لماذا يتباطأ "الفيدرالي" الأمريكي في مواجهة علامات التضخم البازغة؟

تشهد أمريكا زيادة مستمرة في مستويات الأسعار مع تحسن الاقتصاد وعودة الاستهلاك مما يهدد بتفاقم التضخم الذي تغذيه أيضاً سياسات الاحتياطي الفيدرالي التوسعية
تشهد أمريكا زيادة مستمرة في مستويات الأسعار مع تحسن الاقتصاد وعودة الاستهلاك مما يهدد بتفاقم التضخم الذي تغذيه أيضاً سياسات الاحتياطي الفيدرالي التوسعية المصدر: بلومبرغ
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يخاطر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بالانتظار طويلاً قبل تقليص الحوافز التي منحها خوفاً من تكرار نوبة الغضب العارمة لعام 2013، لكن هذه المرة مختلفة حقاً، لأنَّه يحتاج إلى تثبيت إجراءاته في مكافحة التضخم.

تبدو مخاطر تركها بعد فوات الأوان، وفقدان ثقة السوق، أسوأ من مخاطر تقليص تدفق التيسير الكمي. مع وجود ميزانية عمومية تزيد على 7 تريليون دولار؛ فإنَّ مخاطر المبالغة في التناقص التدريجي صغيرة نسبياً.

الاختلاف في الرأي بين وجهة نظر "الاحتياطي الفيدرالي"، بشأن ما يعتبره مكاسب سعرية مؤقتة، من ناحية، وتقييم السوق لتسعير توقُّعات التضخم الآجلة، من ناحية أخرى، أدى إلى عمليات بيع حادة للسندات في فبراير.

يخاطر الاحتياطي الفيدرالي بتكرار ذلك، إذا لم يُظهر مصداقيته فيما يتعلَّق بالتضخم.

إذا ثَبت أنَّ وجهة نظره الأكثر اعتدالًا صحيحة - وعاد التضخم إلى ما يقرب من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% العام المقبل - فيمكنه دوماً تعديل مساره.

"جنون العظمة"

"الاحتياطي الفيدرالي" ليس وحيداً في هذه المعضلة، لكنَّه الوحيد الذي يعاني من "جنون العظمة" المؤسسي بسبب نوبة الغضب في عام 2013. وعليه تجاوز ذلك: كانت مستويات التحفيز والارتفاع في التضخم أقل بكثير في ذلك الوقت.

بدأ بنك كندا في تقليص المحفِّزات دون أي تأثير ملحوظ على العائدات، ومن المؤكَّد تقريباً أنَّ بنك إنجلترا سينهي برنامجه للتسهيل الكمي في نهاية عام 2021.

بدأت أصوات رهانات الصقور على المجلس الحاكم للبنك الأوروبي المركزي تعلو أكثر فأكثر، لكن لا يبدو من المحتمل أن تسبق إدارة الاحتياطي الفيدرالي.

يعدُّ التضخم مشكلة عالمية جماعية، ولكن حيثما تذهب الولايات المتحدة، يتبعها الباقي إلى حدٍّ كبير.

لهذا من المهم التعرف على أيٍّ تحوُّلات طفيفة في وجهة نظر "الاحتياطي الفيدرالي" حول ما إذا كان الانتعاش الاقتصادي سيؤدي إلى تحوُّل راسخ في البيئة التضخمية.

"الفيدرالي" ملتزم بمواجهة التضخم

أشار نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ريتشارد كلاريدا، الأسبوع الماضي، إلى أنَّه: "إذا كنَّا سنشهد ضغطاً تصاعدياً على الأسعار أو التضخم، مما يهدد بوضع توقُّعات التضخم عند مستوى أعلى، فلا شكَّ في أننا سنستخدم أدواتنا لمعالجة هذا الوضع".

كما أنَّ "لايل برينارد" أيضاً، عضوة فريق الحمائم في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، بررت اعتقادها بأنَّ توقُّعات التضخم على المدى الطويل مرتبطة جيداً بشرط أنَّ "لدينا الأدوات والخبرة لتوجيه التضخم بلطف إلى الهدف، وأنَّه لا ينبغي لأحد أن يشك في التزامنا بالقيام بذلك ".

ما يزال "الاحتياطي الفيدرالي" متمسكاً باعتقاده المركزي أنَّ غالبية المكاسب الحادة للتضخم ستخبو في العام القادم. ونتيجة لذلك؛ فإنَّ مخاوف السوق من تضخم خارج عن السيطرة تحظى بدعم أكثر، برغم أنَّه لا توجد إشارات واضحة لوقف المحفِّزات التي قدَّمها البنك المركزي.

تغذية التضخم

لكنَّ احتمالية التضخم لم تختفِ فجأة. إنَّ استمرار الاحتياطي الفيدرالي في ضخِّ حوافز شهرية بقيمة 120 مليار دولار، يترك ضغوطاً تضخمية كبيرة، لا سيَّما عند وضعها إلى جانب النمو الأمريكي هذا العام، الذي من المتوقَّع أن يتجاوز 6%.

ارتفعت أسعار المستهلك بوتيرة سنوية قدرها 4.2% في إبريل، مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك المستقبلي بنسبة 6.2%.

سيكون إصدار بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر مايو في 10 يونيو بمثابة اختبار رئيسي لثقة السوق في تطمينات الاحتياطي الفيدرالي.

يعتقد جيمس غورمان، رئيس "مورغان ستانلي"، أنَّ "الاحتياطي الفيدرالي" سيبدأ في تقليص المحفِّزات في نهاية هذا العام، ويبدأ في رفع أسعار الفائدة في أوائل عام 2022. قد يكون ذلك سريعاً للغاية بالنسبة للتفكير الحالي للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، ولكن إذا بقي التضخم عند مستوى أعلى بكثير من الهدف الرسمي البالغ 2%، فقد يكون من الصعب مقاومته، خاصة إذا استمرت إدارة "جو بايدن" في تبذيرها المالي بمليارات الدولارات.

من المحتمل أن تتجه عائدات السندات إلى الأعلى بمرور الوقت، وهو أمر منطقي مع استعادة الاقتصاد العالمي مكاسبه المفقودة من العام الماضي.

والسؤال هو ما إذا كانت هذه عملية منظمة، مع التزام "الاحتياطي الفيدرالي" بشكلٍ أكبر بالمخاطر التضخمية الواضحة.

تحتاج الأسواق المالية إلى الاعتقاد أنَّ نموذج البنك المركزي لا ينفصل عن حقيقة اختناقات العرض، والارتفاعات الحادة في أسعار السلع الأساسية، والازدهار في مبيعات التجزئة.

حان الوقت للبنوك المركزية للبدء في التخطيط للتراجع المنظَّم عن المحفِّزات القياسية. سيكون هذا أكثر أماناً على المدى الطويل.