديهما قناعة بأنه لا بدّ من إعادة تصميم كامل لمفهوم أجهزة شبكات الإنترنت والبرامج التي تشغلها.

قال أنيل، رئيس شركة "ميتر" (Meter) التنفيذي التي أنشآها: "نعتقد أن خدمة الإنترنت يجب أن تكون تماماً مثل خدمات الكهرباء والهاتف".

جهاز من شركة "ميتر" لتوزيع شارة "واي فاي" المصدر: بلومبرغ

ليس بسيطاً

قد يفاجأ الأشخاص الذين لم يضطروا قط إلى تركيب شبكة إنترنت في المكتب بأن الأمر ليس بالبساطة المفترضة. يتطلب تركيب شبكة الإنترنت عادة أن تشتري الشركة أجهزة معقدة ثمّ تشغلها عبر التعاقد مع مزود خدمة إنترنت واحد أو أكثر. بقي الوضع كذلك رغم أن الحوسبة وتخزين المعلومات وغيرها من جوانب الحياة الرقمية تطورت لتتاح تأجيراً عبر السحابات.

تعرض شركة "ميتر" أن تتقاضى من العملاء 1.6 دولار لكل متر مربع من المساحة المكتبية شهرياً. يرسل الزبون خريطة المكتب فتحدد "ميتر" نوع الأجهزة التي سيحتاج إليها، وترتب خدمة الاتصالات عبر علاقاتها مع مزودي خدمة الإنترنت. تقول الشركة إنها تتفرد بذلك لكونها تصنع معداتها وبرامجها بنفسها.

كيف جنى أوكرانيان مليارات من تصحيح رسائل البريد الإلكتروني؟

بدا أن عرض "ميتر" فيه من الابتكار ما يكفي لدرجة أن الشركة الناشئة نجحت في الحصول على 50 مليون دولار تمويلاً من بعض أبرز الأسماء في وادي السليكون، مثل باتريك وجون كاليسون من "سترايب" (Stripe) وسام هينكي من "87 كابيتال" (87 Capital) وسام ألتمان من "أوبن إيه آي" (OpenAI) وديان غرين، المؤسسة الشريكة في "في إم وير" (VMware)، وإيغون دوربان من "سيلفر لايك" (Silver Lake) و"سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital). تمكنت "ميتر" من كسب مئات من الزبائن في الولايات المتحدة رغم أنها كانت تعمل بعيداً عن الأضواء نسبياً، فهي تحدثت للمرة الأولى مع جهة إعلامية عبر هذا المقال.

مشقة الإقناع

بما أن الشركات تتولى بنفسها في العادة شبكات الإنترنت في مكاتبها، فقد كان يصعب أحياناً إقناعها بتكليف شركة ناشئة لهذه المهمة. قال مسؤول أمن إحدى شركات تطوير البرامج، طلب عدم كشف اسمه لأن شركته تعتبر الإفصاح عن تفاصيل حول تقنيتها تجاوزاً: "راودني كثير من الشكوك وقلت لهم لا أستطيع تخيل أن أعتمد على خدمتهم". لكن حين زادت شركته مساحة مكاتبها إلى ثلاثة أضعاف قرر العمل مع "ميتر" تخفيفاً للتكلفة والتعقيد. قال: "كنت سأضطر إلى تكليف شخص بتركيب كلّ هذه الأشياء لأعود وأتولى مسؤولية تشغيلها مجدداً، وهو ما لا أرغب فيه وليس لدي وقت من أجله".

شركات التكنولوجيا الناشئة في أوروبا تجمع 100 مليار دولار خلال 2021

تطلبت هذه الفكرة التي قد تبدو بسيطة جهداً تقنياً كبيراً. باع الأخوان فاراناسيس في 2014 أول شركة شبكات أقاماها وانتقلا ليقيما في غرفة واحدة في أحد فنادق شنجن في الصين، حيث بحثا عن شركاء في مجال التصنيع لمساعدتهما على بناء الموزعات والمبدلات التي يحتاجان إليها. قال سونيل: "كنّا نمضي كلّ اليوم في المصنع وننام على الأرض لأننا كنّا نريد أن نتعلم كلّ شيء عن عملية التصنيع... لم يكن لديّ سرير لأنه كان مغطى بلوحات الدوائر كي نختبر برنامجنا".

أنيل وسونيل فاراناسي في شركتهما في كاليفورنيا المصدر: بلومبرغ

لا تتحدَّ العمالقة

عمل الأخوان مع شركات ناشئة أخرى لدى عودتهما إلى الولايات المتحدة في 2016 لأنها كانت هدفاً أسهل من الشركات القائمة والمترسخة التي سبق أن اشترت كثيراً من الأجهزة الخاصة بشبكة الإنترنت. تمكنت "ميتر" بمضي الوقت من جذب شركات أكبر بعدما عرضت شراء واستبدال أجهزتها لتتمكن من إبرام صفقات. تقول "ميتر" إنها تدير مساحات تغطية "بملايين الأقدام المربعة" لشركات متعددة، لكنها ستواجه على الأرجح تحديات لبعض الوقت قبل أن تتمكن من إقناع الشركات الأكبر التي استثمرت كثيراً للاتصال بشبكة الإنترنت بشراء خدماتها. علّق الزبون المتشكك الذي يعمل في شركة البرمجيات قائلاً: "لا أعتقد أن (سيسكو) تعقد اجتماعات إدارة أزمات الآن".

أُطلق في دبي.. تطبيق الدردشة "Oh! Message" يسعى لتمويل بـ5 ملايين دولار

يُرجح أن تأتي إعادة تقييم طريقة عمل المكتب في ما بعد الوباء لصالح "ميتر"، لكونها تتحمل كامل الاستثمار المسبق بالأجهزة والتركيبات، ما يخفف المخاطر المالية للانتقال من مكتب إلى آخر. بدأت شركات عقارية مثل "تيشمان سبيير" (Tishman Speyer) بالتعاون مع "ميتر" لتتمكن من تشغيل الإنترنت على الفور إن طلب المستأجرون الذين ينتقلون إلى مكاتب جديدة هذه الخدمة كجزء من عقودهم. قال ألتمان من شركة "أوبن إي آي" التي استثمرت في "ميتر": "يجب أن تأتي البنية التحتية مع المكتب لا مع الزبون".