"واتساب" تخوض معركة قضائية ستحدد مستقبل الإنترنت في الهند

"واتساب" أقامت دعوى قضائية ضد قواعد حكومية جديدة في الهند قد تؤثر على خصوصية رسائل المستخدمين
"واتساب" أقامت دعوى قضائية ضد قواعد حكومية جديدة في الهند قد تؤثر على خصوصية رسائل المستخدمين المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مستقبل الإنترنت في الهند.. هل هو مجاني ومنفتح؟ أم محبط ومسيطر عليه؟. قد يتمُّ تحديد ذلك من خلال دعوى قضائية مؤلفة من 224 صفحة رفعتها "واتساب" الأسبوع الماضي.

قيود حكومية

فمن خلال قولها، إنَّها تريد الحد من الأخبار المزيفة، وأعمال الانتقام عبر المواد الإباحية، وغيرها من العلل، أدخلت حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، قواعد جديدة في شهر فبراير، من شأنها إجبار منصات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" على تتبُّع رسائل الدردشة، بالإضافة إلى أشياء أخرى.

ومع انتهاء مهلة الأشهر الثلاثة للامتثال، قدَّمت "واتساب" التماسها في محكمة دلهي العليا.

اختراق الخصوصية

تجادل الشركة الأمريكية بأنَّ المطالبة بتتبُّع مصدر الرسالة ليس له اعتماد قانوني. لأنَّه لا يحمي الأشخاص، مثل: الصحفيين، والنشطاء السياسيين من الإجراءات التعسفية للدولة.

كما أنَّ هذه القاعدة الحكومية الجديدة لا تتفق مع المطلوب حالياً بموجب القانون الهندي بعد حكم المحكمة العليا لعام 2017، لكونها تُعدُّ على الأقل تعدياً وتقييداً لحقِّ الهنود الأساسي في الخصوصية.

يؤكِّد "واتساب" أنَّ الاحتفاظ بسجل للرسائل سيتطلَّب منه كسر التشفير من طرف إلى طرف، وحفظ مليارات الرسائل المرسلة من قبل أكثر من 500 مليون مستخدم في الهند.

"كسر التشفير"

إنَّ كيفية البتِّ في القضية خلال العام المقبل أو نحو ذلك، وهي تشق طريقها إلى الحكم، متبوعةً باستئناف لا مفرَّ منه، قد تعتمد على التفاصيل الفنية لنقل البيانات. إذ تتكوَّن رسائل الإنترنت من قسمين: العنوان، والحمولة.

يمكن اعتبار العنوان غير المشفَّر، الذي يمكن قراءته بواسطة أي جهاز توجيه يمر عبره، بمثابة ظرف يعرض معلومات التعريف، مثل: عناوين بروتوكول الإنترنت الأصلية والوجهة.

أما الحمولة فهي الرسالة نفسها. إذا كانت غير مشفَّرة؛ إذ يمكن لأيِّ شخص قراءتها على طول طريق مسارها. وإذا كانت الرسالة مشفَّرة، فسيتمُّ خلطها باستخدام خوارزميات يصعب اختراقها.

تقول الحكومة، إنَّ أخذ البصمات على كل رسالة - مما يجعلها قابلة للتتبع -

لا يشمل المحتوى.

لكنَّ "واتساب" يدَّعي أنَّ ذلك سيظلُّ يقوِّض تشفير (من طرف إلى طرف)، مما يشكِّل خطراً، لاسيَّما على الخصوصية، وسيُعرِّض "واتساب"، وتطبيقات الدردشة الأخرى، مثل"سيغنال" ليس فقط للتدخل الحكومي؛ ولكن أيضاً لهجمات القرصنة.

"الوسيط الرقمي"

تتطلَّب القوانين وجود وسطاء مهمين في وسائل التواصل الاجتماعي، لتعيين مسؤول امتثال، ومسؤول تظلُّم، وشخص يمكن التواصل معه على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وهو أمر تقبَّلته هذه الشركات على مضض. لقد خضع"فيسبوك".

بينما قال الرئيس التنفيذي سونداربيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "ألفابت" ووحدتها "غوغل" إنَّ الشركة "تحترم دائماً القوانين المحلية في كلِّ بلد"، وفقاً لما ذكرته صحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية، من جهة أخرى، طلبت شركة "تويتر" تمديداً لمدة ثلاثة أشهر.

لكنَّ إمكانية "التتبع" تُشكِّل معركة أكبر، ولقد كان "واتساب" جاهزاً لها.

و بحسب الموقع الإخباري"ذا مورنينغ كونتيكست"، فإنَّ قوانين الوسيط الرقمي في الهند تشبه إلى حدٍّ كبير تلك التي أقرَّها مجلس الشيوخ البرازيلي في يونيو من العام الماضي.

