لماذا ينتعش الدولار الأسترالي بالرغم من الصدام مع الصين؟

جرافة تحمل الحديد الخام في شاحنة ذاتية القيادة بمنطقة "بيلبارا" في أستراليا
جرافة تحمل الحديد الخام في شاحنة ذاتية القيادة بمنطقة "بيلبارا" في أستراليا المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا حكمنا على الأمور من الأصوات الصادرة من السفارات، ووزارت التجارة، سنعتقد أنَّ واحدةً من أهم العلاقات الاقتصادية للصين تنهار، ولكن أسواق العملات تتوقع أنها على وشك اختبار طفرة جديدة.

وصل الدولار الأسترالي لأعلى مستوى في أكثر من عامين يوم الخميس، متوجاً ارتفاعاً نسبته 29% من أدنى مستوى وصل إليه أواخر مارس، وتأتي هذه التحركات بعد أن أظهرت البيانات خروج الدولة من الركود في الربع المنتهي في سبتمبر، وهو ما يشكل تبايناً كبيراً مع الصورة السياسية الكئيبة، إذ تنخرط أستراليا، وأكبر شركائها التجاريين، الصين، في حلقة صراع متزايد منذ أشهر.

وبعد أن أوقفت الصين بشكل غير رسمي وارداتٍ بحوالي ستة أنواع من المنتجات الأسترالية الشهر الماضي، تفاقمت الأوضاع المتوتِّرة بالفعل، وتنتظر أكثر من 50 سفينة محملة بالفحم منذ أكثر من شهر قبالة الموانئ الصينية لتسليم شحناتها، ونشر دبلوماسي في بكين الأسبوع الجاري تغريدة لصورة مزيفة لجندي استرالي يضع سكيناً على عنق طفل أفغاني، في إشارة إلى التحقيقات الجارية بشأن جرائم الحرب المزعومة من قبل القوات الخاصة الأسترالية.

وحظرت "وي تشات" التابعة لـ "تينسنت"، التي لديها 690 ألف مستخدم في أستراليا، رسالة باللغة الصينية من رئيس الوزراء "سكوت موريسون"، يردُّ فيها على صورة الجندي.

كلمة السر: الحديد الخام

دعونا من الاضطرابات الدرامية السياسية، فسوف تُكرر الصادرات الأسترالية للصين، بعد كسرها الأرقام القياسية في كل عام من الأعوام الخمسة الماضية، الحيلة نفسها مجدداً في 2021، وليس من الصعب معرفة السبب عند النظر إلى الأرقام.

وتتكون أكثر من نصف إجمالي صادرات أستراليا إلى الصين من منتج واحد: الحديد الخام الذي كانت تجارته في ازدهار على مدار العام الماضي، في ظلِّ تطبيق الصين لاستراتيجيتها المعتادة المتعلقة بالتحفيز الصناعي لشق طريقها خروجاً من الركود الناتج عن فيروس كورونا، وتأتي البرازيل ثاني أكبر مصدر للحديد الخام، ولكنها تضررت بشدة من الوباء، إلى درجة لم تمكِّنها من زيادة شحناتها بما يكفي لمواكبة الطلب، ووصلت قيمة الخام المتداول في سنغافورة 131.26 دولاراً للطن المتري يوم الأربعاء، وهو أعلى مستوىً في سبع سنوات تقريباً.

استمرار التوسع يدعم الطلب

لا يوجد ما يوحي بأنَّ هذا التبادل التجاري سيتراجع على مدار الأشهر المقبلة، وبالرغم من أنَّ متوسط توقُّعات المحلِّلين لسعر الحديد الخام يبلغ 92 دولاراً للطن في 2021 بالمقارنة مع ـ102 العام الجاري، فإنَّ أسعار العقود الآجلة تتضمن رقماً يصل إلى 116.64 دولاراً للطن.

وتقدر وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" أنَّ وتيرة نموِّ الإيرادات في قطاع الهندسة والإنشاءات الصيني كثيف الاستهلاك للصلب، لن يصل إلى ذروته قبل النصف الأول من العام المقبل، مع استمرار التوسع بعد ذلك، وارتفعت أسهم شركة تعدين الحديد الخام الاسترالية "فورتسكيو ميتالز جروب" إلى أكثر من 13% في تداولات يوم الخميس بعد أن أعلنت شركة "فالي" البرازيلية عن أهداف إنتاج ضعيفة للعام الجاري والمقبل.

أما الفحم، ثاني أكبر منتج تصديري، فهو في وضعٍ حرج بعد أن تعهَّد الرئيس الصيني "شي جين بينج" بتحويل الصين إلى دولة صفرية الانبعاثات في 2060، وكما كتبتُ من قبل، لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً من الصين قبل أن تصبح مكتفية ذاتياً من "السُخام"، وهو وضع غير وارد في حالة الحديد الخام، كما أنَّ الفحم يندرج في قائمة المنتجات الخاضعة لحظر الواردات غير الرسمي.

تحديات أمام الفحم

بالرغم من ذلك، فإنَّ الآفاق وردية حتى للمنتجات المحظورة، ويعدُّ الفحم الحراريُّ، وفحم الكوك الأسترالي أرخص بكثير من نظيره الصيني، وهي حقيقة تزداد وضوحاً مع تراجع المعروض نتيجة الحظر، وارتفاع الأسعار في البرِّ الرئيسيِّ، وتفضل المرافق - خاصة تلك في المقاطعات الساحلية القريبة من الموانئ - الفحم المستورد، وسوف تصبح مناشداتهم أعلى مع مضي بكين قدماً في تخفيف التنظيمات في سوق الطاقة، مما سيقلص إيرادات مولدي الطاقة من الفحم، ويدفعهم لخفض نفقاتهم من خلال السعي لشراء فحم أرخص.

عودة "سوق التعليم"

ومع ذلك، سوف يأتي التغيير الأكبر من فتح الحدود مجدداً، عندما يتمُّ توزيع الأمصال، وقد تضرَّر ثالث أكبر منتج تصديري أسترالي للصين، وهو التعليم بحدَّة من الوباء، وهناك 166.206 طلاب من الصين مسجلين في الجامعات الأسترالية، ولكن نصف هذا العدد عالق خارج الدولة، وفقاً لدراسة أجريت في أكتوبر.

وتراجع عدد الطلاب الصينيين المقيمين في أستراليا بحوالي 25 ألف في الفترة بين مارس وأكتوبر، ويتكون الجزء الأكبر من "الصادرات" التعليمية من الأموال المنفقة على الآجارات والتسوق، ومع انحسار عدد حالات الإصابة بالفيروس، سيزداد عدد الطلاب مجدداً، وبالفعل ظهرت بوادر قدوم الطلبة الأسبوع الجاري في مدينة داروين، وبالتالي سوف ترتفع إيرادات التصدير كذلك.

روابط مرنة

بالرغم من كلِّ مشاعر الاستياء بين الصين وأستراليا هذه الأيام، فإنَّ هذه الروابط سوف تظل مرنة بشكل مذهل، وسوف يعود الطلبة عاجلاً أو آجلاً، خاصة بعد أن دفعوا تكاليف الدورات لسنوات عديدة، وكذلك السياح الذين يبدو أنهم ينسون الإساءة أسرع من الساسة.

وتسبَّبت حرب كلامية مع كوريا الجنوبية بسبب استخدامها لدرع صاروخي أمريكي في انخفاض عدد الزائرين الصينيين بحوالي 50% في 2017 بالمقارنة مع العام الذي يسبقه، ولكن نمت الأرقام في العام التالي بنسبة 15% ثم 26% في العام الذي يليه.

وإذا وضعت تلك العناصر التجارية معاً، فسوف تشكِّل حوالي 100 مليار دولار من الصادرات، أي أكثر بكثير من الـ15 مليار دولار، أو نحو ذلك من قائمة المنتجات المستهدفة من قبل الصين، التي تتضمن 792 مليون دولار من النبيذ، وعلاوة على ذلك، لن يكون الضرر الملحق دائماً على الأرجح، فالقائمة، بعد كل شيء، ليست رسمية، وبدأ وكلاء الجمارك الصينيين فعلياً بسماح دخول بعض شحنات الفحم.

وبالرغم من كلِّ التوترات بين المسؤولين الأستراليين والصينيين؛ فإنَّ الروابط التجارية قوية بقدر ما كانت دائماً، بل من المرجح أن تزداد عمقاً في الإثني عشر شهراً المقبلة مع انحسار وباء فيروس كورونا، وهو ما يدعو إلى القلق بشكل أقل من الخطاب السياسي، والتركيز أكثر على الأسس القوية، وكما أشار "آدم سميث" سابقاً، فإنَّ ثرواتنا الاقتصادية لا تعتمد على إحسان شركائنا، وإنما على مصالحهم الشخصية.