طلب مشروع القانون البرازيلي (PLS 2630/2020)، المعروف أكثر باسم قانون الأخبار الكاذبة، من الشركات تخزين الرسائل "المعاد توجيهها على نطاق واسع"، بسلسلة اتصالات كاملة، لمدة ثلاثة أشهر.

في حين لا تنصُّ النسخة الهندية على فترة تخزين للمعلومات، ولا تقتصر على انتشار الرسائل. وفي حال بقاء الحمولة مشفَّرة؛ فإنَّ المحفوظات الهائلة المخزَّنة إلى الأبد ستكون محدودة الاستخدام. وسيؤدي أخذ لقطة شاشة، أو نسخ رسالة ولصقها ببساطة إلى بدء السلسلة من نقطة الصفر.

"جدار الحماية العظيم"

يتمثَّل القلق الأكبر بالنسبة للهند، ليس في كون حكومة "مودي" تستعير تكتيكاً من تكتيكات الحكومة البرازيلية، لكنَّها تجر البلاد إلى الوراء، لما كانت عليه الصين في عام 2006.

وذلك عندما كانت "بكين" تُشغِّل "جدار الحماية العظيم"، وهو مشروع ضخم من شأنه أن يمنع المعلومات الخارجية من التدفُّق إلى الصين، ويسمح للسلطات بالسيطرة على ما تتمُّ مشاركته داخلياً.

وكانت النتيجة خروج بعض أكبر الشركات الأمريكية، بما في ذلك "فيسبوك"، و"غوغل"، و"تويتر" من أكبر سوق للإنترنت في العالم.

وحالياً، تنظر هذه الشركات نفسها إلى الهند على أنَّها الأمل الكبير التالي. فمع وجود الكثير من النمو في المستقبل، ليس فقط للمحتوى؛ ولكن أيضاً للتجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية، لا أحد يريد أن يتمَّ استبعاده.

"الرقابة الناعمة"

وفي حين كان لدى الصين الموارد اللازمة لبناء جدار الحماية بنفسها، ثم الاعتماد لاحقاً على الشركات لتقوم بالإنفاذ بشكل ذاتي، ستحتاج الهند إلى مصالح تجارية محلية للقيام بهذه المهمة.

فتحت عنوان "الإنترنت المسؤول"، وحماية المواطنين من "إمبريالِّي البيانات"، سيتوق العديد منهم إلى حثِّ الحكومة على الرقابة الناعمة، وذلك لأنَّ إبعاد شركات التكنولوجيا العالمية - أو إجبارها على قبول دور تابع - قد يساعد الرأسماليين الهنود في بناء إمبراطورياتهم الخاصة التي تركِّز على المستهلك.

ستكون عندها نيودلهي قادرة على ضمان أن تكون منصات الاتصالات الرقمية شائعة، ولكنَّها سهلة الإخضاع، مما يعني نشر الدعاية الحكومية دون التشكيك فيها أو حتى دون فضح نفاق الدولة. وسيكون الأشخاص الذين راقبوا الصين منذ فترة طويلة على دراية بهذا النهج.

استهداف "تويتر"

إنَّ الحملة التي جرت الأسبوع الماضي على مكاتب "تويتر" في نيودلهي وجورجاون، تمَّت بعد أن صنَّفت "تويتر" تغريدة نشرها أحد أعضاء الحزب الحاكم على أنَّها وسائط متلاعب بها، لذا استوجب وضع "تويتر" تحذيراً عليها.

الحفاظ على سوق ملياري

وبعد فشلها في الحفاظ على موطئ قدم لها في الصين من خلال السير بمفردها، وإثبات قضية الإنترنت المنفتح، ستحاول الشركات الغربية جاهدة عدم خسارة السوق الأخرى الوحيدة التي تضمُّ أكثر من مليار شخص.

وكان كلٌّ من "فيسبوك"، و"غوغل" قد اشتركا العام الماضي في حملة جمع أموال تزيد على 20 مليار دولار من قبل "جيو بلاتفورمز"، وهي شركة الأعمال الرقمية لزعيم البتروكيماويات "موكيش إمباني".

وبصرف النظر عن الضغط من أجل قوانين أكثر عقلانية، والبحث عن ملاذ قانوني؛ فإنَّ التعاون مع أغنى رجل في الهند يبدو استراتيجية جيدة.

ووسط عمليات المد والجزر المختلفة، قد ينتهي الأمر بالهند في مكان ما بين جدار الحماية على النمط الصيني، والنموذج الغربي للإنترنت المجاني.

إنَّ مصير التحدي القانوني لتطبيق"واتساب" سيقطع شوطاً ما حول أين ستكون الوجهة التي ستنتهي بها الهند في هذا المجال؟.